يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول الاستفادة من أخطاء ثورات دول الربيع العربي، وأدرك مبكرا سعي "الكيان الموازي" أو ما يعرف بالدولة العميقة، خاصة بعد تواتر أنباء عن قيام بعض دول الخليج بدعم "الكيان الموازي في تركيا بالمال، والسعي لضرب المحور التركي القطري في المنطقة لصالح المحور السعودي الإماراتي.
 
ظل أردوغان في بداية سني حكمه الاثنتي عشرة يشكو من سطوة ما كان يطلق عليه "الدولة العميقة"، وهي ذلك الكيان الذي كان يضم غلاة العلمانيين والقوميين المتطرفين المناهضين للإسلام السياسي من جيش وشرطة وقضاء وإعلاميين وبيروقراطية.
وتصف الحكومة التركية جماعة "فتح الله غولن" -المقيم في الولايات المتحدة بـ"الكيان الموازي"- و تتهمه بالتغلغل في سلكَي الشرطة والقضاء، والوقوف وراء حملة الاعتقالات التي شهدتها تركيا في 17 ديسمبر 2013، بذريعة مكافحة الفساد، حيث طالت أبناء وزراء ورجال أعمال ومسئولين أتراك، أخلي سبيلهم لاحقا بعد قرار المحكمة المعنية بإسقاط تهم الفساد عنهم. لخوفه من حدوث انقلاب عليه مثلما حدث فى مصر.
 
بالفعل بدأ أردوغان الحرب على رموز "الكيان الموازى"، آخرها أمس الأحد؛ إذ شهدت أنقرة حملة اعتقالات واسعة ضد أنصار جماعة
«الخدمة» التابعة للداعية الإسلامي فتح الله كولن، الذي تتهمهم الحكومة بالتغلغل في أجهزة الدولة، في محاولةٍ لقلب نظام الحكم، وألقت الشرطة التركية القبض على 27 شخصًا من أصل 31 صدر في حقهم قراراعتقال، في مداهمات جرت في 13 محافظة تركية، على خلفية التحقيقات في قضية "الكيان الموازي"، بينهم شرطيون وإعلاميون.
 
وتتواصل التحقيقات في فرع «مكافحة الإرهاب» في إسطنبول." شملت حملة الاعتقالات اعلاميين وصحفيين ، حيث تم اعتقال أكرم دومنلى رئيس تحرير صحيفة «زمان» القريبة من كولن، جاءت تلك الحملة بعد يومين من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "تنفيذ عملية جديدة ضد قوى الشر" 
 
كانت أولى معارك هذه التحركات التي قادها أردوغان والحكومة التركيّة الجديدة باكرًا، مع القضاء التركي ورئيس المحكمة العليا (الذي لعب نظيره المصري دورا في تأييد انقلاب مصر)، لإجهاض نفس الدور الذي لعبه القضاء المصري في مساندة الثورة المضادة ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي ودعمه للانقلاب العسكري، حيث يتهم أردوغان وأغلو القضاء التركي بالولاء لـ"الكيان الموازي"، ويقصد به حركة فتح الله كولان، المعروف بـ (سيسي تركيا) وطالت أيضا رجال شرطة، كما طالت بشكل غير مباشر الجيش الذي احتج على
إبعاده عن الملفات السياسية خصوصا ملف القضية الكردية.
 
وجاءت رسالة أردوغان، كسابقة هي الأولى من نوعها، في ظل تحذير رئيس المحكمة القضائية العليا في تركيا "علي ألكين" -على غرار ما فعل قضاة الانقلاب في مصر- من محاولات التدخّل في القضاء، وفي ظلّ النزاع القائم بين حزب العدالة والتنمية وحركة (الخدمة) بزعامة فتح الله كولان الهارب إلى كاليفورنيا بأمريكا.
 
اعتقال شرطيين
 
وضمن هجوم أردوغان المبكر أيضا على الشرطة جرى اعتقال 12 من الشرطة وإحالتهم للمحاكمة على ذمة التحقيقات المتعلقة بالاشتباه في انتمائهم إلى "الكيان الموازي"، وهؤلاء الـ 12 ضمن مجموعة من 16 رجل شرطة، كانوا قد عرضوا على النيابة للتحقيق معهم في التهم الموجهة إليهم، والتي تضمنت "إساءة استغلال الوظيفة"، و"تزوير مستندات رسمية"، و"محاولة الإطاحة بحكومة الجمهورية التركية بالقوة، أو منعها من أداء مهامها جزئيا، أو كليا"، و"التجسس"، و"انتهاك الخصوصية"، وقررت النيابة إطلاق سراح 3 منهم وإحالة الباقين للمحاكمة.
 
تهميش الجيش
 
أيضا زاد تهميش أردوغان للجيش عن الملفات السياسية غضب العسكريين، حيث حذر رئيس أركان الجيش التركي "نجدت أوزيل" من أن الجيش سيفعل كل ما يلزم إذا لم يتم احترام "خطوطه الحمراء" في محادثات السلام مع المسلحين الأكراد، ما اعتبر تدخلا في السياسة يحتاج إلى لجم أردوغان له.. ويتهم أردوغان شبكة المراكز التعليمية التابعة لغولن التي تمكنت من ترسيخ نفوذ قوي لرجالاتها داخل مؤسسات الشرطة والقضاء والإعلام طيلة عقود، بنسج الخيوط العنكبوتية لقضية الفساد التي أمست تشكل أكبر تحد لحكومة حزب العدالة والتنمية المستمرة منذ اثني عشر عاما .