تستمر أزمة نقص الدولار بمصر في التزايد يومًا بعد يوم، وتتبخر الحلول في أيدي حكومة الانقلاب، ولا تجد أمامها سوى بيع الشركات والبنوك والأصول السيادية بالدولار.

وتشير التوقعات الاقتصادية للبنوك والمؤسسات الأجنبية إلى أن مصر على أبواب تعويم رابع للجنيه، خاصة وأن سعر الجنيه لم يصل بعد إلى سعر التوازن، واستمرار السوق السوداء التي يزيد سعرها عن السعر الرسمي في السيطرة على الدولار، واتجاه جانب كبير من أموال تحويلات المصريين بالخارج إليها للاستفادة بفارق السعر، وعدم تنفيذ البنوك عمليات البيع للدولار للراغبين في شرائه بالسعر المُعلن للبيع، أو حتى بعد إضافة زيادة عليه تحت مُسمى علاوة تدبير عُملة.

وتمر مصر بأزمة كبيرة منذ خروج أكثر من 20 مليار دولار في بدايات عام 2022 من أموال المستثمرين الأجانب (الأموال الساخنة) والتي كانت تمثل سندًا للاحتياطيات من العملات الأجنبية، وتساعد في دفع أقساط الدين الخارجي في مواعيدها، وفي استيراد السلع الأساسية من قمح وذرة وفول صويا ووقود، ولم تفلح عمليات خفض العُملة المتتالية في جذب الأموال الساخنة مرة أخرى بقدر مؤثر.

 

الدولار من 33 – 35 جنيهًا

وتوقع بنك "سوسيتيه جنرال" الفرنسي، حدوث تراجع آخر في سعر صرف الجنيه خلال الربع الأول من العام الجاري، إلى متوسط 34 جنيها لكل دولار واحد.

وذكر البنك في مذكرة بحثية صادرة، الأحد، أن سعر الصرف الحالي للجنيه، أعلى من قيمته الحقيقية بنسبة 10%، مشيرًا أن سعر 34 جنيهًا قد يكون واقعًا بحلول نهاية مارس المقبل.

كما ربطت كارلا سليم، اقتصادية تشارتد ستاندرد المختصة بالشؤون الاقتصادية في الشرق الأوسط، توقعاتها بعاملين الأول وهو إصدار صكوك لجمع الأموال الساخنة والثاني هو دخول الأموال الساخنة من مستثمرين الخليج إلى مصر.

وقالت إن التأخير في توفر الأموال الساخنة قد يدفع الجنيه للهبوط مقابل الدولار إلى مستويات الـ 33-35 لتحفيز الاستثمارات الخليجية للدخول وإعادة الأموال الساخنة من جديد للاقتصاد الوطني.

 

التعويم الرابع هو الحل

واتفق الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، مع رؤية البنوك الأجنبية، وقال إن التعويم الرابع أصبح أمرًا مؤكدًا خلال الأيام المقبلة، وفسر ذلك بأن التعويم أصبح الحل الوحيد أمام الحكومة لإثبات حسن نواياها عن مواجهة أزمة العملة، والتزامها بالاتفاق الثالث مع صندوق النقد الدولي الذي وقعته في ديسمبر الماضي، للحصول على 3 مليارات دولار، ودعم برامجها لإعادة هيكلة اقتصاد الدولة، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وأشار عبد المطلب إلى تشدد صندوق النقد الدولي في مراجعة الأداء المالي للحكومة، قائلًا: "لديهم شكوك في جدية التزامها ببرنامج خصخصة الشركات العامة، مع وجود تباطؤ خليجي في عمليات الشراء لتلك الأصول، وصعوبة جذب استثمار أجنبي مباشر، في ظل تزايد الفائدة على الدولار دوليًا، وتطورات الحرب الروسية في أوكرانيا، وحالة عدم اليقين الجيوسياسي عالميًا، فأصبح الحل الوحيد أمام الحكومة هو إثبات جديتها في إدارة ملف سعر الصرف".

ولفت الخبير الاقتصادي إلى ضغوط أخرى على العملة المحلية منها نقص الدولار المطلوب للموردين، وعدم توافره بالبنوك للمتعاملين بالبيع والشراء، وفقًا للعرض والطلب، مع تراجع مداخيل البنوك من العملة الصعبة، وتراجع ملحوظ في تحويلات المصريين من الخارج، وانتشار مجموعات تتولى المضاربة على سعر الجنيه، مقابل عملات صعبة، لتمويل صفقات الموردين خلال المرحلة المقبلة.

ويعتبر عبد المطلب إحجام جهات خليجية عن سرعة إتمام صفقات بقيمة 14 مليار دولار لشراء الشركات التي عرضتها الحكومة في إطار وثيقة الملكية العامة للدولة، بأنها تنتظر التنسيق مع صندوق النقد الدولي الذي تراجع بعثته تعهدات الحكومة، وتنتهي من المراجعة الأولى قبل نهاية مارس المقبل.

 

الجنيه يزحف نحو الهبوط

إلا أن خبير أسواق المال وائل النحاس يرى أن الجنيه سيهبط خلال مارس المقبل إلى 32 جنيهًا مقابل الدولار، مشيرًا إلى أن التحليل الفني يظهر استمرار الهوة بين السعر السائد حاليًا للدولار مقابل الجنيه، عند 30.50 جنيهًا بالمتوسط، بينما بدأ يزحف تدريجيًا نحو نقطة هبوطه من 32.17 جنيهًا مقابل الدولار الشهر الماضي.

وقال النحاس إنه رغم بقاء ساعات على انتهاء شهر فبراير فإن الأرقام تظهر عدم تغطية الحكومة لفجوة مالية قيمتها 720 مليون دولار، مع حاجتها إلى تلبية التزامات مالية لسداد ديون بقيمة 3 مليارات و148 مليون دولار في مارس المقبل، و5 مليارات و400 مليون دولار في إبريل، ومع عدم توافر تلك المبالغ المتوقعة، سيدفع ذلك إلى تراجع جديد في قيمة الجنيه.

ووفق خبير الاستثمار والتمويل، فإن عدم موافقة الحكومة على بيع المصرف المتحد وشركات أخرى لأطراف خليجية، لعدم موافقتها على تسعير الجنيه للصفقة في سعره الهابط، يبين امتلاكها أدوات كافية لتدبير الدولار بطرق لا نعلمها.

ويذكر النحاس أن التوقعات الفرنسية الخاصة بفقدان الجنيه 10% ربما تستند إلى معلومات غير متوافرة لدى المحللين المحليين جعلتهم يتنبؤون بتراجع قيمة الجنيه بهذه النسبة المرتفعة.

 

تراجع الثقة في الجنيه

وعزا محللون تراجع الثقة في الجنيه إلى حاجة البنك المركزي إلى تعزيز إيراداته من العملة الصعبة، لتوفير السلع الأساسية التي تأتي من الخارج، وعلى رأسها المواد الغذائية والوقود واحتياجات المصانع والمواد الخام وقطع الغيار، بما سيؤدي إلى حدوث خفض حاد آخر في قيمة العملة على المدى القريب.

وتواجه الحكومة أسوأ أزمة سيولة في النقد الأجنبي، وفجوة تمويلية تبلغ 17 مليار دولار، دفعت مؤسسة "موديز" إلى تخفيض تصنيف مصر الائتماني إلى ما دون الدرجة الاستثمارية، من B2 إلى B3، ووضعها في مرتبة المقترض غير المرغوب فيه، وهو ما أدى إلى مزيد من الضغط على الجنيه الذي أصبح خامس أسوأ العملات أداء في عام 2022، وسط ارتفاع معدلات التضخم في أسعار المواد الغذائية والأساسية، ومستلزمات الإنتاج، والسلع والخدمات بالأسواق.

وتسعى الحكومة إلى لملمة الوضع المالي المتدهور بطرح 32 شركة مملوكة للدولة لمستثمر رئيس، والاكتتاب في البورصة خلال العام الحالي.