قال الباحث تيموثي قلدس المحلل السياسي بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط إن التقارير قالت إن السبب الرئيسي وراء إقالة رئيس الشركة المسؤول عن بناء العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، زكي عابدين ، أنه أسرع بالمواعيد النهائية التي أثارت التكاليف دون داع وأدت إلى أخطاء مكلفة".
واستدرك محملا رئيس الانقلاب المسؤولية قائلا في سلسلة تغريدات عبر "تويتر"، "منذ أن وصل (...) للسلطة ظهر السيسي رجلًا في عجلة من أمره وكان مكلفًا بالنسبة لمصر ومصريين. مباشرة بعد أن أصبح (...) شرع السيسي في توسيع قناة السويس ، ولكن بدلاً من إكمال المشروع في السنوات الثلاث المتوقعة ، أصر على أنه تم إنجازه في سنة ونجح وقال في الحدث الافتتاحي إن مصر "حققت المستحيل"..

إهدار المليارات
واتفق خبراء محليون ودوليون على أن العاصمة الإدارية لم تجن مصر من ورائها سوى مزيد من الأموال الباذخة التي أنفقت دون رقيب أو حسيب، وأن الظرف الإقتصادي الراهن، كان من المخطط أن يكون تمويل العاصمة الإدارية ذاتياً لكن هذا لم يحدث وسحبت مبالغ مهولة من القروض، وتأخر التنفيذ مما جعلها بحاجه لمزيد من القروض الغير متاحه حاليا، فدفن السيسي رأسه في الرمال وكان في صدارة الفشل أبو دبورة ونشر وكاب مدير المشروع اللواء أحمد زكي عابدين ونائبة اللواء محمد عبداللطيف..
وعلق قلدس: "ما حققته مصر هو إهدار مليارات الدولارات الثمينة خلال نقص في العملة الصعبة لتسجيل تسليم القناة دون داع لتوسيع القناة الذي فشل في تقديم مستويات موعدة من نمو الإيرادات".
وأضاف "تضاعفت تكلفة التوسع بسبب استنفاد الاحتياطيات المنخفضة للعملة الصعبة في مصر في حين أن دعم الخليج كان يجف ويأتي بمزيد من المطالب، وفي عام 2015 ، كافحت مصر لدفع المتأخرات للحصول على واردات الوقود، ووافق السعودي على تمويل الواردات ولكن لماذا؟".
وفسر هذا الدعم السعودي أنه وفقا لما تأكد للكثيرين أن "الدعم السعودي كان في مقابل نقل جزر تيران وصنافير في مصر إلى السيطرة السعودية في خضم توسيع القناة".
واعتبر أن هذه الهزيمة لم ترد السيسي في الاندفاع للبناء قائلا " في نفس العام ، أعلن السيسي عن خطط لبناء عاصمة إدارية جديدة على عجل".
واستعاد "قلدس" هذه البداية التي "كان من المفترض أن تشرف شركة إعمار الإماراتية، على بناء العاصمة الجديدة. تم الإعلان عنه في المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم في عام 2015 مع موقعة مذكرة التفاهم ، ولكن حتى في المؤتمر ، قام السيسي، أمام الكاميرات ، بضغط إعمار لتسريع الموعد النهائي لإنجازه"!
وعن تأثير ذلك اشار الباحث إلى أنه ظهر في الكاميرات علامات عدم الراحة على رئيس شركة إعمار ".. وامتنع عن الموافقة على الموعد النهائي المتسارع. في نهاية المطاف ، تعثرت الصفقة وشركة أغلبية مملوكة لجيش مصر ، تولى المشروع لتلبية الجدول الزمني الذي يطالب به السيسي".
واستدعى قلدس عناوين الصحف وقتئذ ومنها عنوان "reuterers.com" الذي كتب "مصر تخطط لبناء عاصمة إدارية جديدة شرق القاهرة" وفي تفاصيل المتن أن ذلك "في غضون خمس إلى سبع سنوات بتكلفة 45 مليار دولار".
وأضاف قلدس المقيم بالولايات المتحدة أنه "في العام التالي 2017، تكثفت أزمة العملات الصعبة في مصر ، مع توسيع السوق السوداء للعملة الصعبة والصعوبات المتزايدة للمستوردين المصريين. وافقت مصر على إنقاذ صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار على رأس القروض الكبيرة الأخرى والإصلاحات الاقتصادية المؤلمة والتقشف.. تم تخفيض قيمة الجنيه بشكل حاد إلى نصف قيمته الرسمية للسماح للبنوك بالتخلي عن السوق السوداء في العملة الصعبة في البلاد. انفجر التضخم والفقر بشكل متوقع كذلك. قيل للمصريين أن يتحملوا هذا الألم من أجل الرخاء في نهاية المطاف. ولكن الرخاء لم يأت".
وابدى تيموثي قلدس تعجبا من أن الأزمة التي تأثرت بها المصانع والعمال "لم تردع عجلة السيسي وشهية للبناء.. فالبلاد غارقة في مشاريع المدينة الجديدة الأخرى ، ومشاريع الطرق الجديدة ، ومشاريع السكك الحديدية الجديدة ، وغالبًا ما تعاقدت على الجيش الذي من الباطن على الشركات الخاصة بعد تخفيضه ؛ تكلفة إضافية لا تستطيع الدولة تحملها".
واشار إلى أن مصر الآن أصبحت "في أزمة مالية أخرى تسعى للحصول على خطة دعم جديدة وأضحت العاصمة الجديدة غير ضرورية والمهدر تمامًا لم يضيع الأموال الثمينة فقط لبناءها، ولكن تم إهدار أموال إضافية بسبب طريقة متهورة لها  تكررت وتتابعت".
وأوضح أنه "من المحتمل أن يكون رئيس الشركة (إشارة إلى زكي عابدين) غير مسؤول شخصيًا عن كل الطلب السيئ المتسارع الذي قدمه عبد الفتاح. لكن عابدين كان لا شك أنه تصرف على عجل مع العلم أن "رئيسه" كان في عجلة من أمره وأسقط إعمار لأنهم لم يتمكنوا من إرضاء عجلته. كان يعلم أن السيسي بالغ في إنهاء القناة لتوصيلها في عجلة من أمره..
وحمل قلدس السيسي المسؤولية في النهاية عمن "يعينه والفشل في أن يكون له أنظمة فعالة في الوقت المناسب لمساءلة المعينين".
وقلل من شأن مشروع العاصمة وقال "كان لا ينبغي إطلاق هذا المشروع أبدًا ، ويجب معالجة هذه القضايا في وقت سابق ، وليس عندما تكون مصر في عرض الحاجة لتمويل".
وحمل أيضا شرات الجيش المسؤولية وأضاف "من المؤكد أن الشركات المملوكة العسكرية لا تساعد إلى حد كبير الإشراف على الدولة ومراجعاتها من قبل سلطة التدقيق (المالي والتنفيذي) بينما يتم التعامل مع ميزانياتها وسجلاتها المالية بشكل عام كأحد أسرار الأمن القومي".
وخلص إلى أن التحركات الأخيرة والبيان العام في البرلمان وكذلك في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها النظام تشير إلى أن البعض على الأقل في قيادة البلاد يفهمون أن الماضي لا يمكن تحمله ولا يمكن قبوله..وإن كان ذلك غير مؤكد".


غياب الشفافية
ومن حديث صحفي للناشر والكاتب الليبرالي هشام قاسم مع "الجزيرة مباشر" قال إن "غياب الشفافية في ما يخص استقالة عابدين وأسبابها، وقال “كنا نتمنى معرفة الأخطاء والملاحظات الموجودة، وما هي التصحيحات القادمة لتعديل الأوضاع”.

وأضاف أن "أموالًا باهظة تُصرَف في هذه المشاريع، رغم أن مصر تعيش أزمة اقتصادية لم تشهدها منذ عصر الخديوي اسماعيل"، مستنكرا "إنفاق الأموال “الطائلة” على مشروع العاصمة الإدارية الجديدة".

ورأى أنه قد تكون فكرة العاصمة الإدارية الجديدة جيدة، لكن هناك مشكلة في الجدول الزمني، إذ كان من المفترض أن يكون على مدار من 15 إلى 20 سنة، بحيث لا يحدث ضغط على ميزانية الدولة يؤدي إلى تعثر ورفع المديونيات.

 

وكان عبد الفتاح السيسي قد أصدر، قرارًا بتعيين المهندس خالد عباس -نائب وزير الإسكان للمشروعات القومية- رئيسًا لمجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة، خلفًا للواء أحمد زكي عابدين الذي تقدّم باستقالته من إدارة مجلس شركة العاصمة، وسط أنباء عن خسائر بالملايين للمواطنين والشركات.


ركود العاصمة
وتمر العاصمة الجديدة بمرحلة ركود واسعة منذ أزمة تفشي فيروس كورونا، حيث تراجعت مبيعات الوحدات السكنية بشكل كبير خلال العامين الماضيين، وانحسر حجم الطلب على الشقق فيها عند 10%، والفيلات عند 16%.

وقالت تقارير صحفية إن استقالة عابدين وراءها مجموعة من القرارات الخاطئة التي اكتشفتها وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية، بخصوص مشروعات شملت أحياء كاملة، ومولات تجارية ضخمة، نتيجة “استعجال غير مبرر” في الانتهاء من المشروعات.

وأوضح المصدر أن رئيس شركة العاصمة الإدارية، واثنين من مساعديه، كانوا يحثون أصحاب رؤوس الأموال على سرعة أعمال الحفر والتعلية والإنشاء، دون انتظار صدور التراخيص الرسمية الكاملة، التي تشتمل على المواصفات الدقيقة للتصميم، ومراعاة شروط البناء ومساحات المحلات وبروز العمائر.

وأكد أن إلحاح عابدين على تسريع وتيرة إنشاء المشروعات أدى إلى أخطاء جسيمة بها.

والعاصمة الإدارية الجديدة هي مشروع لإنشاء مدينة على بعد 45 كيلومترًا شرق القاهرة كان قد أُعلِن عنها في مارس 2015 خلال قمة اقتصادية عُقدت في منتجع شرم الشيخ لجذب المستثمرين الأجانب.