في مقال نُشر بمجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، يرى الكاتب "نيكو إيماك" أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف على أعتاب حرب أهلية جديدة كالتي شهدتها البلاد في الفترة من عام 1861 إلى 1865 بين عدد من الولايات الشمالية والولايات الجنوبية والتي انتهت بإنهاء العبودية بشكل كامل في أمريكا. 

 

ولكن، إن حدثت حرب أهلية جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، تُرى كيف ومتى وإلى ماذا ستنتهي؟

 

يرى الكاتب والباحث في جامعة هارفارد، أن أعمال العنف التي تبدو وكأنها أعمال فردية ومنفصلة - ارتكبها فرد مسلح أو جماعات يمينية متطرفة - هي جزء من حركة إرهاب محلية أوسع، وتحمل مقومات الحرب الأهلية بشكل واضح.

 

فقد انتشرت الاحتجاجات والعنف المسلح الذي يغذيه تفاقم نزعة التفوق العرقي والتطرف اليميني السياسي في الشوارع الأمريكية وداخل الفصول الدراسية وحتى في مواقع التواصل الإجتماعي. 

 

ويحذر الكاتب من أن هذه الموجة من التطرف ستستمر في تهديد المصلحة العامة في المجتمعات الكبيرة والصغيرة.

 

ويستشهد "إيماك" بمقولة الكاتبة "باربرا والتر" في كتابها "How Civil Wars Start (كيف تبدأ الحروب الأهلية)" الأكثر مبيعا في نيويورك: بأنه "لا أحد في أمريكا يريد أن يصدق أن ديموقراطيتهم تسير في طريق الانحدار أو أن بلادهمتتجه نحو حرب أهلية".

 

ويؤكد أنه وفقًا لبعض المعايير الأكاديمية، فقد بدأت الحرب الأهلية الأمريكية بالفعل. وإلى أن تعترف الدولة بذلك وتأخذ التهديد على محمل الجد، لن يتمكن المواطنون الأمريكيون من البدء في التعامل مع هذا التهديد بما يتناسب مع خطورته عليهم. 

 

وبحسب رابطة مكافحة التشهير، فقد تسبب التطرف المحلي في قتل ما يزيد عن ٢٩ شخصًا بالولايات المتحدة في ١٩ حادثة منفصلة خلال عام ٢٠٢١. وأغلب هذه الحوادث ارتكبها متطرفون يمينيون بدافع شعورهم بمظالم ترتبط بالهوية الوطنية أو بتبنيهم نظرية "الاستبدال العظيم". 

 

ويقول الكاتب إنه رغم أن هذا الرقم (29) يبدو صغيرا نسبيًا مقارنة بالكثافة السكانية للولايات المتحدة التي تتخطى ٣٠٠ مليون نسمة، إلا أنه عد مقارنتها بالمقاييس الأكاديمية للحرب الأهلية، فإن هذا يعتبر عددا مروعا.

 

وعرف برنامج أوبسالا لبيانات الصراع، وهو مصدر موثوق فيما يخص النزاعات المسلحة، الحرب الأهلية وأعمال العنف من جانب واحد على أنهما استخدام متعمد للقوة المسلحة من قبل أي مجموعة منظمة رسميا متسببة في مقتل ٢٥ شخص على الأقل في العام الواحد.

 

وأشار "إيماك"، إلى أنه بالاطلاع على خريطة برنامج أوبسالا التفاعلية لشمال أمريكا، ستجد أحداثا مشابهة لأحداث ١١ سبتمبر وعنف العصابات الخارج عن إطار القانون، وينصب تركيز البرنامج على ممارسات المجموعات والمنظمات - مثل القاعدة وداعش وعصابات سينالوا - وليس الأفراد.

 

وبرغم ذلك، فإن برنامج أوبسالا لم يتضمن أحداث مجزرة متجر بوفالو لعام ٢٠٢٢، والتي استهدف فيها "بايتون جريندون" أحد مجتمعات الأفارقة الأمريكيين ببندقية نصف آلية متسببًا في مقتل ١٠ وإصابة ٣. 

 

كما أن البرنامج لم يغطي أيضًا حادث إطلاق النار في "إل باسو وول مارت" في عام ٢٠١٩، حيث قتل "باتريك وود" ٢٣ شخصًا – بدافع مما اعتبره غزوا أسبانيالتكساس – وذلك في أسوأ هجوم على المجتمع الأسباني في تاريخ الولايات المتحدة. 

 

ويقول الكاتب إنه بدلًا من النظر إلى احتمالية نشوب حرب أهلية وفق معايير الجماعات المسلحة الرسمية، فعلى صانعي السياسة الأمريكية تسليط الضوء على العدد المتنامي لضحايا حركة تفوق الأبيض والسياسات المحافظة المتطرفةوالإرهاب المحلي في الولايات المتحدة.

 

ودعا "إيماك" إلى تعريف الحرب الأهلية الجديدة من خلال تعريف وكالة المخابرات المركزية للتمرد المسلح، وعدم الاقتصار على المفهوم القديم والتصور التقليدي للحروب الأهلية التي يتبادل فيها جيشان إطلاق النار في مناطق مفتوحة. 

 

وتُعرّف وكالة المخابرات المركزية التمرد المسلح على أنه يشمل حوادث إطلاق النار الجماعي بدافع قضايا السياسة المتعلقة بالعرق والجنس والهجرة، والتي يندرج تحتها عمليات الكر والفر ضد المتظاهرين السود.

 

وأشار الكاتب إلى بحث سابق للباحث السياسي "بن فلانتينو" بشأن كمبوديا وألمانيا النازية ورواندا، يعتبر أن قلة قليلة ذات تسليح وتنظيم جيد يمكن أن تتسبب في إراقة دماء هائلة وقتل ضحايا عزل إذا لم يتم احتواؤها مبكرا. 

 

ونادرًا ما تكون حوادث القتل الجماعي على يد قادة جيش أو سياسيين. بل على العكس، تكون على يد حفنة من الأشخاص العاديين، ففي المذبحة الرواندية - على سبيل المثال - ٢٪ فقط من سكان الهوتو هم المسؤولين عن أغلبية حوادث القتل، حسبما أشار الكاتب جون مولر في إحدى مقالاته.

 

وأضاف الكاتب: "وبهذا نرى أن الأفكار الأيديولوجية المشتركة تربط بين جميع الجناة في الحروب الأهلية. ويكشف هذا عن نمط من التمرد يحتاج إلى الاعتراف به والتصدي له بمقاييس وتعريفات مختلفة عن تلك المقاييس والتعريفات الحالية للحرب الأهلية".

 

وختم "إيماك" مقاله بالقول: "إنه يمكن للمرء أن يجادل بأن الحرب الأهلية الأمريكية الثانية قد بدأت بالفعل".