أعلن المحامي المصري عمر هدهود، فجر الأحد الماضي، وفاة شقيقه، الخبير الاقتصادي أيمن هدهود، في ظروف غامضة، عقب أكثر من شهرين من إخفائه قسرياً من قبل أجهزة الأمن، واحتجازه بصورة غير قانونية في مقر جهاز "الأمن الوطني" التابع لوزارة الداخلية بحكومة الانقلاب في منطقة الأميرية بالقاهرة.

وحسب رواية شقيقه، فإن أيمن تعرّض للإخفاء القسري في مساء يوم 3 فبراير الماضي، بعد تناول العشاء معه في حيّ الزمالك بقلب العاصمة القاهرة، مشيراً إلى أنه احتجز بعد أيام من اختطافه في قسم خاص بمستشفى العباسية للصحة النفسية، على خلفية إصابته بحالة من الاضطراب النفسي في أعقاب احتجازه، وتعرضه للتعذيب.

تضارب الروايات

وقالت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان إنها تواصلت مع شقيق أيمن هدهود في إطار متابعتها عن كثب ملابسات وفاة الاقتصادي أيمن هدهود بعد أكثر من شهرين (63 يوماً) على اختفائه بعد آخر ظهور له في 5 فبراير 2022، وبعد معلومات وردت لأسرته في ما بعد بشكل رسمي وغير رسمي باحتجازه في قسم شرطة الأميرية، ثم مستشفى الصحة النفسية في منطقة العباسية، وحتى إبلاغ أسرته أمس في 9 إبريل بوفاته في مستشفى العباسية، وطلب ذهابهم لاستلام جثمان أيمن منها، وذلك في ظل تضارب واضح في الروايات الرسمية حول سبب القبض عليه ومتابعة النيابة للقضية وعملية دفنه.

وأكد شقيق أيمن، لمصادر صحافية، أنه بعد أيام من اختفاء أيمن ذهب رجال أمن تابعون لقسم مدينة نصر إلى منزل شقيقه، وقالوا إن أيمن في مقر جهاز الأمن الوطني في قسم الأميرية، واصطحبوهم إلى القسم وأخذوا بعض المعلومات منهم عن أيمن، لكن رفضوا تسليمهم إياه، وقالوا إنه سيخرج في غضون أيام. إلا أنه لم يخرج، وبدأت أسرته من جانبها في اللجوء لمعارف وأشخاص لهم علاقات بأجهزة أمنية لمساعدتهم في الوصول إلى معلومات عن أيمن، والذين أخبروهم في 16 فبراير بأن أيمن تم نقله إلى مستشفى الصحة النفسية في منطقة العباسية.

أيمن في سطور

تخرج هدهود في كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية، ثم حصل على ماجستير إدارة الأعمال من الجامعة نفسها، وكان يعمل فيها مراقباً مالياً كما عمل أيضاً ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة لمحاربة الفساد والرشوة، وكان يكتب تحليلات اقتصادية حول الشأن المصري.

وكان هدهود عضوًا بحزب الإصلاح والتنمية السياسي المصري الذي يترأسه محمد أنور السادات، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو الحزب الذي له أعضاء نواب في البرلمان المصري وساهم في الإفراج عن عدد من السياسيين خلال الفترات الماضية.

وترشح الخبير الاقتصادي الراحل عن حزب "الإصلاح والتنمية" في انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) عن دائرة الزيتون في القاهرة عام 2010، غير أنه خسر أمام منافسه على مقعد "الفئات"، الرئيس السابق لديوان رئاسة الجمهورية، زكريا عزمي، في الانتخابات التي شهدت عمليات تزوير واسعة النطاق، ومثلت أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورة 25 يناير2011.

لماذا دُوّن في تصريح الدفن أن صاحب الجثمان مجهول؟

تقول فاطمة سراج المحامية بمؤسسة حرية الرأي والتعبير والمتابعة للقضية، إن عملية إلقاء القبض على أيمن هدهود شابتها أخطاء إجرائية. إذ ألقي القبض عليه دون إذن نيابة. كما لم توجه إليه تهمًا واضحة. ذلك فضلًا عن تعمد إخفائه. ثم حكاية تحويله الغامضة إلى مستشفى الأمراض النفسية. فضلًا عن “عملية التضليل” التي تعرضت لها عائلته. ولماذا دُوّن في تصريح الدفن أن صاحب الجثمان مجهول تقررت لمواراته مدافن الصدقة؟! ذلك رغم أنه دخل مستشفى الأمراض النفسية بهويته المعروفة، كما أشارت الرواية الأمنية.

لماذا أقرت المستشفى بوجوده؟ ولماذا رفضت الإفصاح عن الجهة التي أرسلته؟ ولماذا أنكرت بعد ذلك وجوده؟

أيضًا، كشفت “سراج” أن أيمن توفي في 5 مارس الماضي وتم إيداعه مشرحة المستشفى طيلة هذه المدة الزمنية. ذلك حتى أبلغت الأسرة في مكالمة هاتفية من قسم ثاني مدينة نصر، مساء السبت 9 أبريل، تؤكد وفاته وضرورة التوجه إلى المشرحة لاستلام الجثمان.

وتساءلت سراج: لماذا أقرت المستشفى في بادئ الأمر بوجوده لديها وأنه محتجز بالقسم الخاص بالمحبوسين على ذمم قضايا رافضة الإفصاح عن الجهة التي أرسلته؟ ثم لماذا أنكرت المستشفى بعد ذلك وجوده؟ حيث كانت أسرته تذهب بشكل دوري أسبوعيا للاطمئنان عليه ولم تخبرهم بوفاته.

ووفقا لسراج؛ فإن المستشفى رفض أثناء معاينة الجثمان إعطاء أسرته أي تفاصيل أو معلومات عن وفاته أو تاريخ إيداعه أو وفقًا لأي قضية أو بموجب أي أمر نيابة تم احتجازه. وقد رفضت الأسرة استلام الجثمان وطلبت تشريحه. وهو أمر استجابت له النيابة العامة بقرار التشريح لبيان سبب الوفاة.

هل هناك شبهة جنائية؟ ولماذا تم إخفاء خبر وفاته لمدة تزيد عن شهر؟

وقد شكك حسام بهجت، المدير السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في رواية الداخلية حول القبض على هدهود في واقعة اقتحام شقة بالزمالك. وقال إن سلمنا بصحة الواقعة يظل السؤال قائمًا: لماذا تم إخفائه وهو متهم في قضية عادية؛ اقتحام بغرض السرقة.

وأضاف بهجت - في تصريحات صحافية - أن اتهام هدهود بأنه يعاني اضطرابات نفسية لا يبرر هذه الوفاة الغامضة بعد القبض عليه بأيام. مستغربًا كون شخص لم يتجاوز الخمسين، لم يشتك مرضًا جسديًا، أن يوضع رهن الاحتجاز ثم تعلن وفاته بشكل مفاجئ كما حدث.

وقال إن هناك شبهة جنائية حول أسباب الوفاة حتى لو لم تقدم النيابة أي معلومات أو أدلة عن عملية القبض أو أسباب الوفاة. وإلا لماذا تم إخفاء خبر وفاته لمدة تزيد عن شهر؟

لماذا لم تسأله النيابة وفقًا للدستور بحقه في إبلاغ أسرته أو أحد محاميه؟

أيضًا، ذهب جمال عيد، المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إلى أن هناك عديد من المخالفات شابت عملية القبض واحتجاز أيمن هدهود. وأضاف أن بعض هذه المخالفات منسوب إلى النيابة وبعضها إلى الشرطة. ومنها أن النيابة لو كانت أصدرت قرارًا فعليًا بتحويله إلى مستشفى الصحة النفسية، فلماذا لم تسأله وفقًا للدستور بحقه في إبلاغ أسرته أو أحد محاميه. ذلك لحضور التحقيقات والاطلاع على أقواله.

لماذا كان سيتم دفنه في مقابر الصدقة دون إخطار الأهل؟

أما الداخلية فقد استبقت النيابة، وأعلنت 3 روايات مختلفة حول الواقعة. وهو أمر يشير -وفق عيد- إلى نشر خبر كاذب وتضليل العدالة. وهو ما يدين الداخلية في رأيه. مضيفًا أن منع أسرة أيمن هدهود من تصويره داخل المشرحة يلقي ظلالًا من الشك حول حقيقة وفاته. متسائلًا: لماذا بقي المجني عليه في المستشفي متوفيًا لمدة شهر؟ ولماذا كان سيتم دفنه في مقابر الصدقة دون إخطار الأهل؟

لماذا لم يخطر محاموه لحضور التحقيقات؟ وما أسباب وفاته في المستشفي؟

ويرى عيد تضاربًا في روايات الداخلية حول الواقعة أثناء التحقيق فيها. مضيفًا أن الداخلية نسبت لهدهود 3 وقائع: محاولته كسر واقتحام شقة بمنطقة الزمالك بهدف السرقة – سرقة سيارة في مدينة السنبلاوين – سرقة سيارة بالقاهرة. وهي وقائع يرى عيد في نسبها إلى هدهود عدم معقولية. ويتساءل: إن كانت تلك التهم حقيقية لماذا لم يخطر محاموه لحضور التحقيقات؟ وما أسباب وفاته في المستشفي؟

التحقيقات

وقالت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إنها تطالب النائب العام بضرورة التحقيق حول هذه الواقعة وكشف نتائج التحقيقات للرأي العام بإصدار بيان لإيضاح ملابسات احتجاز ومن ثم وفاة أيمن هدهود. كما دعت المنظمة إلى ضرورة اتخاذ "الإجراءات العقابية اللازمة في حال ثبوت وقوع تجاوز أو تقصير أفضى إلى حبس أو وفاة هدهود".

وقال رئيس المنظمة عصام شيحة إن "الحق في الحياة مصون وفقا لنصوص الدستور والقانون ويعد من أسمى الحقوق التي يجب أن نحافظ عليها"، مؤكدًا على "ضرورة التحقيق حول واقعه وفاة أيمن هدهود وكشف نتائج التحقيقات".