لم تحظ قضية في فكر وعقل وكيان الدكتور القرضاوي (رحمه الله) كما حظيت قضية فلسطين، حيث أفتى بأن تحريرها من الكيان الإسرائيلي فريضة دينية وقومية.

 

وكتب مؤسس ورئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين (السابق) على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر): "إسرائيل كيان طفيلي دخيل قائم على الاغتصاب والعدوان، وتحرير أرض الإسلام من هذه الجرثومة الغريبة في جسم الأمة المسلمة؛ فريضة دينية وقومية!".

 

2 نوفمبر من كل عام

 

احتلت قضية فلسطين في عقل الشيخ القرضاوي (رحمه الله) مكانة كبيرة منذ أن كان صغيرًا، فكتب في كتابه "سيرة ومسيرة" أن قضية فلسطين "كانت من قديم أولى القضايا التي تشغل فكري وقلبي"، مبينا أنه منذ أن دخل المعهد الديني في طنطا 1940م، ووجد نفسه يسير مع الطلبة في 2 نوفمبر من كل عام؛ احتجاجًا على وعد «بلفور»، وزير خارجية بريطانيا، الذي وعد اليهود في العالم بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.

 

يقول: "عندما كنت في السنة الثالثة الابتدائية، بدأت أشارك بإلقاء الخطب، وإنشاد القصائد، والمشاركة في قيادة المظاهرات اللاهبة، والهتاف الصاخب بحياة فلسطين وسقوط الصهيونية".

 

زيارة غزة

القرضاوي: لولا الثورة المصرية ما استطعت الوصول إلى غزة - إخوان أونلاين -  الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين

 

وعلاقة الشيخ (رحمه الله) بفلسطين علاقة قديمة، فقد زارها في عام 1958 وصلى بأهل غزة شهر رمضان، ثم تجددت الزيارة في مايو 2013 على رأس وفد يضم نحو خمسين من علماء المسلمين من 14 دولة، وحظي الوفد باستقبال رسمي كبير من لفيف من كبار قادة حماس يتقدمهم إسماعيل هنية رئيس الحكومة في حينه، داخل معبر رفح.

 

ووصفت حركة حماس في بيان صحافي هذه الزيارة بأنها "تاريخية".

 

وقال القرضاوي، في كلمة خلال مؤتمر صحافي عقده في المعبر: "أصبحنا في موسم جديد وعهد جديد للأمة، نحن الآن في غزة التي لم أزرها منذ عام 1958، نريد أن نجدد العهد مع أبناء هذا البلد كلها أبناء فلسطين جميعا من أجل تحرير فلسطين، كلنا نعمل من أجل تحرير كل فلسطين".

 

وتابع "كل طموحنا أن نموت في سبيل الله وأن تحيا فلسطين، نحن مع هذا الشعب الكريم الذي ضحى في كل ما خاض وانتصر، إنني على يقين أننا سننتصر. ما كان أحد يظن أن تنتصر الشعوب وتطرد هؤلاء الطغاة الذين حكموها في مصر وتونس، وستنتصر سوريا أيضا وسينتصر الإسلام".

 

جمع التبرعات لدعم المجاهدين

 

ومن مواقف الشيخ (رحمه الله) التي لا تنسى في دعم القضية الفلسطينية، دعوته لدعم ومساندة المجاهدين والمقاومة خلال حرب عام 1948، إبان إعلان جماعة الإخوان المسلمين فتح باب التطوع للجهاد في فلسطين، حيث سعى الشيخ القرضاوي إلى مساعدة المقاومين عبر جمع التبرعات في المدن والقرى المصرية لشراء السلاح، برفقة مجموعة من رفاقه.

 

يقول: "كان شراء هذه الأسلحة يحتاج إلى مال، فكنا نذهب إلى المدن والقرى في مصر لنجمع التبرعات لمعونة فلسطين. وبعد ذلك فتح الإخوان باب التطوع لمن يريد الجهاد في فلسطين، واستجاب الألوف لهذا النداء، ولكن الإمام البنا رفض قبول طلاب المراحل الثانوية في التطوع".

 

وقال: "هذه نظرتنا إلى قضية فلسطين؛ إنها قضيتنا، وليست قضية إخواننا ونحن نساعدهم! وهذه هي النظرة الإسلامية الصحيحة. وكم حاول بعض الذين لا يعلمون: أن يثنوا أعناقنا عن هذا الموقف، ويقولون: إن أصحاب القضية لا يعتنون بها مثل عنايتكم، وأنا أقول لهم: إنكم غالطون، نحن أصحاب القضية، ولسنا غرباء عنها، أو دخلاء عليها".

 

دعم الانتفاضة 1987

 

كما كان للشيخ القرضاوي موقف داعم للانتفاضة الأولى للشعب الفلسطيني، التي اندلعت عام 1987، حيث كان أكد أنها انتفاضة تلقائية على المظالم المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني، مشيرًا إلى أنها جاءت بعد أن حاول الفلسطينيون أن يشتكون الى مجلس الامن والأمم المتحدة، والجامعة العربية، ولكن أحداً لم يستمع لهم.

 

مشعل ينعى الشيخ العلاّمة يوسف القرضاوي - الرسالة نت

 

إصدار الكتب والفتاوى

 

ومن جهود الشيخ (رحمه الله) في نصرة قضية فلسطين، إصداره للعديد من الكتب والفتاوى المعاصرة التي تدعم حق المجاهدين في تحرير أرضهم بكل غال ونفيس.

 

وأصدر القرضاوي كتاب "درس النكبة الثانية"، والذي تحدث فيه عن النكبة الثانية عام 1967 والتي استولى فيها الاحتلال الصهيوني على ما تبقى من فلسطين، بالإضافة إلى كتاب "القدس قضية كل مسلم"، تحدث فيه عن القدس والاعتداءات الصهيونية، ودور الامة العربية والإسلامية في الدفاع عنها.

 

وبلغته الشاعرية الفذة وأسلوبه الأدبي العميق، ألف الشيخ العديد من القصائد لفلسطين، منها قصيدة «نشيد العودة»، يقول فيها:

أنا عائد، أقسمت إني عائدُ            والحقُّ يشهد لي، ونِعْمَ الشاهدُ

ومعي القذيفة والكتاب الخالد           ويقودني الإيمان نعم القائد

لغة الدِّما لغتي، وليس سوى الدِّما      أنا عن فنون القول أغلقت الفما

وتركت للرشاش أن يتكلما              ليحيل أوكار العدو جهنما

 

تحريم التطبيع والمفاوضات مع الاحتلال

 

وأصدر الدكتور القرضاوي (رحمه الله) عدة فتاوى، حرم فيها كل أشكال التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، حيث دعا إلى وجوب مقاطعة الاحتلال سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا، وأنه يجب مقاومته والتصدي لمشروعه الاستيطاني لتحرير فلسطين.

 

كما استنكر الشيخ القرضاوي عملية المفاوضات التي تجريها السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الصهيوني، حيث قال في تصريحاته: "إننا لا نقبل أبداً المزايدات والملاعبات والحوارات التي يجريها الفلسطينيون - يقصد السلطة الفلسطينية - والأمريكان وأتباع هؤلاء لعزلنا عن القضية الفلسطينية". وأكد الشيخ أن هذه المفاوضات لم تقدم أي شيء للقضية الفلسطينية، سوى المزيد من التنازلات عن الحقوق والثوابت.

 

تدشين مؤسسة القدس الدولية

 

وفي كلمته اليوم في مسجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالدوحة، كشف رئيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الخارج، خالد مشعل، عن حقيقة تاريخية، تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، يقول: "حين أردنا أن نجمع الأمة على القدس وفلسطين، فلم نجدد ألمع ولا أنجب من شيخنا القرضاوي ليجمع حوله ثلة من أبرز علماء الأمة وقادتها في الشرق والغرب".

 

وأشار إلى أن هذه الجهود أفضت إلى "تحقُّق الرجاء والأمنية في 2001، بعقد مؤتمر فلسطين في بيروت، الذي أعلن عن نشأة مؤسسة القدس الدولية".

 

وأضاف مشعل أنه "حين اعتدى الصهاينة على غزة في عدوان 2008 - 2009، جاء الشيخ القرضاوي ومعه قادة الأمة الى دمشق للوقوف مع المقاومة".

 

وأكد مشعل، إن "ما غرسه الشيخ يوسف القرضاوي من علم ودعم للمقاومة في فلسطين سيثمر يومًا ما، من خلال تحريرها من نير الاحتلال".

 

وزاد: "كم رأيته محبًا للناس، والفصائل الفلسطينية التي لم يميزها عن غيرها، رغم اختلاف مرجعياتها الأيديولوجية".

 

وختم رئيس "حماس" الخارج كلمته بالقول: "لطالما تشرفت بزيارته في بيته، حتى جاءت زيارة الوداع الأخيرة قبل أسابيع"، مضيفًا: "رأيت وجهه المشرق، لقد هدّ المرض جسده، لكنه احتفظ بوجه وضّاء، ورغم نحول الجسد، لكن الله أكرمه بوجه مشرق، وقد حاز حتى لحظاته الأخيرة هيبة العلماء، وصورتهم العظيمة، وهو يتطلع إلى لقاء الله".

 

ومن جهته أكد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية، على أن صلاة الغائب ستقام اليوم على الراحل العلامة يوسف القرضاوي في القدس أولى القبلتين.

 

جاء ذلك في كلمة لهنية، اليوم الثلاثاء في مقابر مسيمير بالدوحة، خلال مشاركته في تشييع جثمان القرضاوي، والذي وافته المنية أمس، في العاصمة القطرية الدوحة.

 

ورثى هنية، القرضاوي قائلًا "نم قرير العين يا شيخنا وإمامنا؛ فالمشروع الصهيوني ينحسر عن أرض فلسطين والنصر لنا ولأمّتنا"

 

وأشار إلى أن القرضاوي طالب دومًا بضرورة "التمسك بفلسطين وعدم التنازل عن أي شبر منها، وأن الجهاد والمقاومة هي الطريق لتحريرها".

 

وجدد هنية "العهد بألا تفريط بأي شبر من فلسطين" قائلا "سنصلي يوماً في القدس التي حلمت بالصلاة فيها".