لم يعد التعليم صالحًا مصلحًا، وخصبًا منتجًا، فأصبحت المدرسة الواحدة تضم أكثر من ألف من التلاميذ على حين أنها لا تستطيع أن تعلم تعليمًا صالحًا إلا نصف الألف، ولا يمكن أن ترفض المدرسة النصف الآخر حيث ستطيح بهؤلاء الطلاب إلى البطالة والضياع، لكن قبول المدرسة من التلاميذ فوق طاقتها، ساهم في ضعف المادة العلمية، التي يتلقاها التلاميذ بالمدارس، ما فتح أبواب لا حصر لها من منافذ الدروس الخصوصية التي تلتهم من جيوب أولياء الأمور سنويا ما يقرب من 47 مليار جنيه.


هذا بالإضافة إلى أن التعليم يُعاني من عجز أعداد المُدرسين وضعف رواتب المعينين منهم وتذبذب منهج التطوير الذي يتأرجح بين الكتب الدراسية تارة وبين “التابلت” تارة أخرى.


التعليم تريد تقاسم أرباح الدروس الخصوصية


بعدما أوضحت بعض التقارير الحكومية أن مدرسي الدروس الخصوصية في مصر يتحصلون على مليارات الجنيهات، سار لعاب الحكومة للبحث عن طريقة من أجل تقاسم أو الاستحواذ على تلك الأموال.


وبدلا من وضع خطة لتطوير المدرسين والاستعانة بالعديد من غير المقيدين بالوزارة للعمل لسد عجز المدرسين، وضعت حكومة السيسي خطة مختلفة لتستطيع مشاركة المدرسين في أرباحهم، فقام الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم  خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، الثلاثاء، بوضع خطة تقوم بحوكمة مجموعات التقوية والدروس الخصوصية، من خلال مجموعة من الإجراءات التي ستتخذها الوزارة خلال الفترة المقبلة وتم التوافق عليها مع رئاسة مجلس الوزراء.


وأضاف حجازي إن الوزارة ستقوم “بتغيير اسم مجموعات التقوية التي يحصل عليها التلاميذ في المدارس إلى مجموعات الدعم، وسيتم إسناد الإشراف عليها لشركات خاصة وفقا لشروط سيتم وضعها”، مشيرًا إلى أن فاتورة الدروس الخصوصية في مصر تصل سنويًا إلى 47 مليار جنيه، لا تعلم الحكومة أو الوزارة عنها شيئا.


انتقادات برلمانية لعجز المدرسين


ومع استفحال مشكلة عجز المدرسين بالمدارس الحكومية أجبر ذلك بعض نواب مجلس الانقلاب لحفظ ماء الوجه أمام المواطنين أن يتحدثوا عن تلك المشكلة التي بانت للقاصي والداني، فطالبت النائبة سناء السعيد، عضوة الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وزير التعليم بإظهار خطته التي سيواجه بها سد العجز في أعداد المدرسين متسائلة أم سنعلم أولادنا دون معلمين.


ثم تحدثت النائبة قائلة منذ أتيت لهذا المجلس ونحن في نفس الموضوعات كل عام عن مشاكل التعليم، ففي نوفمبر من العام الماضي صرح الدكتور طارق شوقي، وزير التعليم آنذاك، أن عجز المدرسين بالمدارس الحكومية وصل إلى 323 ألف معلم، زاد العجز هذا العام ٢٥ ألف حسب تصريحات الدكتور رضا حجازي، عندما كان نائبا للوزير حيث صرح أن المدارس الحكومية تستوعب زيادة سنوية تتراوح ما بين 800 ألف إلى مليون و200 ألف طالب مما يحتاج – وفقا لتقديرات الدكتور رضا – زيادة سنوية في أعداد المعلمين تصل إلى 25 ألف معلم.


وتابعت النائبة: إذا أضفنا لهذا العدد من يخرجون على المعاشات سنويا ويقدر ب ٤٠ ألف معلم، نكون أمام عجز رهيب مع توقف التعيينات وتوقف تكليف طلبة كليات التربية.


وأضافت أنه عندما أعلنت الحكومة عن مسابقة تقدم لها عشرات الآلاف ونجح منهم ٣٦ ألفا لم يتسلموا العمل !!!!


وتساءلت النائبة: هل الحكومة لديها سياسة محددة لتغطية هذا العجز أم ستكتفي بالمتطوعين؟، نريد معرفة خطة الحكومة لسد العجز في أعداد المعلمين أم سنعلم أولادنا بدون معلمين؟.


واختتمت حديثها قائلة: أذكر الحكومة أن الدستور خصص ٤٪ من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على التعليم.


نائبة تعترف.. المدرسون لا يشرحون


أعلنت النائبة شيرين عليش، عضوة مجلس نواب السيسي، تقدمها بطلب إحاطة موجهًا للدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، بشأن قيام أغلب المعلمين بعدم شرح المناهج التعليمية داخل المدارس الحكومية بمحافظة الإسكندرية، واعتماد الطلاب على مجموعات الدروس الخصوصية.


وقالت النائبة في طلب الإحاطة، إن أولياء الأمور قاموا بدفع مصروفات المدارس بشكل كامل، من أجل أن يتعلم أبنائهم داخل المدرسة، ولكن في المقابل هناك تكرار لغياب المعلمين عن الحصص الدراسية، بجانب قيام البعض الآخر بعدم الشرح داخل الفصول، والاعتماد على الدروس الخصوصية، مما يجبر الطلاب على تلك الدروس، وظهر ذلك في الأيام الأولى من العام الدراسي الجديد.


الدروس الخصوصية عبء على أولياء الأمور


وتابعت  النائبة أنه في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة والتي نعيشها الآن، تجد أولياء الأمور غير قادرين على إعطاء أبنائهم للدروس الخصوصية في ظل ارتفاع أسعار الدروس من قبل المعلمين، بجانب ارتفاع تكلفة المعيشة للأسرة، وأصبحوا يوفرون متطلباتهم اليومية بشكل صعب.


وأضافت النائبة، أنها تطالب وزارة التربية والتعليم بتشديد الرقابة على المدارس من قبل أجهزة التفتيش التابعة لها، ومراقبة سير العملية التعليمية وقيام المعلمين بالحضور والشرح الوافي للمناهج داخل المدارس الحكومية.


وقالت النائبة إن هناك العديد من أولياء الأمور تقدموا بالعديد من الشكاوى بسبب عدم وجود مدرسين في الفصول، لكن دون جدوى.


عزوف الطلاب عن المدارس


وأشارت إلى ضرورة إنهاء ظاهرة الدروس الخصوصية التي تحاربها الدولة من سنوات، والتي أجبرت التلاميذ بالعزوف عن الذهاب لمختلف المدارس بالتعليم قبل الجامعي، مضيفا أن الهدف الرئيسي من التطوير والتحديث للمنظومة التعليمية هو القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية لكن الواقع أدى إلى انتشار بشكل أكبر مما أصبحت تشكل عبء كبير على أولياء الأمور.


عجز أعداد المدرسين


يقول الدكتور كمال مغيث، الخبير التعليمي،  “أولا من الواضح أن النظام الحالي له أهدافه الأيدلوجية المنفصلة بشكل كامل عن الشعب وقضاياه ومشكلاته وهمومه اليومية، اللي بيبنوا أعلى بُرج وأضخم كنيسة وأكبر مسجد، هذه المشروعات -إن جاز لنا تسميتها مشروعات- تستهدف أثرياء المصريين، ممن عملوا بالخارج في دول الخليج أو غيرها”.


وأوضح “إحنا عندنا عجز في المدرسين يبلغ 350 ألف مُعلم، وهذا يعني أن هناك 350 ألف فصل دراسي محرومين من دخول المعلمين ومن استمرار العملية التعليمية بشكل يضمن قدر من الكفاءة”.


عائدات التعليم” المهدرة”


وأشار مغيث إلى أن “الدستور الحالي ألزم بإنفاق 4% من الدخل القومي على التعليم والبحث العلمي، أي ما يُعادل 350 مليار جنيه.. التعليم حاليًا لا يتحصل على 190 مليار جنيه وهذا معناه أنه ضاع من مخصصات التعليم 160 مليار جنيه، هذا المبلغ كان يسمح بسد جزء من فجوة التعليم ثم تطوير للمناهج وبالتالي تبدأ عملية التطوير في السير إلى الأمام بدلا من حالة العجز التي نمر بها”.


ومن جانبه قال الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني، إن هناك التزامات بنسب محددة في دستور 2014 للإنفاق على التعليم هي 4% للتعليم قبل الجامعي و 2% للتعليم الجامعي و 1% للبحث العلمي من الناتج القومي، أي 7%، ولكن الحكومة في البيان المالي التحليلي اللي قدمته لمجلس النواب موجود فيه تصنيف الموازنة بالتصنيف الوظيفي وفيه المخصص للتعليم 172.6 مليار جنيهًاً صفحة 103 من البيان التحليلي لموازنة 2022/2021 .


ويضيف الميرغني “لكن في البيان المالي في صفحة 57-58 ذكر وزير المالية أرقامًاً مختلفة حيث يذكر أن مخصصات التعليم قبل الجامعي 256 مليار جنيه، والتعليم الجامعي 132 مليار جنيه والبحث العلمي 64 مليار جنيه.


وهذه الأرقام تزيد بقيمة 279.4 مليار جنيه عن الوارد في مشروع الموازنة بالتقسيم الوظيفي. إن الفرق بين الرقمين ليس مليون أو مليار بل 279.4 مليار ولم يذكر في البيان المالي أو في البيان التحليلي أي تفاصيل عن مكونات هذه الأرقام ليطلع الرأي العام.