يعيش أكثر من 60 ألف معتقل في غياهب سجون الجنرال عبد الفتاح السيسي، لم يرتكبوا جرما، سوى لمعارضتهم لحكمه الظالم، ولعل أغلب هؤلاء من المواطنين البسطاء والعلماء والمفكرين والسياسيين الذين لا يستطيع السيسي ولا غيرهم، شراء ضمائرهم، وهو ماو ضح جليا في عدم إدراج أسمائهم في العفو الرئاسي الذي يشمل القليل من المعتقلين، أغلبهم، يأتي لتبييض صورة النظام أمام الرأي العالمي.

ووفق مراقبين فإن نظام عبدالفتاح السيسي يستبعد المعتقلين السياسين وخاصة الإسلاميين لخوفه على نفسه ومنصبه إن خرجوا وودعوا الزنازين، قاموا بحراك ثوري للإطاحة به، كما يخشى المحاكمة وأن يودع مكانهم ويواجه نفس مصيرهم.

 

موت وإهمال طبي ينهش أجساد المعتقلين

كل شهر يتزايد عدد الأحرار الذين يرتقون لبارئهم، بسجون الانقلاب شهريا نتيجة المعاناة والإهمال المتعمدين، وكأن السيسي ينتظر على أحر من الجمر سقوط المعارضين البارزين له عبر إزهاق أرواحهم داخل محبسهم مثلما حدث مع مئات المحتجزين، والذي يأتي أبرزهم " الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي، والدكتور عصام العريان، المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف".

وشهدت سجون السيسي وفاة  29 معتقلا بالإهمال الطبي منذ بداية العام الجاري، أبرزها وفاة معتقل من محافظة الشرقية في مجمع بدر الجدد،  ورقم 1139 منذ الانقلاب العسكري 2013.

 

أعداد قليلة

يرى مراقبون أن خطوة عبد الفتاح السيسي بالإفراج عن عشرات المعتقلين ما هو إلا نقطة في بحر السجون، مؤكدين أن إجراء السيسي ضئيل جدا، في مقابل اعتقاله وسجن نحو 120 ألف مصري أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب سياسيين ونشطاء قضى أكثرهم خلف القضبان نحو 9 سنوات.

وكان عدد من المنظمات الحقوقية أرسلت قائمة ثانية تضم 536 حالة للإفراج، وكانت القائمة الأولى قد أُرسلت في 23 مايو الماضي،  وضمت 2418 حالة،  في المقابل، توضح الأرقام أنّ عدد الذين جرى الإفراج عنهم خلال تلك الفترة يقارب 250 معتقلاً من بين 21 ألف معتقل تعسّفي على ذمة قضايا سياسية في أكثر من 50 مركز اعتقال على مستوى الجمهورية، فيما ارتكبت القوات الأمنية خطوات تصعيدية بحق المدنيين في مناطق مختلفة، مثل جزيرة الوراق، وهو ما ينسف فكرة العفو والحوار من الأساس، وهما اللذان يحتاجان لتهيئة الأوضاع، لا العمل الجدّي على تصعيدها.

وحول دوافع السيسي من السيسي من الترويج إلى أكذوبة العفو الرئاسي، قال الحقوقي أحمد مفرح أعتقد أنّ ملفّ العفو الذي صعد إلى السطح فجأة في شهر رمضان الماضي يرتبط جذرياً بقمة المناخ، وإن كان العائد الذي قدّمه السيسي، عبر إفراجه عن العشرات، لا يتناسب، في أي حال، بما يعتقد أنّ القمة ستقدّمه له، بتبييض ملفه الحقوقي الأسود الداكن، وغسله وكيه وعرضه على غرار الأفلام الهوليودية في صورةٍ وهيئة جديدتين، وكأنّه لم يدمن القتل والانتهاك والكذب الصريح على مدار عقد.

وأضاف أنّه يمثل غطاءً جديداً للانتهاكات التي تمثل فلسفة للنظام ولدت معه، ولن تزول إلّا بزواله، كما تفنّد صور المفرج عنهم، وقد غزا الشيب رؤوسهم وغيّر ملامحهم، أكاذيب الجمهورية الجديدة الغارقة في السلطوية والاستبداد، رغم أنّ آلافاً غير هؤلاء يقبعون في زنازين الموت منذ سنوات، بلا زيارة ولا رعاية، وقد انقطعت صلتهم بالعالم وكأنّهم أصحاب الكهف الذين خرجوا يوماً على عالم من دون العالم وبشر غير البشر.

 

إنقاذ تحت ضغوط.

يبدو أن المعتقلين في مصر لا يخرجون إلا تحت وطأة الضغط الدولي أو مصالح سياسية، فعقب كل حملة انتقادات دولية، يواصل السيسي من آن إلى آخر الإفراج عن بعض المعتقلين الليبراليين دون الإسلاميين، لتهدئة الرأي العام العالمي الغاضب والمطالب التي يتزعمها سياسيون أمريكيون بوقف تصدير السلاح للسيسي.

وفي 18 يوليو 2021، أفرجت سلطات الانقلاب عن الناشطة إسراء عبد الفتاح، والمحامية ماهينور المصري، والقيادي بحزب "التحالف الشعبي" عبد الناصر إسماعيل، والصحفيين جمال الجمل، ومصطفى الأعصر، ومعتز ودنان، وذلك بعد توجيه وزارة الخارجية الأمريكية في يوليو 2021، تحذيرا للسلطات المصرية بشأن استهداف النشطاء، وإعلانها أن الموضوع سيُؤخذ في الاعتبار خلال محادثات بيع الأسلحة للقاهرة، في ذلك الوقت.

وفي أبريل 2021، أطلقت السلطات الأمنية سراح الصحفية سولافة مجدي وزوجها المصور الصحفي حسام الصياد، والصحفي المعارض خالد داوود.

وإثر توجيه 180 سياسيا فرنسيا رسالة للسيسي، في يونيو 2021، أعربوا فيها عن قلقهم من استمرار اعتقال الآلاف من سجناء الرأي أفرجت القاهرة عن الناشط المصري الفلسطيني رامي شعث.

ولتفادي توتر العلاقات الحاصل بين مصر وإيطاليا منذ تفجر أزمة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر يناير 2016، أفرجت القاهرة عن الناشط المصري الإيطالي باتريك زكي، في ديسمبر 2021.

وأصدرت سلطات الانقلاب قرارا بإخلاء سبيل صحفي الجزيرة أحمد النجدي، المحبوس احتياطيا على ذمة اتهامات بنشر أخبار كاذبة، منذ أغسطس 2020، بعد أيام قليلة من زيارة السيسي لقطر.

 

وضع كارثي وأرقام متزايدة

وتصف "منظمة العفو الدولية" و20 منظمة غير حكومية أخرى الوضع الحقوقي لمصر بأنه "كارثي"، مشيرة لوجود "ناشطين سلميين ومدافعين عن حقوق الإنسان ومحامين وأساتذة جامعيين وصحفيين محبوسين لمجرد ممارستهم حق التعبير عن الرأي".

وفي يناير 2021، قدرت المنظمة عدد المعتقلين والمسجونين بمصر بنحو 114 ألف سجين، في رقم يمثل أكثر من ضعف القدرة الاستيعابية للسجون والتي أكد السيسي في ديسمبر 2020، أنها تتسع لـ55 ألف سجين.

وحتى مارس 2021، أكدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حوالي 120 ألفا، موضحة أن منهم 65 ألف سجين ومحبوس سياسي.

ووفق المنظمة الحقوقية فإن عدد المحبوسين احتياطيا يبلغ نحو 37 ألفا، ويصل عدد المحكوم عليهم نحو 82 ألف سجين.

كما ترتكب قوات أمن الانقلاب مئات الانتهاكات داخل السجون ومراكز الاحتجاز خلال تلك الفترة، حيث رصد فريق "كوميتي فور جستس" ما يقارب 950 انتهاكاً ترافقت مع استمرار اعتقال المئات، كثيرون منهم من المتابعات الدورية الأسبوعية والشهرية، لتأكيد هيمنة جهاز الأمن الوطني على المفرج عنهم، باعتبارهم أسرى له، خرجوا بإرادته، لكن لم يغادروا سلطته.

وفي المقابل يواصل النظام الاعتقالات والانتهاكات، حيث تشن قوات أمن الانقلاب حملة اعتقالات شرسة مع اقتراب موعد تظاهرات 11 نوفمبر المقبل،وخاصة للمعتقلين السابقين  كما تزيد من القبضة الأمنية في الشوارع.

 

إستراتيجية لإرضاء الغرب

ولإرضاء الغرب قام  السيسي بالإعلان عن إجراءات لوقف الانتقادات، والاتهامات التي تطال نظامه بشأن المعتقلين ففي سبتمبر 2021، أعلن عن "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، وسط آمال عريضة انتظر ملايين المصريين تحقيقها دون فائدة مرجوة، وفق مراقبين.

ويرى مراقبين أن الانتقادات الحقوقية الدولية،  التي طالت السيسي والتي كان آخرها انتقادات إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن لملف السيسي بحقوق الإنسان، وحجب 130 مليون دولار من المعونة الأمريكية للقاهرة 28 يناير 2022؛ كانت وراء  تخفيف حدة تلك الانتقادات عبر إجراءات صورية.

 

شخلل عشان تعدي

ويصف الدكتور عز الدين الكومي، عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري سابقا من جانبه، النظام الانقلابي بالمجرم المسجل خطر، أو الفتوة قديما الذي كان يمنع مرور الناس إلا بدفع إتاوة، وفق القول الشعبي: (شخلل عشان تعدي)، وهي نفس القصة، يمارس النظام البلطجة والفتونة، وأفرج عن معتقلي الجزيرة بعد تلقي (الرز) القطري الذي حرم منه برفض الدوحة الانقلاب".

وجه السياسي تساؤلاته للنظام، قائلا: "لماذا اعتقل هؤلاء الصحفيون؟ ولماذا تم الإفراج عنهم اليوم وليس قبل شهر مثلا؟".

وأعرب عن أسفه من أن "النائب العام لا يستطيع الإجابة على هذا السؤال، ولكنه مفترض أنه من أمر بالقبض عليهم ومن أمر بالإفراج عنهم"، معتقدا أنه "سمع بالخبر من وسائل الإعلام مثلنا مثله، لأنه في الواقع لا أمر باعتقال أحد ولا بالإفراج عنه".

وألمح إلى أن "هذه ليست الحادثة الأولى التي يتم فيها الاعتقال والإفراج بعد جرعات (رز) أو مكالمة من الكفيل الأعلى، كما حدث بقضية الأمريكية آية حجازي، التي استقبلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالبيت الأبيض، بعد أسبوعين من لقائه والسيسي".

"وكذلك الأمريكية من أصول مصرية ريم الدسوقي، التي اعتقلت 10 شهور بزعم إدارتها حسابات معارضة للنظام بمواقع التواصل الاجتماعي، وناشد ابنها في مقطع مصور الرئيس ترامب، للإفراج عن والدته"، بحسب الكومي.

وأضاف: "بالفعل جرى الإفراج عنها بعد مطالبة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، سلطات الانقلاب بالإفراج عن المواطنين الأمريكيين المحتجزين في مصر".

وقال: "لا تحدثني عن (سيادة القانون) في بلد يحتل المرتبة 136 من 139 دولة شملها تصنيف مشروع العدالة العالمي 2021".

وختم بالتأكيد على أن "مصر أصبحت جمهورية خوف، تدار بالقمع والقهر والإخفاء القسري، والقتل خارج إطار القانون، أو القتل البطيء في السجون والمعتقلات ومقار الاحتجاز".