للوهلة الأولى، تبدو اتفاقية القرض الجديد بين صندوق النقد الدولي ومصر واسعة وطموحة؛ حيث وعدت (الحكومة) في القاهرة بإعادة هيكلة كبيرة لحصص القطاعين العام والخاص في الاقتصاد. ولكن صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية ترى أن (الحكومة) لا تزال تحافظ على نصيبها في القطاعات التي تحوز فيها على نصيب الأسد من الاستثمار، والتي تشمل العقارات والنقل.
وقالت الصحيفة في تقرير، إنه "إذا أوفت الحكومة بوعودها، فسيكون التأثير أكبر من تأثير عملية الخصخصة التي بدأت في عام 1991، بل سيكون أهم تحول في مصر منذ "المراسيم الاشتراكية" التي أممت الاقتصاد بأكمله تقريبًا في عام "1961.
 وتعتمد الالتزامات التي تم التعهد بها لصندوق النقد الدولي على خروج الدولة بالكامل من 79 قطاعًا اقتصاديًا وتخرج جزئيًا من 45 قطاعًا آخر في غضون ثلاث سنوات، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات العامة من 30 إلى 65 في المائة.
وتابعت: "ومن اللافت للنظر أن السياسة التي قد يكون لها آثار بعيدة المدى على الاقتصاد المصري ظهرت على ما يبدو من مجرد ثلاثة أشهر من المشاورات المغلقة بين عدد محدود من المسؤولين الحكوميين وأعضاء البرلمان وقادة الأعمال في القطاع الخاص".
 علاوة على ذلك، في حين أن التغييرات المقترحة تعد بمكاسب حقيقية، فإنها تشكل أيضًا تهديدًا للجهات الفاعلة المؤسسية القوية وجماعات الضغط. وأضافت الصحيفة : "ومع ذلك، فلا الحكومة ولا الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" قد أعدا الأرضية لنزع فتيل الصدمة الحتمية أو كسب دوائر انتخابية رئيسية".
حقيقة أن "السيسي" قد وافق على سياسة ملكية الدولة الجديدة رسميًا لا يغير الأمور؛ حيث إن هدفه المباشر هو إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي على أمل أن يفتح ذلك مبلغ 14 مليار دولار إضافي كائتمان من مصادر دولية أخرى.
لكن الصحيفة أشارت إلى أن تصريحاته ومناساباته الرسمية على مدى السنوات القليلة الماضية تكشف عن غرض مختلف جوهريًا: رسملة المؤسسات والأصول المملوكة للدولة مثل البنية التحتية عن طريق ضخ الأموال الخاصة، ولكن إخضاعها لسلطة الدولة. 
ويسمح التشريع الجديد لمقدمي الخدمات والمرافق المملوكة للدولة "بتحويل إيراداتهم المستقبلية وتداولها لبيعها للمستثمرين، ويسمح للقطاع الخاص بإدارة المشاريع والأشغال العامة التي تمولها الحكومة".
وفي الوقت نفسه، ينقل الرئيس قائمة متزايدة من أصول الدولة من أيدي الحكومة إلى سيطرة عدد متزايد من الهيئات المنشأة حديثًا التي تخضع له مباشرة. أحد هذه الصناديق هو صندوق الثروة السيادي، الذي ظهر كأداة مفضلة للسيسي لجذب رأس المال الخاص بدلاً من تعويم الشركات الحكومية في البورصة. وبالتالي، فإن تأييده لسياسة ملكية الدولة هو تضليل قد يستخدمه مع ذلك لإخفاء استراتيجيته الفعلية.
سيصبح التناقض بين الوعد والواقع أكثر وضوحًا فيما يتعلق بحصة السلع والخدمات العامة التي تقدمها الشركات والوكالات العسكرية الكبيرة.
وأبلغت (الحكومة المصرية) صندوق النقد الدولي أنها ستخضع هذه المؤسسات لنفس الإطار التنظيمي الذي تخضع له نظيراتها في القطاع العام المدني.
ومع ذلك، فإن الجيش في خضم توسع متعدد السنوات لا يُظهر أي علامة على التراجع، بل ويستمر في الواقع في التوسع في القطاعات التي من المفترض أن تتركها الدولة.
وختمت الصحيفة لافتة إلى أن الجيش قد لا يضطر إلى القتال بقوة للحفاظ على حصته الاقتصادية هذه المرة: إذا تأملنا الماضي، سنجد أن الحكومة ستراوغ في تأدية التزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي على أي حال. ومع ذلك، ليس من المؤكد ما إذا كان الشركاء الأجانب الآخرون، لا سيما في دول الخليج، سيكونون متسامحين.
ولكن في الوقت الحالي، لن يسمح "السيسي" بحدوث خلاف خطير مع الجيش، على أمل أن تتمكن الحكومة من تحمل عبء التعامل مع الجمهور المصري غير الراضي على نحو متزايد، ومناشدة المانحين الأجانب.
وشددت على أنه رغم ذلك، لا يستطيع "السيسي" تأجيل مواجهتهم إلى أجل غير مسمى.

 

https://www.ft.com/content/1e715e32-c89d-44cb-9cfa-c996cecdb072