يبدو أن وزارات حكومة السيسي باتت أمام أمر واقع بعدما وجه السيسي باستغلال الرمال البيضاء قبل شهرين فأرسلت مصلحة الجمارك إلى وزارة الصناعة تستفسر عن المنوط به تصدير الرمال البيضاء والمقدرة بنحو 20 مليار طن في نحو 30 منطقة وموقع ومنجم متوزعين على مستوى مصر.


وقالت وزارة الصناعة والتجارة الخارجية، في بيان 20 أكتوبر الجاري، إن الجهة المنوط بها السماح بتصدير الرمال البيضاء المستخدمة في صناعة الرقائق الإلكترونية وألواح الطاقة الشمسية، هي هيئة الثروة المعدنية التابعة لوزارة البترول.


وعلى سبيل "إبراء الذمة"، قالت (الصناعة): "خام الرمال البيضاء يتم الترخيص باستغلاله من هيئة الثروة المعدنية، لذا فإن إصدار موافقة تصدير الرمال البيضاء، اختصاص أصيل لهيئة الثروة المعدنية، وفق وزارة الصناعة".


وتجاهلت المصالح الحكومية (الجمارك) و(الصناعة) و(الثروة المعدنية) حظر تصدير الرمال البيضاء كمادة خام خارج مصر، للحفاظ على هذا المورد غير المتجدد و احتياطي مصر منه، منذ عام 2016 ، حيث قررت الحكومة منع تصدير الرمال البيضاء باعتبارها ثروة قومية.


وجاء قرار الحظر على أساس أنه ستصبح مصر مركزًا لصناعة الرقائق، ونقل تكنولوجيا صناعة الإلكترونيات لمصر يساهم في توطين تلك الصناعة محليًا، خريطة الاقتصادات العالمية ستتغير المرحلة المقبلة، ومصر تملك ما يؤهلها لتغيير مراكز التصنيع حول العالم.


بيع الأصول


وأمام موجة بيع الأصول التي تنتهجها سلطات الانقلاب بظل أزمة مالية صنعها الفساد في المؤسسات السلطوية والمساندة لها حذر ناشطون ومنهم الصحفي جمال زيادة من سوء تقدير يحيق بالرمال السوداء وأيضا الرمال البيضاء


وعبر "زيادة" عن تخوفه من "العبط" في بيع الأصول مشيرا إلى النوعين من ثروة الرمال، وقال "مع افتتاح مشروع الرمال السوداء الهام اليوم لابد أن نتعجب . ألم تقل الدولة مراراً  أننا ليس لدينا أى خيرات إستراتيجية فى بلدنا أو فى باطن أراضينا و لذا فنحن دولة فقيرة !!! نعم . كيف قالت الدولة ذلك و اليوم تتحدث أن لدينا أكبر مخزون إستراتيجى فى العالم كله من الرمال السوداء و التى ممكن أن تجعلنا أفضل  هذا بخلاف الرمال البيضاء فى سيناء و التى نبيعها كده ( بالعبط ) !!! ".


وأاضف "دولتنا الظريفة كانت تريد أن تفقدنا أى أمل فى غد طيب ؟!!! أم تريد أن تقول لنا أنها هى من تأتى بأى خير لبلدنا ؟!!! ثم .. لو عندنا هذا الخير . فلماذا سكتنا عليه كل هذه السنوات العجاف و نكاد نحتفل به اليوم ؟!! أم أننا لا نعرف بلدنا جيداً !! أم لهذه الدرجة هناك من لا يريد أن نستفاد بخيراتنا . خوفاً أن نصبح دولة غنية و لا تحتاج للشحاته ؟! يا سادة .. إبحثوا بجدية عن من يعطل تقدم أو تطور أو تحسين مستوانا للأفضل ؟!!!".


والرمال البيضاء والكوارتز هي صخور رملية بيضاء نقية تحتوي على نسبة عالية من السليكا (SiO2 أكثر من 99%) تتكون بشكل رئيسي من حبيبات معدن الكوارتز.


ومصطلح الرمل الزجاجي فيطلق على رمال السليكا (الكوارتز) التي لها مواصفات فيزيائية وكيميائية تتناسب مع صناعة الزجاج مثلاً حجم الحبيبات الذي يتراوح غالباً ما بين 100 – 500 ميكرون ونسبة أكاسيد الحديد (Fe2O3) تقل عن 0.05%. تتكشف رمال السليكا في عدة مناطق في جنوب الأردن وتعود هذه الرمال إلى عصر الأوردفيشي الأسفل والكريتاسي الأسفل.


الثمن البخس


وتتعامل الهيئة الهندسية التي يستشرف البعض دورا لها في تصدير الرمال البيضاء كما هو الحال للرمال السوداء، حيث شدد المراقبون على أن مصر تصدر الطن الخام من الرمال البيضاء بقيمة 40 دولارا، بينما يصل سعر بعض منتجاته إلى 100 ألف دولار، الخام المصدر من مصر يعاد بيعه للمستهلك بأكثر من 150 دولارا في الدول الرائدة فى صناعة التكنولوجيا مثل الصين وأمريكا وغرب أوروبا، التي تصنعه على شكل زجاج ليصل سعر الطن إلى 1000 دولار، وباستخراج عنصر السيلكون منه ليستخدم في الخلايا الشمسية يصبح سعر الطن 10 آلاف دولار، وحين يستخدم في صناعة الرقائق الإلكترونية عصب التكنولوجيا من الكمبيوتر للموبايل للوحات التحكم الإلكترونية التي باتت تحكم الحياة الحديثة للبشر، يبلغ سعر الطن أكثر من 100 ألف دولار، أي 2500 ضعف سعر تصديره كخام من مصر.


وأكد المراقبون أنه المثير للاهتمام أن أغلب الدول التي تستورد من مصر تعيد إنتاج تصدير منتجاتها إلينا بأضعاف سعر الخام، منها تركيا التي أصبحت منتجاتها من الزجاج في كل بيت مصري، رغم أنها أحد أهم مستوردي الخام المصري، والذي تعيده إلينا على شكل أكواب وأطباق ومنتجات زجاجية بعشرات أضعاف سعر خروجه من مصر.


وقدر متخصصون حجم الاستثمارات التي تحتاجها مصر لاستغلال هذه الثروة بنحو 2 مليار دولار، تتمثل في إقامة مصنع لمنتجات السليكون والزجاج، وهو الأمر الذي قد يجعل مصر إحدى أغنى دول العالم بعد تصدير هذه المنتجات.


مزايدة حكومية


وفي 2014،  طرحت حكومة السيسي مزايدة لإستغلال الرمال البيضاء فى الصحراء الشرقية، وطرحتها (الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية فى مصر)، وذلك فى 3 مواقع بالصحراء الشرقية.


وقال رئيس هيئة الثروة المعدنية المصرية، إن "المزايدة المقرر طرحها لاستغلال الرمال البيضاء تركز على تصنيعها، ومنع تصديرها كمادة خام".


وأضاف أن "مصر حاليا تقوم بتصدير الرمال البيضاء على حالها بأسعار متدنية للغاية ثم تقوم المصانع باستيرادها مرة أخرى بأسعار مرتفعة بعد معالجتها فى الخارج ورفع معدلات جودتها".


الدكتور محمود الشريف عضو لجنة الخبراء الدولية للحكومة الكندية لتقييم البحوث والتكنولوجيا وخبير النانو تكنولوجي، أشار إلي أننا لو استغللنا هذه الرمال البيضاء, والتي تعد الأجود في العالم الموجودة في مصر, وأضفنا إليها العديد من التحسينات قبل بيعها من الممكن أن تدر علي الدخل القومي المصري أرباحا بالمليارات, حيث يتضاعف سعرها عشرات المرات بعد استغلالها كمواد خام, فالرمال البيضاء تدخل في العديد من الصناعات, أهمها صناعة الزجاج وشرائح الأجهزة الإلكترونية.


وأكد د. الشريف في تصريحات صحفية يؤكد أن طن الرمال البيضاء الذي نصدره بعشرين دولارا من الممكن أن يدر علينا الملايين من الدولارات لو تم تصنيعه محليا, لنستفيد منه في صناعات الرقائق الإلكترونية التي توجد الأجنبي يشتريها بهذا السعر البخس لأنه يعلم أن مصر ليس لديها فكرة عن القيمة المضافة في حال استغلال هذه الرمال, ولو بدأنا استغلال هذه الرمال سيزيد سعر بيعها للخارج كمادة خام إلي عشرات الأضعاف.


وطرح الاتحاد الأوروبي منذ سنوات مشروعا ضخماً للطاقة النظيفة والمتجددة أطلق عليه اسم "تكنولوجيا الصحراء"، حيث سيتم استغلال رمال صحراء شمال إفريقيا، ومعدل الإشعاع الشمسي في صحاريها الذي هو الأعلى في العالم، لإنتاج مئات الميجاوات من الكهرباء باستخدام الخلايا الشمسية، ليتم تغذية أوروبا ومنازلها ومصانعها بالطاقة النظيفة، بعد نفاد البترول المتوقع بحلول عام 2050.


يذكر أن الصحراء المصرية يمكنها إنتاج 2.8 مليون وات كهرباء لكل متر مربع وفقا لمعدل السطوع الشمسي بها، وهو ما يعني أن تركيز مصر على صناعات الطاقة النظيفة المستدامة يمكن أن يجعل مصر أحد أهم موردي الطاقة للعالم خلال القرن الحادي والعشرين.


يبلغ احتياطي مصر من الرمال البيضاء نحو 20 مليار طن، موزعة على صحاري مصر المتنوعة من شمال سيناء إلى جنوبها، وصحراء مصر الشرقية والغربية على النحو التالي:


-  شمال سيناء: التي بها احتياطي يبلغ 120 مليون طن، يمتلك الموقع الأكبر منها بمنطقة الحسنة أكثر من 40 مليون طن.


- بينما يتركز الخام في جنوب سيناء في منطقتي وادي الجنة وأبو زنيمة والتي يعد الخام بها الأجود في مصر والعالم، بإجمالي احتياطيات مؤكدة يصل إلى 268 مليون طن، واحتياطي جيولوجي أكثر من مليار طن.


- منطقة وادي الدخل جنوب غرب مدينة الزعفران بجبل الجلالة، ويبلغ احتياطي الخام بها 27 مليون طن، ويبلغ سمك طبقة الرمال بها 100 متر بدون غطاء صخري.


- منطقة وادي قنا باحتياطيات تصل إلى 260 مليون طن، مصحوبة بأكثر من 40 مليون طن من خام الكاولين (الصلصال) الثمين فى صناعة الخزف والعوازل الكهربية.