اتخذت اللجنة العليا للتكليف برئاسة الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة والسكان بحكومة الانقلاب، قرارًا بوضع ضوابط جديدة لتكليف جميع الفئات المخاطبة بالقانون رقم (29) لسنة 1974 في شأن تكليف الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان والفئات الفنية المساعدة، طبقًا للاحتياجات الواردة من الجهات المذكورة بالقانون اعتبارًا من حركة تكليف عام 2025.

 

وبهذا القرار تكون وزارة الصحة قد اتخذت قرارًا بوقف التكليف المباشر لخريجي كليات الطب والصيدلة والتمريض ابتداء من عام 2025.

 

ودافع الدكتور جورج عطا الله، عضو مجلس نقابة الصيادلة، عن قرار الوزارة بقوله "إن هناك تفاقم أعداد في كليات الصيدلة والأسنان والعلاج الطبيعي، حيث إن تلك المشكلة لم تظهر حتى الآن في كليات الطب والتمريض، كما أنه لم يكن هناك رؤية للدولة حول عدد الصيادلة الذي تحتاجه"، وتابع عطا الله أن "إلغاء التكليف للطالب يجب أن يكون بداية من الدفعة الجديدة، وليس الدفعات السابقة، كما لا يجب ألا يتحمل الطالب أخطاء الوزارات في فتح العديد من كليات الصيدلة، التي أصبحت ذات أعداد كبيرة أكثر من احتياج سوق العمل، ويعتبر إهدارا للمال العام للدولة ولـ أهالي الطلاب"، وفقًا لـ"صدى البلد".

 

بطالة في التخصصات الطبية

 

ومن جهة أخرى فقد حذر أطباء ونقابيون من مغبة مثل هذا القرار، في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة الانقلاب عزمها استعادة أكبر عدد من الأطباء المهاجرين، ولكن ما يحدث هو العكس تمامًا، مؤكدين أن إلغاء التكليف يعني مواجهة أزمة في التعيين وسيكون هناك بطالة في تلك التخصصات.

 

وتحت عنوان "نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر"، كشفت النقابة في تقرير لها عن استقالة 11 ألفا و536 طبيبا من العمل بالقطاع الحكومي منذ 2019، مشيرة إلى أنها رصدت استقالة 934 طبيبًا منذ بداية العام الجاري حتى 20 من مارس الماضي.

 

وحذرت النقابة من زيادة عدد الأطباء المستقيلين عامًا تلو الآخر، ودعت الحكومة إلى ضرورة التدخل الجاد والعاجل، محذرة في الوقت نفسه من معاول الهدم الحكومية في جدار المنظومة الصحية من قبل المحليات والتعسف الإداري والمساءلات الجنائية.

 

يشار إلى أن الإهمال في قطاع الصحة ناتج عن أنه يخدم المواطنين العاديين والبسطاء، في حين أن الموظفين في المؤسسات الأمنية والقضائية، والذين يمثلون الشريحة الأقل، يعالجون في مستشفيات مخصصة لهم بأسعار رمزية، أو باشتراكات طبية للعلاج في المستشفيات الخاصة، وفقًا لـ"عربي 21".

 

قرارات عكس الاتجاه

 

ويبدو أن القرار أثار ضجة كبيرة في مصر وفي نقابة الأطباء، فبادر الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة والسكان، إلى التصريح بعدم وجود نية لإلغاء التكليف للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان والفئات الفنية المساعدة، مضيفًا: التكليف سيكون مرتبطًا بالاحتياجات الفعلية الواردة من الجهات الطبية، وليس من المنطق أن أكلف 18 ألف طبيب وصيدلي واحتياجاتي الفعلية 6 آلاف فقط.

 

وأشار وزير الصحة، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي سيد علي، ببرنامج حضرة المواطن، عبر فضائية الحدث اليوم، مساء الاثنين، إلى أن هناك فرقًا بين التعيين والتوظيف، مشددًا على أن عدالة التكليف مبنية على احتياجات فعلية، والمشرع يقول التكليف يجب أن يكون مرتبطًا باحتياجات حقيقية في التخصصات التي يكون فيها نقص شديد، وفقًا لـ"مصراوي".

 

كما أكد ذلك الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء، إذ قال إن وزير الصحة أكد بوضوح على عدم وجود نية لإلغاء التكليف، وأن ما تم عرضه والتصريح به هو أن التكليف حسب الاحتياج بدءًا من عام 2025 لا يعني إلغاء التكليف، وفقًا لـ"اليوم السابع".

 

وانتقد الوكيل بوزارة الصحة المصرية سابقًا، الدكتور مصطفى جاويش، قرار وزارة الصحة، قائلا: "واضح أن الحكومة تمارس سياسة الاتجاه المعاكس في مواجهة مشكلة هجرة 65 بالمئة من الأطباء للخارج".

 

وصرح جاويش "أن قرار اقتصار التكليف على الاحتياجات فقط يتناقض تمامًا مع الشكوى المستمرة من وجود نقص شديد كمي ونوعي، ويرجع السبب في اجتماع وزير الصحة مع جميع الجهات الحكومية والبرلمانية والنقابية المعنية بالتكليف لوجود توجيهات صدرت من السيسي يوم 4 أغسطس الماضي بسرعة تغيير منظومة تكليف الأطباء"، وفقًا لـ"عربي 21".

 

وأكد الخبير في قطاع الصحة أن "المرجعية الظاهرية لتلك القرارات هي القانون رقم 29 لسنة 1974 واستحضار هذا القانون الآن وبعد خمسين عاما على إصداره يتعارض وبشدة مع الواقع ويضرب بعنف سلامة وقدرة المنظومة الصحية على تلبية احتياجات الرعاية الصحية للمجتمع من تواجد عدد كاف من الأطباء في ظل تلك الفجوة التشغيلية الواسعة".

 

غياب التمويل

 

وأكد أمين صندوق نقابة صيادلة مصر سابقا، أحمد رامي الحوفي، أن "هناك أكثر من 50% من الأطباء هاجروا للعمل بالخارج لأسباب كثيرة على رأسها تدني الأجور مقارنة بجهات أخرى مثل القوات المسلحة والشرطة والقضاء الذين يتمتعون بميزات عديدة كالتأمين الطبي والأجور والمعاشات المرتفعة؛ وبالتالي فإن العجز ليس ناتجًا عن قلة الأعداد إنما بسبب عدم وجود تمويل وتطبيق استحقاقات الدستور لأنه يتم توجيهها لقطاعات وأجهزة القمع الأمني".

 

وحذر الحوفي من أن "الوضع الصحي سوف يزداد سوءًا مع وقف التعيين؛ لأنه سوف يحد عجزا فوق العجز في الأماكن (المستشفيات والوحدات الصحية التابعة للدولة) التي تقدم خدمات صحية للمواطنين العاديين، كما أن هناك عجزًا في عدد الأطباء والتمريض مقارنة بالنسب العالمية، وهو عجز مزمن مستمر منذ سنوات ولا تسعى الحكومة لمعالجته لأنه يتعلق بصحة المواطن البسيط لكن الفئات الأخرى توفر لهم مستشفيات متكاملة لا علاقة لها بالمستشفيات الحكومية المخصصة للمواطنين العاديين".

 

أرقام صادمة

 

نشرت صحيفة "الإندبندنت" أرقامًا مفزعة حول واقع العمل الطبي في مصر، واستقالات الأطباء وعزوفهم عن العمل الحكومي، وسعيهم للهجرة والعمل في البلدان العربية والأوروبية، وجاءت أبز هذه الأرقام كما يلي:

 

تدني الأجور الخاصة بالكادر الطبي الأقل بين أقرانهم حول العالم، إذ يتراوح الآن بين نحو 3200 و4000 جنيه، أي ما بين 175 و218 دولارًا أمريكيًا شهريًا.

 

بحسب تقرير حديث لنقابة الأطباء المصرية، فقد استقال نحو 11 ألفًا و536 طبيبًا منذ أول 2019 وحتى 20 مارس 2022.

 

وفقًا لدراسة لوزارة الصحة في مارس 2019، فإن أعداد الأطباء البشريين المرخص لهم بمزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018 من دون الأطباء على المعاش تقدر بـ212 ألفًا و835 طبيبًا، بينما من يعمل وقتها فعليًا في مصر بالجهات المختلفة التي تشمل وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية الحكومية والخاصة وجامعة الأزهر والمستشفيات الشرطية 82 ألف طبيب فقط بنسبة 38% من القوة الأساسية المرخص لها مزاولة مهنة الطب".

 

وطبقًا لهذه الدراسة فإن معدل الأطباء في مصر 8.6% طبيب لكل 10 آلاف مواطن، أي أقل من طبيب لكل 500 مواطن، بينما المعدل العالمي 23 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن".