يقول الكاتب السعودي علي الفيفي الذي يحتل موقعا بين الكتاب المنافحين عن جيل الصحوة في المملكة العربية السعودية عن الراحل أبو مازن الذي رحل عنا الأربعاء 15 مارس 2023، "" أبو مازن " .. وقد كان هذا الرائد ينشد للجهاد والدعوة من منطلق نضالي جهادي ، لا لغرض فنّي ، أو امتداد طبيعي لموهبة كانت مكبوتة .. كان يقرأ الدواوين الشعرية ثم إذا اجتمع عنده عدد من القصائد التي تتحدّث عمّا يعيش في روحه من هم .. وما ينبض في قلبه من دم .. وانصبغت بلحن ينبعث من داخله ..".

 

ولكّم كتب الأديب السعودي علي الفيفي (آخرون يحملون أسماء مشابه) يعبتر عن الصحوة فكتب مقالا بعنوان: "لمن يعتذر عن شباب الصحوة" يقول من بين أسطره "إذا رأيت أعداد المصلين للتراويح، وحشود الحجيج، ومخرجات جمعيات التحفيظ علمت أن صحوة اليوم أضخم وأعظم"، ويضيف في أسطر أخرى "إذا سخر زنديق بالشرع في تغريدة، فهب عشرات الآلاف يُبَكّتونه، ويزجرونه بمقالات ومقاطع وتغريدات تيقنت أن الصحوة اليوم أقوى هديرا".

 

وفي مقاله (حقيقة الصحوة!) المنشور على موقع (طريق الإسلام) يؤكد أنه "لا يعرف ما هي الصحوة،من يزعم أنها انتهت،  الصحوة ليست الشريط الإسلامي،ولا المطوية، ولا الكتيّب.. الصحوة ليست محاضرات العودة، ولا دروس الحوالي، ولاخطب القرني، ولا أشرطة ناصر العمر، ولا قصائد العشماوي. اخي الذي ابتسمت وانت تقرأ ... انت صحوي".

 

موقع النشيد من الصحوة

 

ولكن في مقاله (أيام الصحوة...الحلقة (7) والأخيرة) يبدأ كتاباته بعنوان (أخي أنت حرّ) فيقول أن ".. النشيد أيقونة صحويّة لا يمكن تجاوزها ، جاءت بكثير من المعاني الخصبة ، والحماس الديني ، وشكّلت أرضيّة لنفوس متوثبة للعطاء والخير .. فلا بد من وقفة خاطفة على ضفاف النشيد ..".

 

وعن إحساس النشيد مع (أبو مازن) يشير إلى ما يعتبره ".. حرارة دفّاقة تجعل كل كلمة تنتفض بمعانٍ أخرى ليست من ضمن ما سطّره الشاعر .. إذا حدث ذلك كلّه .. ذهب إلى بيت أحدهم بمسجل قديم ، وميكرفون .. ثم بدأ ينشد هو وصحبه تلك الكلمات على أمل أن تصل إلى أبناء مدينته وما حولها من ضِياع وقرى .. كان هذا أبعد طموح أبي مازن .. لم يتخيّل أن تتعدّى أناشيده نطاق دمشق ـ. لم يتصوّر أن تصل إلى حمص وحلب وحماة .. وما هو أبعد من حمص وحلب وحماة ..".

 

والحديث مستمر عنه وإلى آخر المقال فيضيف "بعد سنوات قرر الذهاب إلى مصر والعيش فيها ، وفي مصر اكتشف نفسه ، وعلم أنّ أناشيده هي بالفعل ما يردده المجاهدون في أنحاء الأرض ! وبأنّ صوته صار سيمفونيّة خالدة في أرجاء المعمورة ، وبأن تلك الكلمات التي روّاها بروحه قد انتفضت بالحياة .. وصار الجميع يرددها بحماس :

 

مسلمون .. مسلمون .. مسلمون

 

حيث كان الحق والعدل نكون ..

 

نرتضي الموت ونأبى أن نهون

 

في سبيل الله ما أحلى المنون ..

 

ولكنه يبدي تعجبا من أن ".. أبا مازن عندما خرج من سوريا .. خلع كنية أبي مازن هناك .. وتركها للأبد .. فكان يعمل في مصر ويختلط بأناس يرددون أناشيده ولا يعلمون أنّه هو من أنشدها ذات يوم .. قرر أن يصمت .. ويترك ماضيه الدعوي لله .. فما كان لله لا ينبغي أن يُفاخر ويجاهر به ..".

 

وعن انتشار صيته وذيوعه يلفت إلى أن "استمع فتيان الدعوة في السعودية واليمن والكويت والبحرين ومصر والمغرب وباكستان وإندونيسيا وأوروبا وغيرها من بقاع العالم لأناشيد أبي مازن .. فحرّكت فيهم معان العزّة والصمود والإباء ..".

 

أخي أنت حرّ وراء السدود

 

أخي أنت حرّ بتلك القيود

 

إذا كنت بالله مستعصماً

 

فماذا يضيرك كيد العبيد

 

أخي قد جرت من يديك الدماء

 

أبت أن تذل بقيد الإماء

 

سترفع قربانها للسماء

 

مخضبة بوسام الخلود ..

 

وعلى هذا النحو كلمات شعرية وكلمات نصية سردية نثرية يعبر عن كيف "صبغت تلك الحنجرة السوريّة المجاهدة كل كلمات الشعراء بلحنها ، فصار لا يترنّم مترنم ببيت شعر إلا وجاء على لحن من ألحان أبي مازن .. فتأثر الجيل بذلك العملاق .. الذي ابتدأ جهاده وهو في الثامنة عشر من عمره ، وتوقف وهو لم يبلغ الثلاثين .. في عشرة أشرطة تحولت من كلمات إلى دماء تسري في روح الأمة .. "

ويكمل "بعدها بدأ جهاد الكلمة الملحّنة ينداح في الأرض .. وعلى خطا أبي مازن جاء أبو الجود وأبو دجانة وأبو الحسن وأبو راتب كلّهم من الشام .. يهتفون :

 

غضب يسري في الأوطان

 

يمضي يذكيه القرآن

 

سأعود بنور الإيمان

 

لأدكّ عروش الطغيان

 

رحّال والعزم ردائي

 

واللقب المحبوب فدائي

 

رحال والمجد أمامي

 

وجلال التاريخ ورائي

 

إيماني بالله يقيني

 

من غدر وخسّة أعدائي ..

 

وعمن كتب له من الشعراء من اختارهم لينشد لهم أشعارهم "كتب شعراء الدعوة كلمات تنبض بالعزة والرفعة في زمن اشتاقت فيه النفوس إلى العزة والرفعة .. كتب : يوسف القرضاوي ، وعبد الرحمن بارود ، وجابر قميحة ، وعبد الرحمن العشماوي ، وحبيب اللويحق .. وغيرهم

ونشّد : أبو مازن وأبو الجود وأبو دجانة وأبو الحسن وأبو راتب .. ثم امتدّت دائرة الإنشاد الدعوي لتصل إلى الخليج ..

 

إحساس أول مرة

 

وعن إحساس مر به المثيرون يصف الشيخ الفيفي فيقول "..كانت أناشيد تلك الأيام تأتي بكُنى المنشدين .. فإذا لم يكن للمنشد الشهرة الكافية كانت تأتي بأسماء المراكز الصيفية التي انطلقت منها .. كأناشيد : الدمام ، والعقيق ، والشفا ، والصدّيق .. الخ

 

وأردف، "زرت بيت خالتي وأنا في الابتدائية ، فأسمعني أبناء الخالة أناشيد الدمام 2 .. فلم أدر لحظتها ما هي ميزة هذا الشريط ليتحلّقوا حول المسجّل لسماعه .. في المساء أعادوا تشغيله ، فإذا بي أتفاجأ وألفت نظرهم بأن تلك الأغنية بلا موسيقا !".

 

وأكمل، "فأخبروني أن جميع ما سمعناه دون موسيقا .. فقلت : مستحيل .. فقط هذه .. فأعادوا علي الأناشيد كلّها فإذا بها خالية من الموسيقا ، ثم أخبروني أن هذه اسمها أناشيد وليست أغان ! تلك هي لحظة تعرّفي على الأناشيد الإسلامية ..".