قال موقع "فير أوبزيرفر" الأمريكي إن عبدالفتاح السيسي يتحايل على صندوق النقد ويقوم بتعزيز اقتصاد الجيش الذي يمثّل ركيزة أساسية في بقاء حكمه، وذلك لدى مناقشة تقرير للموقع عن احتمالات نجاح قرض صندوق النقد الدولي في إنقاذ الاقتصاد المصري المتعثّر!

وقبل أيام، قال يزيد صايغ كبير باحثي مركز كارنيجي للشرق الأوسط إن "محفظة الأصول الضخمة للجيش المصري القوي، الذي لعب دورا رئيسيا وسريا، في الاقتصاد على مدى عقود لا يزال بعيدا عن طاولة الصفقات إلى حد كبير".

وأضاف "الصايغ" في تصريحات لراديو فرنسا الدولي في أن الشركات المملوكة للجيش، يحيطها الغموض من الناحية المالية، لدرجة لا تجعل طرحها في السوق أمرا ممكنا.

وأوضح أن اثنتين فقط من هذه الـ (32) شركة المعروضة للبيع هما شركتان عسكريتان، إحداهما هي “الوطنية للبترول” التابعة للجيش، والتي كانت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) قد فكرت في شرائها عام 2021.

وأشار يزيد الصايغ إلى أن تلك الصفقة تعثرت على ما يبدو، لأن الإدارة المالية الداخلية للشركة العسكرية كفيلة بأن تخيف أي مستثمر جاد من المخاطرة برأسماله.

وأوضحت "ف. أوبزرفر" أن النظام الديكتاتوري لـ اللواء عبد الفتاح السيسي -المسؤولٌ عن المجمع العسكري والأمني المصري القوي- غير قادر على تلبية مطالبه بالحذر المالي، في حين يعتمد السيسي على القوات العسكرية والأمنية للبقاء في منصبه ويتبع نموذجًا اقتصاديًا يستمرّ في خذلان الشعب المصري، بينما يبني جبلًا هائلاً من الديون.

وأكد الموقع الامريكي أنه إلى الآن، لا يبدو أن مصر قد اتبعت توصيات سياسة صندوق النقد الدولي، حيث إنه من خلال تقديم التوصيات، أظهر صندوق النقد الدولي سوء فهم منهجياً للديناميات الأساسية للاقتصاد السياسي في مصر، مشيراً إلى أن سوء الفهم هذا سيؤدي إلى تفاقم مشاكل مصر الاقتصادية وتفاقم الأزمة الحالية.
شدد على أنه لعقود ظل للجيش حقّ المطالبة أولاً بموارد مصر، في حين يوصي صندوق النقد الدولي بأن يتخلى الجيش عن موقعه الاقتصادي المتميز. كما يدعو إلى تكافؤ الفرص بين القطاعين العام والخاص.


مواطن الخدع

ولفت التقرير إلى أن قرار السيسي ينايرالماضي، بإصدار مرسوم رئاسي يقضي بتخصيص أراضٍ ثمينة للجيش، حيث يمتلك الجيش الآن أرضًا بعرض كيلومترين على كلا الجانبين من 31 طريقًا، ويستخدم الجيش هذا التكتيك للسيطرة على قطع الأرض الصالحة تجاريًا، والتي يستخدمها بعد ذلك لأنشطة مدرّة للربح.

وأدخل السيسي تعديلاً على القانون 30 لعام 1975، الذي ينظم عمل هيئة قناة السويس، حيث جاء ذلك بعد أيام قليلة من صفقة صندوق النقد الدولي، وأنه للوهلة الأولى، فإن هذا التعديل ينفّذ توصيات صندوق النقد الدولي، حيث يؤسّس “صندوق قناة السويس” الذي سيستثمر فائض الإيرادات من عمليات القناة، كما سيكون هذا الصندوق أيضًا قادرًا على “تأجير وبيع وشراء الأصول وتأسيس الشركات والاستثمار في الأدوات المالية”.

واستدرك الموقع الامريكي لافتا إلى بيان صادر عن السيسي، عن أنّ الصندوق الجديد سيكون تحت سيطرة “كيان سيادي”، وهو تعبير ملطّف عن الأجهزة الأمنية. علاوة على ذلك، لا ينصّ التعديل على أي رقابة برلمانية على الصندوق. وهذا يعني أن الجيش سيكون قادرًا على سحب العملة الصعبة من هذا الصندوق، الأمر الذي قد يكون حاسمًا للوفاء بالتزامات ديون مصر واحتياجات الاستيراد للسكان.

وأضاف أنه "ليس لدى الحكومة خطة حقيقية لبيع الأصول المملوكة للدولة كجزء من الجهود المبذولة للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون، وأنه من بين 32 شركة تقوم ببيعها، اثنتان فقط منها مملوكتان للجيش"، مشيرا إلى أنه يبدو أن سلسلة محطات الوقود (الوطنية)، قد تعرضت للتجريد من الأصول، وتم نقل معظم أصول الوطنية إلى ChillOut، وهي سلسلة أخرى مملوكة للجيش.

وأشار التقرير إلى أن الصفقات التي تم القيام بها هي أيضاً في مأزق؛ حيث إنه في فبراير، استحوذت أدنوك على نصف محطات الوقود التابعة لشركة توتال، في حين أفادت تقارير بأن هذه الشركة الإماراتية المملوكة للدولة تتراجع عن الصفقة.

وحذر من أنه من الواضح، كما توقّع كثيرون، أنّ توصيات صندوق النقد الدولي تواجه مقاومة شديد، ومن ثم، فإن تنفيذها غير مرجّح للغاية.

التقرير لم ينتبه إلى ارتفاع التضخم في مارس إلى ما يزيد عن 31 % ولكنه لفت إلى ارتفاع التضخم من 21.9٪ في ديسمبر إلى 26.5٪ في يناير، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، حيث إن تكلفة الخبز واللحوم والدواجن ارتفعت أكثر بكثير، وكيف فقد الجنيه المصري نصف قيمته منذ مارس 2021، في حين لاحظت بلومبرج أنّ تخفيض قيمة العملة قد أضرّ بالفعل بالاقتصاد المصري، وأنه ابتداءً من فبراير، انخفض القطاع الخاص لمدة 26 شهرًا متتاليًا.

وحذر التقرير من أن الديون باتت تأخذ اتجاهات مقلقة، وأنه على الرغم من انخفاض الدين الخارجي بنسبة 0.5٪ على أساس ربع سنوي، فقد ارتفع الدين قصير الأجل من 11.48٪ في سبتمبر 2021 إلى 27.4٪ في سبتمبر 2022، وهو ما يثير القلق.

"ف. أوبزرفر" قالت إن السيسي يواجه ضغوطًا لسداد ديونه حتى مع بقاء ثقة المستثمرين منخفضة. لذا، فإن النظام يعتمد على الاقتراض قصير الأجل لحلّ المشكلة، موضحاً أنّ هذا الدين يأتي بسعر أعلى ويتم إصداره بأسعار فائدة أعلى، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة خدمة هذا الدين في مصر، لافتاً إلى أنه مما لا يثير الدهشة، أنّ وكالة مودي خفضت التصنيف الائتماني لمصر من B2 إلى B3، مما زاد الضغط على نظام السيسي.

واعتبر التقرير أنه من حيث الجوهر، فإن احتمالات توصيات سياسة صندوق النقد الدولي ضعيفة، والواقع أن بعض توصياتها لن تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة وزيادة الفقر، موضحاً أنّ الحل الوحيد الممكن والدائم للأزمة هو التحول الجذري لنموذج مصر في رأسمالية المحسوبية.

وختم بأن توصيات السياسة الاقتصادية لصندوق النقد الدولي لا يمكن أن تنجح في ظل نظام السيسي وأنه كمن يرمي الأموال الجيدة بعد السيولة وقروضه التي لن تؤدي إلا إلى إثراء النخب في نظام السيسي العسكري، بينما يلحق الأذى بشعب مصر الذي طالت معاناته.

وفي 16 ديسمبر 2022، وافق صندوق النقد الدولي أخيرًا على قرض جديد بقيمة 3 مليارات دولار لمصر، حيث تواجه البلاد أزمة اقتصادية عميقة، ولكن التقرير قال إنه "للمرة الأولى، استخدم صندوق النقد الدولي لغة مباشرة لانتقاد النموذج الاقتصادي للنظام، ودعا إلى تجديد شباب القطاع الخاص، وإنهاء الامتيازات التي تتمتع بها الشركات المملوكة للجيش، وخفض الدين العام، والانتقال إلى سعر صرف مرن".