أصبح صعيد مصر قنبلة موقوتة للزيادة السكانية، على رغم حملات مبادرات التثقيف الصحي للحد من الإنجاب، وزيادة نسبة المتعلمين، إلا أن هؤلاء يتمسكون بكثرة الإنجاب، خاصة مع تردي الحالة الاقتصادية.

وتحتل محافظات الصعيد 40 في المئة من حجم سكان مصر، كما تتصدر محافظة أسيوط المحافظات الأكثر إنجاباً للمواليد، وتليها محافظة المنيا التي سجلت منذ ثلاثة أعوام المولود رقم 100 مليون.

الزيادة السكانية تتمركز في الصعيد

قال مستشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عبدالحميد شرف الدين، في تصريحات رسمية، إن "الزيادة السكانية متمركزة في الوجه القبلي بنسبة 40 في المئة، كما أن أغلب محافظات صعيد مصر هي المحافظات الأكثر إنجاباً، وعلى رأسها محافظة أسيوط بوسط الصعيد، وذلك على رغم الحملات المكثفة التي تطلقها الدولة على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي يحتاج إلى تجديد الخطاب الثقافي لسكان منطقة صعيد مصر للحد من الزيادة السكانية المتسارعة على هذا الشريط الضيق حول وادي النيل".

وتابع "أن إقليم الوجه القبلي يحتاج إلى تخطيط وعمل ووعي، وتتكاتف الدولة لخفض تلك المشكلة، لافتا: “نأمل أن تصل المواليد إلى 200 ألف كل عام.. وهناك انخفاض ولكن طفيف جدا.. وأثر التعليم وتمكين المرأة يقلل من فرص إنجاب السيدة".

توعية عكسية

وحول أسباب ارتفاع معدلات المواليد في الصعيد قال، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة في مصر محمد أبو الفضل بدران أن "بعض حملات التوعوية الخاصة بتنظيم الأسرة وقعت في فخ التوعية العكسية عبر بعض الإعلانات التي استخدمت التنمر والسخرية من المواطن الصعيدي خلال الزواج والإنجاب، الأمر الذي أسفر عن نتائج عكسية لهذه الحملات يشوبها العند، لأن الأهالي في صعيد مصر لديهم حساسية وكبرياء، مما يتطلب خطاباً جديداً يحترم المتلقي بصعيد مصر".

 وأضاف بدران أن "أغلب الحملات وجهت خطابها للمرأة في صعيد مصر، متجاهلة الزوج في اتخاذ قرار الإنجاب"، مطالباً بأن تصبح الحملات "أكثر شمولية وواقعية، بخاصة مع ظروف الغلاء الاقتصادي التي تأثر بها الجميع".

وعن أسباب عزوف المواطن في صعيد مصر عن الاستجابة لحملات التوعية، أفاد الباحث في مجال الإعلام عمر شوقي بأنه "منذ 40 سنة والدولة المصرية حريصة على تكثيف حملات التوعية الخاصة بتنظيم الأسرة واستخدام وسائل منع الحمل، إلا أن تلك الحملات جرى التخطيط لها وتنفيذها بعيداً عن خصوصية الصعيد، لذا جاءت نتائج الاستجابة ضعيفة، فمراعاة خصوصية المنطقة وطبيعتها الجغرافية أمراً هاماً خلال التخطيط للحملات التوعوية".

مولود كل 19 ثانية

وأفاد تقرير صادر لـ"الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء" إلى أن مصر تزيد سكانيا مليون نسمة كل 221 يوما، ويوميا 4625، بزيادة 118 مولودا جديدا كل ساعة وكل دقيقة 3 أطفال وكل 19 ثانية في مولود جديد.

ولفت التقرير إلى أن مصر تحتل المركز الأول بين الدول العربية والثالث بين الدول الإفريقية والـ 14 بين دول العالم من حيث عدد السكان.

ووفق مراقبين فإن التعداد السكاني في مصر لا يعد مشكلة في الدول المنتجة والدول الديمقراطية التي تحترم مواطنيها، فهناك دول كبري يتجاوز سكانها مئات الملايين، ولكن المشكلة في مصر تكمن في الإدارة الفاشلة والحكومات العاجزة عن استغلال الطاقة البشرية والإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها دولة كمصر، حيث يرتكز المواطنين من ناحية التكدس السكاني في 10 في المئة فقط من مساحة مصر والتي تعد مساحة مأهولة بالسكان والعمران، و90% غير مأهولة ولا يستفاد من ثرواتها.

وبحسب بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، تستقبل مصر سنوياً 2.5 مليون مولود مما يعكس النمو السكاني السريع للبلاد.

وتشير الإحصاءات السكانية إلى أن عدد سكان مصر في عام 1800 سجل نحو 5.2 مليون نسمة، ثم تضاعف عدد السكان تدريجاً إلى أن وصل إلى 20 مليون في عام 1950، ثم تضاعف إلى 40 مليون في عام 1978، وفي عام 2005 سجلت تعداد السكان في مصر 70 مليون نسمة، ثم بلغ العدد في الداخل المصري 87 مليون نسمة في عام 2015، ثم قفز النمو السكاني إلى 94.7 مليون نسمة، إلى أن كسرت مصر حاجز 102 مليون نسمة في عام 2020.

وإذا استمر النمو السكاني على هذا المستوى، يتوقع أن يصبح تعداد مصر 132 مليون نسمة بحلول عام 2030، أي بزيادة قدرها 31 مليون نسمة في غضون 10 أعوام فقط.

زيادة سكانية وإدارة فاشلة

 يرى الدكتور وليد جاب الله، خبير الاقتصاد والمالية العامة، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، أن عناصر الإنتاج في الاقتصاد لها تقسيمات عديدة أهمها أن العملية الإنتاجية تحتاج إلى مواد خام وعمالة ورأس مال وتنظيم، لذا فلا بد أن يكون هناك توازن بين عناصر الإنتاج والعمالة، ومصر تمتلك بالفعل وفرة شديدة في عنصر العمالة.

كما أن لديها من الموارد الطبيعية قدر جيد؛ ولكن المشكلة الحقيقة تتمثل في "عنصر رأس المال" والإدارة، لافتًا أن سوق العمل في مصر يدخله نحو 800

ألف وافد جديد سنويا، وهو الأمر الذي يحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة لخلق فرص عمل في ظل أن تكلفة فرصة العمل أصبحت تصل إلى نحو 500 ألف جنيه، بالتالي من المهم أن تعمل الدولة على تحفيز الاستثمار وضخ استثمارات حكومية كبيرة .

لكن في ظل عجز الدولة على ضخ أموال وعمل استثمارات اتجهت للطريق الأسهل نظريا والأصعب عمليا بحث المواطنين على التخفيف من زيادة السكان حتى تتناسب مع استراتيجية التنمية الحكومية؛ ومن ثم فإن الحكومة حتى الآن عاجزة عن تطبيق تلك الإستراتيجية بصورة مرنة وبإجراءات تتناسب مع الواقع الفعلي للمجتمع.