يبدو أن حكومة السيسي مصرة على المضي قدما في العصف بالاقتصاد المصري، فبعد انهيار الجنيه بسبب السياسات الفاشلة لحكومة البلاد في إدارة الأزمات الاقتصادية المختلفة والتي كانت هي أحد أسباب اندلاعها، تواترت في الأيام الماضية أنباء على لسان مسؤولين كبار بالبنك المركزي المصري، وفي مقدمتهم هشام عز العرب كبير مستشاري محافظ البنك المركزي، عن نية البنك تعزيز سيولة السوق بإطلاق ما يسمونه “مشتقات جديدة للعملة”.


وبموجب الخطة الجديدة ستوفر البنوك المحلية عقودا محلية للجنيه غير قابلة للتسليم من نوعية "NDFs"، فضلا عن خيارات تسمح للشركات والمستثمرين لأول مرة بالمراهنة أو التحوط ضد التقلبات في العملة المصرية، ما يؤدي إلى سهولة الحصول على السيولة السريعة، كذلك سهولة البيع والشراء، أو البيع الجزئي حسب الحاجة، إلى جانب حماية الأموال من تأثير التضخم، لكن نسبة المخاطرة أعلى من بعض أوعية الاستثمار، خاصة عند المضاربة في الأسهم دون خبرة، أو بالاعتماد على الشائعات والتخمينات.


إطلاق “مشتقات جديدة للعملة”


قالت وكالة "بلومبرغ" إن البنك المركزي المصري يخطط للسماح بإطلاق مشتقات جديدة للعملة المحلية من أجل تعزيز السيولة في السوق المحلية، وإتاحة الأدوات للتحوّط ضد مخاطر تقلب الجنيه المصري، بعد أن هبط الجنيه إلى أدنى مستوى رسمي قريبًا.


وبموجب الخطة ستقوم البنوك بتوفير عقود محلية "للجنيه" غير قابلة للتسليم تسمى NDF، وستسمح للشركات والمستثمرين بالمراهنة والتحوّط ضد تقلبات العملة المصرية؛ بهدف بناء سوق محلية أكثر شفافية وذات مصداقية لبناء توقعات بشأن تحركات العملة، وفقا لأشخاص على دراية بالموضوع.


وبحسب بلومبرغ، فإن الخطة تستهدف توفير وسيلة للحماية من تقلبات العملة للشركات المحلية في حال تبنّت مصر سعر صرف رسمي أقل. حتى الآن، تتبنى البنوك المحلية في مصر السعر الفوري للصرف فقط.


وتمثل المبادرة الأخيرة خطوة أخرى لحسن عبد الله ، الذي تولى منصب محافظ البنك المركزي بالوكالة في أغسطس بعد الاستقالة المفاجئة لسلفه طارق عامر، الذي يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه داعم لاستقرار الجنيه.


نظام NDFs


NDFs هي اتفاقيات بين الأطراف المقابلة لشراء أو بيع عملة بسعر محدد مسبقًا في المستقبل ولكن دون تبادل العملة فعليًا، وعند الاستحقاق ، يتم تحصيل الأرباح أو الخسائر عن طريق حساب الفرق بين معدل NDF المتفق عليه وسعر السوق في ذلك الوقت.


يتحرك الجنيه بشكل أضعف بزيادات صغيرة ويسجل أدنى مستوى قياسي له في السوق الخارجية في الوقت الراهن، استأنف المتداولون أيضًا المراهنة على انخفاض أكبر للقيمة، وفقًا لـ NDFs المتداولة في الخارج، بعد تقليص هذه الرهانات في أعقاب قرار البنك المركزي غير المتوقع بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير في أواخر سبتمبر.


خطوة من أجل إرضاء صندوق النقد الدولي


وحول دلالات القرار قال الخبير المصري د. زهدي الشامي  أن هذا الإجراء يأتي على خلفية المفاوضات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي لتوقيع اتفاق جديد والحصول على قرض جديد، حيث يطالب صندوق النقد الدولي والبنوك العالمية بتوفير مرونة أكثر من المتحقق الآن لسعر صرف الجنيه المصري، في اتجاه مزيد من الخفض أو التعويم، وهو توجه لم يستجب له طارق عامر بالقدر الكافي من وجهة نظرهم، بعد موجة الخفض الكبرى السابقة في ٢٠١٦، بينما يبدي حسن عبد الله المحافظ الحالي للبنك المركزي تفهما أكبر.


ويتابع الزاهد أنه على الرغم من أن سعر صرف الجنيه مقابل الدولار قد انخفض منذ مارس الماضي بما يعادل ٢٤% وصولا إلى ١٩.٧ جنيه للدولار، في موجة كبرى ثانية لتخفيض الجنيه بعد الموجة الأولى في عام ٢٠١٦ /٢٠١٧، فإن تلك الجهات تعتبر ما تم غير كافٍ، ويصر صندوق النقد في مباحثاته مع الحكومة على تحقيق خفض أكبر وتوفير المزيد من المرونة لسعر الصرف، وفقا لرؤيته الجامدة التي جربناها على مدار أربعين عاما، كما جربها آخرون، ولم تسفر عن أي إصلاح اقتصادي حقيقي


المراهنات ستتحكم في الاقتصاد المصري


وأضاف الخبير المصري فإنه من هنا فإن المشتقات الجديدة هي أداة لتحقيق هذا الهدف من المرونة وتخفيض سعر الجنيه، بإطلاق المضاربة على سعر صرفه أمام الدولار.


واختتم الزاهد تصريحاته قائلا سيصبح سعر صرف الجنيه المصري وقيمته أكثر ارتباطا بمراهنات المستثمرين والمضاربين، مضيفًا أن ذلك سيكون كارثة جديدة لكوارث السياسة الاقتصادية للحكم في مصر.. المراهنات ستتحكم في الاقتصاد المصري.


خطورة المضاربة والمراهنات


وعن خطورة المضاربات والمراهنات على الاقتصاد يقول الخبير السعودي أ. د. رشود بن محمد الخريف إنه لا شك أن "المضاربة" أو التداول السريع يعد أكثر خطورة لأنه ينطوي على كثير من المقامرة والتكهنات، والقرارات السريعة التي تقوم على تخمينات ومراهنات، وما يزيد الخطورة أن المضارب لا يعتمد على تنويع الشركات، لصعوبة مراقبة ومتابعة عدد كبير من الصفقات، وكذلك طمعا في ربح كبير في حال صعود وهبوط المؤشر.


وتابع الخبير باختصار، في السوق يمكن أن تكون المضاربة وسيلة مثيرة لكسب سريع، لكنها يمكن أن تؤدي إلى خسائر فادحة، على عكس منهج الاستثمار الذي يعود بمكاسب صغيرة على المدى القصير دون خسائر فادحة، ويؤدي - في الأغلب - إلى مكاسب كبيرة على المدى الطويل تفوق ما يحققه التداول السريع وقصير المدى "المضاربة"، خاصة إذا استطاع المستثمر دعم المحفظة عند انخفاض السوق بشراء أسهم إضافية في بعض الشركات بأسعار منخفضة.