قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إن نقطة التحول الأساسية في تطبيع العلاقات مع مصر كانت لقاء الرئيسين رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي في الدوحة.

جاء ذلك في حديث للصحفيين حول زيارته إلى القاهرة التي أجراها السبت، والتقى خلالها مع نظيره المصري سامح شكري.

وحول التقدم في تطبيع العلاقات، قال تشاووش أوغلو إن هناك "مرحلة نضج" حدثت بين البلدين، موضحًا أنه وشكري كانا اتفقا على خارطة طريق في نيويورك، تنص على لقاء مساعديهما أولًا ومن ثم يلتقيان هما في بلد ثالث، وثم يتم التحضير للقاء الزعيمين.

وأوضح أن الاجتماع الموسع تناول كافة المواضيع، انطلاقًا من الطاقة والنقل والشحن وصولًا إلى الشركات التركية العاملة في مصر واستثمارات تركيا فيها، إضافة إلى الخدمات اللوجستية والتعليم والثقافة وغيرها من المجالات.

وأوضح أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ناهز 10 مليارات دولار، وأن تركيا ترغب في ابرام اتفاقية طويلة الأمد مع مصر فيما يتعلق بالغاز المسال، لأن تركيا وبفضل محطات الغاز المسال لديها تقوم بتصدير الغاز إلى دول جنوب شرق أوروبا والبلقان.

من جهة أخرى أشار تشاووش أوغلو إلى أن الجانب التركي اقترح استئناف رحلات النقل البحري "رورو".

ونوه أنهم بحثوا تطوير التعاون الدفاعي وتعزيز الحوار العسكري بين البلدين على وجه الخصوص، إضافة إلى مواضيع مثل التعاون بين الجامعات والتبادل الطلابي.

 

تطورات محلية ودولية وإقليمية

وأكد الباحث في الشأن التركي، بشير عبد الفتاح، أن عودة العلاقات بين مصر وتركيا تمليها تطورات محلية ودولية وإقليمية، مشيرًا إلى أنه فيما يتعلق بالتطورات المحلية فإن الدولتين تعانيان من أزمات اقتصادية طاحنة، وهناك انتخابات رئاسية على الأبواب في تركيا بمايو المقبل، ومصر العام المقبل، وبالتالي هذا من شأنه أن يدفع الدولتين للتقارب لكسر هذه الدائرة المغلقة من المعاناة الاقتصادية والضغوط السياسية.

وأضاف عبد الفتاح، أنه فيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية فهناك تغيرات في الشرق الأوسط بسبب السلام الإبراهيمي وتطبيع الكيان الصهيوني لعلاقاته مع الدول العربية، وهذا قد يؤدي إلى حالة من العزلة، لأنه يفرض نمطًا جديدًا من العلاقات، مشيرًا إلى أن قوة إقليمية كبرى مثل الكيان الصهيوني تحاول الاقتراب من دول المنطقة والاندماج معها في مشروعات اقتصادية جديدة، ومصر وتركيا لا تريدان أن تكونا بعيدتين عن هذا الترتيب الجديد، وفقًا لـ"روسيا اليوم".

أما دوليًا فإن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتأثيراتها على شكل النظام الدولي، والشرق أوسطي، حيث يعاد هيكلة النظام العالمي من جديد ، وكذلك هندسة الشرق الأوسط مجددا، ومن مصلحة تركيا ومصر أن لا تكونا بعيدتين عن كل هذا، وأن تعيد هيكلة علاقاتهما بما يسمح لهما من الاستفادة من كل هذه التطورات، وبالتالي الدولتين مدفوعتين لذلك، وسيأخذان خطوات مهمة على سبيل التقارب، وتذويب الجليد وإبداء مرونة في القضايا الخلافية المختلفة، وهو ما من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط نحو المزيد من التقارب والتعاون بين دولهم.

 

اللقاء المرتقب بين السيسي وأردوغان

وحول اللقاء المرتقب بين قائد الانقلاب السيسي والرئيس أردوغان، كشف عبد الفتاح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيبدأ بزيارة مصر، وهو ما يؤكد تغيير موقفه تجاه أزمة التي كانت موجودة بين البلدين، مشيرًا إلى أن توقيت الزيارة تحكمه حسابات انتخابية، فإذا كانت مفيدة لأردوغان وغير مضرة فإن الزيارة ستكون خلال عيد الفطر المقبل، أما إذا كانت الحسابات الانتخابية تضر بأردوغان فإن الزيارة ستكون بعد إجراء الانتخابات، معربًا عن توقعه أن تكون أول زيارة خارجية لأردوغان بعد الفوز بالانتخابات الرئاسية هي مصر.

وكان الرئيس أردوغان قد التقى قائد الانقلاب السيسي بالدوحة في نوفمبر الماضي، على هامش استضافة قطر لمونديال كأس العالم لكرة القدم، شكل "نقطة التحول الأساسية" فيما يتعلق بتطبيع العلاقات بين البلدين، حسبما أكد تشاووش أوغلو.

 

3 عوامل في مساعي إصلاح العلاقات

ويرى الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، أن الطرفين يُظهران إرادة سياسية قوية للمضي في المصالحة ويتحاوران على أرضية سياسية أكثر إنتاجية.

ويؤكد علوش في مقاله " تركيا ومصر.. هل اقتربت المصالحة؟" على موقع "الجزيرة.نت"، أن هناك 3 عوامل تُفسّر الزخم الجديد في مساعي إصلاح العلاقات:

أولًا - رغم أنه لم تُعقد حتى الآن سوى جولتان فقط من المحادثات الاستكشافية (الأولى كانت في القاهرة في الخامس من مايو 2021 والثانية كانت في القاهرة في التاسع من سبتمبر من العام نفسه)، فإن المحادثات خلقت أرضية بناءة لمشروع المصالحة وساعدت في تفكيك بعض العقد في الأزمة، كموقف تركيا من جماعة الإخوان المسلمين والتهدئة السياسية والإعلامية بين البلدين، فضلًا عن إسهاماتها في الحد جزئيًا من تأثير الخلافات التركية المصرية في الملف الليبي على مسار الحوار.

ثانيًا - أدى نجاح قطر في ترتيب لقاء قصير ومصافحة تاريخية بين الرئيسين أردوغان والسيسي على هامش افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم في الدوحة في 20 نوفمبر 2022 إلى إزالة عقبة أساسية في استعادة التواصل على مستوى القادة. وقد أعطى الرئيسان بعدها توجيهات لدبلوماسييهما لمنح زخم جديد لمسار المصالحة. في الواقع، لعبت البراغماتية التي يتمتع بها أردوغان والسيسي دورًا حيويًا في إحداث تحول جذري في العلاقات من الخصومة إلى محاولة البحث عن مخرج للأزمة.

ثالثًا - خلق زلزال السادس من فبراير مساحة لدبلوماسية الكوارث، التي نشطت في المنطقة، لتحريك المياه الراكدة في مسار المصالحة التركية المصرية. وقد لعبت المساعدات التي قدّمتها مصر إلى تركيا إلى جانب زيارة وزير الخارجية المصري لها دورًا حيويًا في تعزيز التواصل السياسي بين البلدين على مستوى دبلوماسي رفيع. عندما يتطور التواصل إلى هذا المستوى، فإن الرؤساء ووزراء الخارجية يلعبون دورًا مهمًا في اتخاذ القرارات التي تُساعد في دفع عملية المصالحة.

 

عقبات في طريق المصالحة

ووفقًا للتطورات الآنية في المنطقة، فإن الباحث في العلاقات الدولية يرى أن إعادة إصلاح العلاقات ستخلق آفاقًا جديدة لهما للتعاون في مجالات حيوية متعددة، بدءًا من الاقتصاد والطاقة وصولًا إلى التوصل إلى مقاربة مشتركة لحل خلافاتهما في ليبيا، وهي عقبة ظلت حتى وقت قريب عائقًا أساسيًا امام إتمام المصالحة.

ويتابع، أنه من غير الواضح متى سيتخذ البلدان قرارًا بإعادة تبادل السفراء، لكن الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب قبل كل شيء معالجة القضايا التي لا تزال محل تباين كملفي ليبيا وشرق المتوسط. مع أن البلدين لم يتخذا خطوات مضادة مباشرة ضد بعضهما البعض في شرق المتوسط، إلا أنهما لم يتمكنا من التوصل إلى مقاربة مشتركة في هذه القضية.

وعند الرجوع إلى أولويات كل بلد، يقول علوش إن أولوية تركيا حاليًا تتمثل في إبرام تفاهمات مع مصر في ملفي ترسيم الحدود البحرية والغاز والانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط، لكن القاهرة تُرهن التفاهم في هذه المسألة بمعالجة الخلافات بينهما في ليبيا.

وانطلاقًا من أن لدى الجانبين مصلحة مشتركة في إنجاح المرحلة الانتقالية الراهنة، فإنهما بحاجة أيضا إلى التعايش في ليبيا، والنظر إلى الفوائد التي يُمكن أن يجنياها من هذا التعايش، فالعامل الوحيد الذي يُمكن أن يُساعد في توصل البلدين إلى أرضية مشتركة في ليبيا يكمن في تخلي القاهرة عن مطلبها بانسحاب القوات التركية من ليبيا والتفكير بدلًا من ذلك في سبل التعاون مع تركيا، لإنجاح المرحلة الانتقالية الجديدة المتعثرة.