تشتعل الأحداث السياسية يوما بعد يوم مع اقتراب موعد قمة المناخ (كوب 27) في شرم الشيخ المقرر عقدها في نوفمبر المقبل، فجميع القوى الشعبية والمدنية والسياسية في مصر عزمت على الإطاحة بقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، وظهر ذلك جليا في وجوه المصريين التي تلونت بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، المقررة أن تصب غضبها بالخروج في المظاهرات للمطالبة برحيل السيسي الذي كوى ظهورهم بالفقر.


وتزامنا مع دعوات التظاهر ظهر على السطح  بعض الدعوات من قبل عدد من السياسيين البارزين لإنهاء عهد المنقلب من خلال بعض الطروحات المختلفة لتجنب البلاد الدخول في نفق مظلم، "الجميع سيكون فيه خسران" بحسب رأيهم .


غضب شعبي ووجوه متحمسة


أصبح الشعب المصري اليوم على صفيح ساخن، فلم يعد قادرا على شراء ما يحتاجه من احتياجاته الأساسي، بالإضافة لاختفاء العديد من المنتجات من الأسواق كالأرز والقمح، وأيضا عدم توافر قطع غيار السيارات والأجهزة الكهربائية كالتليفونات والشاشات والثلاجات وغيرها، ما جعل المواطنون المصريون في حالة غضب شعبي، وهذا ما يظهر على وجوههم جليا، عند خروجهم للعمل وتحدثهم في وسائل المواصلات.


وفي حديث أجريناه مع سائق توكتوك قال إنه ينتظر، الخروج في المظاهرات المقبلة قائلا"الراجل ده فقرنا"، كنت واحد من اللي ضحك عليهم وكنت معلق له صورة على التوكتك بس قطعتها، الناس مبقاش معاها فلوس تركب التوك توك رغم والله احنا مش علينا الأجرة بقعد ألف بيه بالساعات ومبلقاش زبون واحد، أنا أزهقت وبفكر أبيع التوكتوك"، مردفا: "والله لو في مظاهرات أنا أول واحد طالع الرجل ده لازم يمشي".


وأمام مركز صيانة خرج أحد المواطنين، غاضبا، وبسؤاله قال بقالي أكثر من شهر الموبايل بتاعي شاشته مش شغالة ولسه في الضمان وكل أسبوع يقولوا لي لسه قطعة الغيار مجتش، مفيش دولارات في البلد، وانا مش معايا، اشتري تليفون غيره، وبيقولوا مفيش استبدال، فين المسؤولين فين رئيس الجمهورية، لوفضل الوضع كده أنا مش هسكت وانا مستني المظاهرات وهشارك فيها.


مصريون نازلين نازلين


وفي ذات السياق اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بدعوات الخروج للإطاحة بالسفاح السيسي بعدما فاض بالمصريين وطفح بهم الكيل، غير هائبين للقمع أو المخاطر التي ممكن أن يتعرضوا لها، إذ نشر العديد من المصريين صور شخصية لهم على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بتصميمهم على النزول للشارع،  وأتت المقاطع من أغلب المحافظات، وخاصة الصعيد والدلتا والإسكندرية، إلا أن الأكثر إثارة فيها أن عددا منها يأتي من مناطق راقية بالقاهرة الكبرى، مثل منطقة التجمع بالقاهرة الجديدة، والمعادي، ومصر الجديدة، والشروق، والسادس من أكتوبر.


كما أن اللافت للأمر هو الحضور الكبير للنساء، اللائي تحدثن عن الثورة ضد نظام السيسي، بصوتهن دون مؤثرات صوتية، بل مع ظهور بعضهن بشخصيتهن ووجوههن، إلى جانب شباب مصري وضباط جيش وشرطة، أعلنوا تحديهم لنظام السيسي.


تحالفات ومفاوضات سياسية


ويقف العديد من السياسين بجوار زخم الشارع المصري للإطاحة بالسيسي مطالبين جميع المصريين بالنزول للتظاهر وإجبار السيسي على ترك منصبه، لكن محذرين في الوقت  نفسه من موجة شديدة تعصف بكل أركان الدولة، حيث أن البلد في وضع اقتصادي مزري، ولن تتحمل ثورة كبيرة مثلما حدثت في 25 يناير، متمنين أن يقف الجيش مع الشعب ويجبر السيسي على ترك منصبه مثلما حدث في 30 يونيو 2013، وترك الشعب ليختار رئيس مدني يأتي بانتخابات نزيهة.


وتوافق هذا الرأي الكاتبة الصحفية مي عزام قائلة إن أفضل الحلول للخلاص من نظام السيسي،هو الحل السياسي والدستوري، أم التظاهر وإحراجه أمام العالم في قمة المناخ، تعتقد الكاتبة المصرية أن "التنبؤ بمجريات الأمور صعب، وقد يكون فيه تسرع.


ودعت مي المعارضين المصريين من الداخل لتغيير نظام السيسي عبر الانتخابات الرئاسية في موعدها أو عبر جمع توقيعات مماثلة لتمرد لتبكير الانتخابات، شريطة عدم ترشح السيسي.


وقالت إن "النظام فقد الكثير من مصداقيته وثقة الناس؛ ولا بد أن هذا الأمر يشغله، كما يشغلنا، وكما أننا نستعد لإيجاد فرص بديلة فهو يفعل الأمر ذاته"، مشيرة إلى أنه "عادة ما تبدو سيناريوهات النظام من خارج النظام"، لافتة إلى وجود "داعمين غير منظورين".


الأمين العام المساعد بحزب "المحافظين"، مجدي حمدان موسى، شدد أيضا على ضرورة  الإطاحة بالسيسي لكننا الآن أمام حالة غريبة ومتفردة"، مؤكدا أن "التغير عن طريق الثورة أو التظاهر في مصر الآن أمر غير عقلاني"، محذرا من أن "من سيقوم بهذا الأمر لن يعود لبيته مرة أخرى".


ويعتقد أن الأفضل هو أن "ندعو لتغيير النظام عبر الانتخابات الرئاسية، والتغيير عبر الصندوق"، مضيفا: "سنظل ندعو في هذا الاتجاه، لأن الأمور في مصر لم تعد تحتمل توقف الحياة مرة أخرى بعد تفاقم التضخم والحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على معيشة المصريين".


ويرجح موسى، هذا التوجه خاصة أن "أمر التغيير بالتظاهر أو الثورة لا يمكن أن يتم بهذه الصورة التي يعتقدها من يدعون لها"، وفق قوله.


لا أمل إلا بالتظاهر وخروج العسكر من المعادلة


فيما يرى رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل إن "الحديث في المطلق دون وضع الضوابط الحاكمة يصبح فيه كل شيء ممكن، بداية من سقوط نظام سياسي بالتظاهر، ونهاية بكوميديا الدعوة لانتخابات رئاسية سواء عادية أو مبكرة، وانتخابات مبكرة كوميديا أكثر سوداوية".


وطرح عمرو عادل قائلا  5 تساؤلات، أولها: "من بيده السلطة؟"، مجيبا أنها بالطبع "المؤسسة العسكرية".


أضاف ثانيا: "هل ترى المؤسسة العسكرية أن أحدا غيرها يمكنه السيطرة على السلطة؟"، مجيبا بقوله: "لا؛ فهم يرون أنفسهم أصحاب مصر".


ثالث "الأمور الحاكمة"، وفق عادل، تتمثل في التساؤل: "هل المجتمع الدولي عنده أزمة في غياب الديمقراطية وسيطرة الجيش على مصر؟"، ليجيب: "أيضا لا"، مضيفا: "بل يرون الجيش حليفا استراتيجيا للسيطرة على مصر والمنطقة".


وتساءل، رابعا: "هل الداعون لانتخابات مبكرة أو تمرد جديد أو حتى الانتظار للانتخابات القادمة يؤمنون حقا بتداول السلطة؟"، ليجيب السياسي المصري بنفس الجواب أيضا: "لا".


وأوضح أنهم "دعموا انقلابا عسكريا دمويا لمجرد رفضهم لنتائج الإجراءات الديمقراطية التي يتغنون بها".


وأخيرا، تساءل: "هل التظاهر قد يغير النظام؟ معتقدا أن الجواب هذه المرة "نعم"، مستدركا: "ولكن التظاهر ليس وحده الكفيل بهذا التغيير".


وأضاف في تصريحات صحفية "نحن بالمجلس الثوري المصري، نرحب بالتظاهر في كل وقت وليس في وقت محدد، شريطة أن يكون ضمن حالة عامة ومنظمة من العمل الجماهيري"، مضيفا: "ويكون التظاهر جزءا من حالة عصيان مدني وإضراب عام يحتاج لمن يديره ويحدد مساراته".


وخلاصة القول  إن "التظاهر أحد الوسائل في حزمة من الإجراءات لا بد من التكاتف وراءها لتحقق نجاحا حقيقيا، وندعو إلى تكاتف الجهود لبدء ترتيب إضراب عام وعصيان مدني شامل".