يبدو أن تونس على وشك إعلان رسمي لبداية سنة سياسية جديدة ستتصاعد فيها المسيرات حتى إسقاط الانقلاب، حيث شهدت الساعات الماضية في مناطق عدة بتونس، تظاهرات واشتباكات مع رجال الأمن، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلد الذي يعاني أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متصاعدة، وسط تحذيرات من تداعيات حالة "الاحتقان" على الشعب التونسي، ومخاوف من تصاعد وتيرة "انقسام الشارع".

وعلى الرغم من وجود خصومة مستمرة لسنوات بين أكبر حركتين في تونس "حركة النهضة الإسلامية" و"الحزب الدستوري الحر"، بالإضافة إلى أنهما لا يزالان يعارضان بعضهما البعض، لكن كليهما يركز الآن بشكل أكبر على معارضة الرئيس، الذي يتهمانه بتنفيذ انقلاب على الديمقراطية.

وتشهد تونس أزمة سياسية كبرى منذ احتكر سعيد السلطات في 25 يوليو 2021، بإقالته رئيس الحكومة وتعليق أعمال البرلمان الذي كان يرأسه راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، قبل أن يحله.
وتعتبر منظمات حقوقية والمعارضة السياسية وفي مقدمتها حزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية ما حدث "انقلابا على الثورة"، بينما قال سعيد إنها "خطوة قانونية لإنهاء سنوات من الفوضى والفساد المستشري".

 

الاتفاق على الإطاحة بالرئيس التونسي

شهدت شوارع العاصمة التونسية خروج آلاف المتظاهرين ضد الرئيس قيس سعيد، بدعم من الحركات السياسية التي اجتمعت على التنديد بسياسات الرئيس قيس سعيد والإطاحة به، الذي يصفه معارضوه بـ "المستبد" الذي يقوّض ما شيدّته تونس من ركائز ديمقراطية منذ عام 2011، كما طالبت هذه الحركات بمحاسبة المسؤولين عن الأزمة الاقتصادية في تونس التي تعاني نقصا في الغذاء والوقود.

وتجددت المواجهات والمظاهرات الرافضة لقيس سعيد مساء الأحد لليوم الثالث على التوالي بجهة حي التضامن الشعبي غرب العاصمة التونسية، وعمد بعض الشبان إلى غلق الطريق الرئيسية وإشعال الإطارات المطاطية وإلقاء الحاويات ورشق قوات الأمن بالحجارة، وردت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع وملاحقة المحتجين في الأحياء الفرعية بالمنطقة.
وبدأت الاشتباكات يوم الجمعة الماضي عند تشييع جنازة مالك السليمي (24 عاماً) الذي توفي متأثرا بإصابة في الرقبة تعرض لها أواخر أغسطس الماضي، ويتهم محتجون قوات الشرطة بالتسبب في وفاة السليمي.

كما تأتي هذه الاحتجاجات في ظل تزايد منسوب الاحتقان وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تمر بها البلاد، وفي ظل استعمال القوة تجاه المحتجين.

 

لا مستقبل لتونس في ظل وجود قيس سعيد

وفي مطلع هذا الأسبوع، وفي قلب العاصمة تونس، ردّد المتظاهرون هتافات مثل "يسقط يسقط"، "الثورة على الديكتاتور قيس" و"الانقلاب سيسقط"، وجاءت إحدى مسيرات السبت من تنظيم جبهة الخلاص الوطني، وهي ائتلاف يضم أحزابا معارضة بينها حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية، والذي كان يسيطر على البرلمان التونسي قبل أن يحلّه قيس سعيد.

وقال علي العريض، رئيس الوزراء التونسي السابق والقيادي البارز في حزب النهضة، إن المظاهرات كانت تعبيرا عن حالة "الغضب من أحوال البلاد تحت قيس سعيد"،وأضاف العريض لوكالة الأنباء الفرنسية: "نقول له 'ارحل'".

وتابع العريض بالقول إن قيس سعيد إذا ظل في السلطة، "فلن يكون هناك مستقبل لتونس"، مشيرا إلى تفشّي اليأس والفقر والبطالة بين التوانسة، وأعلنت جبهة الخلاص الوطني أنها ستقاطع عملية التصويت في ديسمبر المقبل لانتخاب برلمان جديد محدود السلطات.

 

إجراءات استثنائية

ومنذ 25 يوليو 2021، تعيش تونس أزمة سياسية منذ أن بدأ الرئيس سعيّد فرض إجراءات استثنائية منها حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتمرير دستور جديد للبلاد في 25 يوليو الماضي وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر المقبل.

وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات "انقلابا على دستور 2014 (دستور الثورة) وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما ترى فيها قوى أخرى "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بنظام حكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.

أما سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر خمس سنوات، فقال إن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ تونس من "انهيار شامل".

 

أزمة طاحنة

يعيش التونسيون أياماً عصيبة لم يعتادوه، فطوابير بالساعات أمام محطات البنزين المفقود، وبيع الحليب والماء بالتقسيط، ثم تأجج الاحتجاجات في أكثر من مكان. احتجاج في مدينة جرجيس المنكوبة بـ18 مواطناً لقوا حتفهم في مركب هجرة سرية إلى إيطاليا، ولم تكلف الدولة عناء البحث عن جثثهم إلا عندما انتفض الأهالي هناك، وفي مدينة بنزرت لنفس الأسباب تقريباً، واحتجاج وسط العاصمة على عنف الشرطة، بعد مقتل شاب في مقتبل العمر متأثراً بجراحه إثر اعتداء عناصرها عليه، بحسب ما رواه الفقيد نفسه قبل وفاته.

في حين لا يكترث الرئيس لمآسي هذا الشعب، إلا بما يراه مناسباً لخطبة عصماء، في المقابل، يؤكد أنه سيتم إجلاء الخونة من البلاد، ويقصد معارضيه الذين يثبتون كل يوم فشله وفشل حكومته في تحسين حياة الناس وتحقيق بعضٍ من وعوده التي خدّر بها عقول الناس عندما اجتمعوا من كل الجهات والأفكار على انتخابه.