الولادة والنشأة

أن للمرأة المسلمة دوراً كبيراً في الدعوة والبناء والإصلاح بمشاركتها وإسهاماتها في الأعمال الدعوية والخيرية، فضلا عن دورها الاساسي في تنشئة الاجيال بتربيتها أبنائها الذين هم لبنات المجتمع والأمة .

وتعد الحاجّة "نهال أمجد الزهاوي" ابنة شيخ علماء العراق أمجد بن محمد سعيد الزهاوي أُنموذجاً حياً لتلك المرأة التي أخلصت حياتها للدعوة وخدمة الإسلام فبقيت متبتلة غير متزوجة إلى أن توفيت منصرفة للدعوة إلى الله. فكانت بحق رائدة الحركة النسوية الإسلامية في العراق.

هي نهال بنت الشيخ أمجد بن الإمام محمد سعيد (مفتي بغداد) بن الإمام محمد فيضي الزهاوي ابن الملا أحمد بن حسن بك بن رستم بن خسرو بن الأمير سليمان باشا رئيس سلالة بابان الأسرة البابانية الذي أنشأ مدينة السليمانية والتي سميت باسمه.

ولدت الحاجّة المربية "نهال" في بغداد في كانون الاول (ديسمبر1914م، وكانت البنت الوحيدة لوالدها من بين ثلاثة إخوة ذكور هم يونس، ووحيد، وسعيد.

أصل عائلتها من قرية زهاو في شمال العراق وإليها تنسب . تربت في أحضان العلم فهي ابنة عائلة علمية والدها الشيخ "أمجد الزهاوي" من العلماء والمفتين، ليس في العراق فحسب، وإنما على صعيد العالم الإسلامي؛ إذ كان مرجعاً كبيراً للفقه والمذهب الحنفي لدرجة أنه كان يلقب ب (أبى حنيفة الصغير) لإحاطته بالمذهب، حتى قال قائلهم "لو فُقد المذهب الحنفي، واندثرت كتبه، لأملاه الزهاوي عن ظهر قلب، من أول أبوابه حتى خواتيمها".

جدها هو محمد سعيد الزهاوي الذي كان عالما مفتيا لبغداد .وأبوه كذلك

الدراسة

تقول عن نفسها : (( دخلت روضة الاطفال في الموصل عام 1919 ، ثم المدرسة الابتدائية في بغداد بين عامي 1920 – 1926 وبعدها دار المعلمات في بغداد1927 – 1930 ، ثم درست دراسة خاصة على يد والدي (رحمه الله ) قواعد اللغة العربية والفقه ، كنت أقرأ على يديه وهو يفسر لي كتاب المختار للفتاوى وقسما من كتاب الهداية (ولم اكمله إذ توفي والدي رحمه الله) ، وكتابا آخر في الفقه الحنفي ، وكان والدي رحمه الله هو الذي طلب مني تعلم الفقه وأن يمنحني الإجازة العلمية وقد نلتها فعلا عن دراستي لكتاب ( أوضح المسالك لألفية ابن مالك) . تأثرت بوالدي الشيخ أمجد الزهاوي (رحمه الله) ، لعلمه وسعة اطلاعه كما أنه كان يودني كثيرا . وكان علمه الغزير أهم صفة أثرت فيَّ وكان رحيما جدا بالناس)).

النشاط الدعوي

بدأت دعوة الإخوان المسلمين تنتشر وتعمل في العراق فأسس الشيخ محمد محمود الصواف عام 1949 جمعية الأخوة الاسلامية (الإخوان المسلمين) فكان مراقبا عاما لها وأصبح الشيخ أمجد الزهاوي رئيسا للجمعية .

اهتم الإخوان منذ تأسيس جمعيتهم بفتح قسم خاص بالأخوات لمعالجة مشاكل المرأة وإدارة شؤونها والعمل على توعيتها فكان فرعا للجمعية ، وقد بدأ نشاط الفرع منذ عام 1951.

وضم الفرع العديد من الاخوات .منهن نجيبة خضر وزهرة خضر وخيرية الزهاوي وزينب البدري وبهيرة الخوجة وجهينة البكري وصفية الاطرقجي ، وآمنة محمد علي وآمنة شيخ العرب.

وأجريت انتخابات للهيئة الإدارية للفرع النسائي لجمعية الأخوة الاسلامية فانتخبت نهال الزهاوي رئيسة له ، وعدوية الشواف نائبة ، ونظيرة علي صائب (أمينة للسر) ، فاطمة الباججي (أمينة للصندوق) ونظيرة الخوجة (محاسبة).

ابتدأت الاخوات المسلمات نشاطهن يوم لم يكن مقر يجمعهن فاتخذن من بيوتهن ومن بيت نهال الزهاوي خاصة مراكز تعليمية يوم الخميس من كل أسبوع وكانت تقودهن الحاجة نهال الزهاوي التي نشطت في مجال الدعوة والإرشاد ونشر العلم فكانت أول أسرة منتظمة لها في دار والدها الشيخ أمجد الزهاوي بالأعظمية يوم الاثنين من كل اسبوع وكانت هذه اللقاءات تتناول القرآن الكريم والفقه وبعض العلوم الشرعية ونشر الثقافة الاسلامية الصافية وتوجيه الفتيات التوجيه الاسلامي المشبع بالمثل الروحية الكريمة .

وقد اتخذن من ثانوية الأعظمية للبنات مقرا لاجتماعاتهن واحتفالاتهن بالمناسبات الإسلامية ذلك أن معظم الكادر التعليمي في المدرسة متأثرات بفكر الإخوان المسلمين لاطلاعهن عليه عندما كان الشيخ الصواف يلقي دروس الدين على طالبات ثانوية الأعظمية ودار المعلمات عام 1947 فأحدث إقبالا على أفكاره ومحاضراته.

ساهم الفرع النسائي بزيادة الوعي الإسلامي في أوساط الفتيات من خلال دروسه وأنشطته ومن خلال ما كانت تكتبه الأخوات في مجلة الأخوة الاسلامية من مقالات أبرزهن رئيسة الفرع النسائي نهال الزهاوي في 23 مقالا أهمها (نكبة الامم الاسلامية اتت عن طريق مفكريها وقادة الرأي) وغيرها.

ازداد عدد المنتميات إلى الفرع النسائي لجمعية الأخوة الإسلامية واتسع نشاطها فاحتجن إلى مقر ينطلقن منه بالعمل فكان التفكير في تأسيس (جمعية) تضم نشاط الأخوات، ويكون لها مقرا مستقلا فكان تأسيس (جمعية الأخت المسلمة)لذلك دعت الأخت نهال الزهاوي إلى اكتتاب عام جمعن فيه مبلغا من تبرعات المحسنين منالإخوان داخل وخارج العراق استطعن به إنشاء مقر للأخوات المسلمات في منطقة الكسرة بداية شارع المغرب مقابل قاعة الرباط. وبعد اكتمال البناية تمكنَّ من الحصول على إجازة رسمية للعمل باسم (جمعية الأخت المسلمة) بنفس الهيئة الإدارية السابقة .

واستمر عمل الأخوات الدعوي والاجتماعي واستطعن من بعد من افتتاح روضة للأطفال ومدرسة ابتدائية ومعهد لتحفيظ القرآن الكريم وجمعيات تعاونية تتبع جمعية الأخت المسلمة.

في وقت تصاعدت فيه الصيحات الإلحادية و الشعوبية والدعوة إلى التغريب، فكانت هذه المدارس بحق المحضن لغرس تعاليم الإسلام وأخلاقه، فتخرّجت منه الكثير من النساء والبنات العراقيات الملتزمات اللائي حملن على عاتقهن نشر الدعوة ومبادئ الإسلام في المجتمع العراقي فيما بعد فكانت لهن بصماتهن على الساحة العراقية والإسلامية

لم يقتصر عمل الجمعية على العمل الدعوي بل تعداه إلى العمل السياسي ومن أمثلة ذلك ما وجهته الأخوات إلى عبد الناصر حينما أصدر أحكام الإعدام بحق 6 من قادة الاخوان بمصر عام 1954 بعد حادثة منشية البكري فقد طالبنه بإيقاف هذه الأحكام برسالة وجهنها إليه في يوم الاثنين 6/12/1954 في ما يلي نصها :

سيادة الرئيس جمال عبدالناصر

جريدة اخبار اليوم – القاهرة

قرار حكم الموت بحق قادة الاخوان المسلمين هز شعور المسلمين قاطبة ، وآذى القلوب المؤمنة. المرأة المسلمة في العراق تناشدكم اللهَ أن تضعوا الله أمامكم قبل تنفيذ الحكم في الأبرياء. نرجوا العدل والرأفة.

والسلام على من اتبع الهدى.

تواقيع: بهيرة الخوجة ، صفية الاطرقجي ، نهال الزهاوي

استمرت جمعية الاخت المسلمة في عملها الدائب طوال سنين عديدة لتقوم بقسط المرأة في المساهمة برفع مستوى الأمة وبث روح الفضيلة والخلق السامي للقضاء على أدران الرذائل التي حاول الاستعمار وعملاؤه غرسها في النفوس فكانت هذه الجمعية شوكة في عيون أعداء الإسلام.

على أن هذه المسيرة المباركة لم تكن لتخلو من الصعوبات والفتن واجهتها الحاجة نهال الزهاوي بكل صبر وثبات. ففي بداية الستينات حين سيطر الشعوبيون على مقدرات البلد ولتضييقهم على العمل والدعوة الإسلامية اضطرت الحاجة نهال إلى الهجرة مع والدها الشيخ أمجد الزهاوي إلى السعودية حيث بقت هناك لمدة سنة ثم عادت بعد ذلك مع والدها لمواصلة المسيرة.

نشاط على رغم مضايقات النظام السابق

واستمر التضييق على النشاط الدعوي في العراق حيث صدر قرار بعد 1968 بتأميم المدارس الإسلامية الخاصة ومنها مدارس التربية الإسلامية ومدارس الأخت المسلمة وصادر النظام العراقي وقتئذ ابنيتها بدون أي مقابل،

وذلك بعد عام 1968م، بنايتها التي تم بناؤها من التبرعات، ما كان له وقعه الكبير على الحاجّة "نهال"؛ لما بذلته وأخواتها من جهود كبيرة لجمع هذه التبرعات لبناء تلك المدارس. غير أن هذا لم يفتّ من عضدها؛ بل إنها صبرت واحتسبت ذلك عند الله تعالى ولم تتوقف عن أداء رسالتها التربوية والدعوية فركزت الحاجّة بعد ذلك جهودها على الجمعية واستمرت دروسها يومي الاثنين والخميس وكذلك حلقات القرآن الكريم رغم التضييق والظروف الصعبة في ظل ملاحقة ومتابعة الأجهزة الأمنية ومنعها أي نشاط إسلامي دعوي، ومع ذلك فقد توسعت أعمال الجمعية ونشاطاتها في التسعينات من القرن الماضي حتى بلغ عدد الطالبات في حلقات القرآن الكريم أكثر من خمسمائة شابة و أمرأة.

وقد كان للحاجة نهال دورها الرائد في القلم النسوي الدعوي فقد كانت ذات قلم سيال وأسلوب أدبي رفيع حيث لديها العديد من المقالات الاسلامية التي نشرت في مجلة التربية الأسلامية في الستينات والسبعينيات والثمانينيات.

لقد كانت الحاجة نهال حريصة على الحضور إلى الجمعية حتى بعد إلغاء درسها يوم الخميس وذلك بعد أن تقدم بها السن وأثقلتها الشيخوخة فلم تترك الجمعية إلا قبل سنتين من وفاتها بعد أن تقدم بها العمر وأثقلتها الشيخوخة.

نهال الزهاوي والإفتاء

كغيرهن من المسلمات كانت العراقيات في رغبة لمعرفة أمور الدين فيما يخص قضايا النساء، ولأن "نهال الزهاوي" هي ابنة قاضي ومفتي العراق، فكنّ يلجأن إليها لأخذ الفتوى الشرعية، حيث كانت تنقل الفتوى والرد عليها بعد الرجوع إلى والدها.

أما بعد موت الشيخ الزهاوي فكان النساء يأخذن الفتوى من نهال الزهاوي فهي من واصلت دراستها حتى تخرجت في دار المعلمات ببغداد كما تلقت العلوم الفقهية والشرعية على يد والدها الذي أجازها في الفقه بإجازة مكتوبة على بعض كتب الفقه الحنفي، ما جعلها أول فقيهة في العراق في الزمن المعاصر.

الأخت المسلمة بعد الاحتلال

نجحت "جمعية الأخت المسلمة" برغم المضايقات التي مارسها النظام السابق في استمرار دورها الدعوي، كما أنها وبعد الاحتلال الأمريكي الذي وقع على العراقنشطت من جديد بدافع الحرص والنهوض بواقع المرأة المسلمة في العراق؛ ونتيجة للكوارث التي حلت به، وهو الأمر الذي دفع أيضا إلى تأسيس الكثير من الجمعيات النسوية والإغاثية الأخرى، والتي هي في الأصل براعم من الشجرة الأم (جمعية الأخت المسلمة)

وهو ما أكدته المربية الفاضلة السيدة عدويه الشوّاف (من زميلات نهال الزهاوي) حيث قالت "إن أغلب جمعيات الأخوات التي تم تأسيسها عيال على جمعية الأخت المسلمة، وإن أغلب الأخوات المؤسسات للجمعيات بعد الاحتلال هن من تلميذات الحاجة نهال ومن أخوات جمعيتها. وهو ما لم تنسَه الأخوات، فكان أقل شيء يقدمنه لها أن قمن بإطلاق اسمها على أكبر قاعة في الجمعية".

غير أنه وبحكم التقدم في العمر توقفت الحاجة نهال عن الاستمرار في نشاط الجمعية، ولزمت بيتها إلى أن وافتها المنية وانتقلت إلى جوار ربها في ساعة مبكرة من صباح يوم الخميس الثامن من محرم الحرام الموافق 17/2/2005م، بعد عمر مديد قضته في الدعوة والإرشاد والبر والتقوى.

كلاب وقطط للحراسة

ولعل من الأمور الغريبة التي روتها السيدة أزهار السامرائي (أحد أعضاء جمعية الأخت المسلمة) أنه في الفترة الأخيرة من حياة "نهال الزهاوي" والتي عاشتها وحيدة في بيتها الكبير بمنطقة "الصليخ" القريبة من "الأعظمية"؛ لأنها لم تتزوج فضلاً عن هجرة أولاد أخيها من العراق بسبب أوضاعه، كان يوجد معها في البيت كلاب وقطط لم يأت بها أحد تقوم بحماية وأنس الحاجّة "نهال"، في حين كان يتردد عليها رفيقات دربها وتلميذاتها من نساء الجمعية، وكانت الكلاب والقطط تسمح لهؤلاء الأخوات فقط بالدخول فيما تمنع أي شخص غيرهن.

مضيفة أنه مما يثير الدهشة أيضا أنه بوفاة الحاجّة "نهال" اختفت تلك الكلاب والقطط، ولم يعرف لها أثر.

وقد أقيم للحاجّة "نهال الزهاوي" بعد وفاتها حفلاً تأبينياً في مقر جمعية "الأخت المسلمة" تناولت فيه الأخوات السيرة العطرة والحياة الجهادية الحافلة بالمواقف للحاجّة "نهال"، والتي عبرت عن صدق العقيدة والتفاني من أجل الدعوة إلى الله عز وجل، فيما قدمت "إذاعة دار السلام" حلقات عن حياتها الحافلة، وخصصت "قناة بغداد الفضائية" حلقة خاصة في برنامج من القلب عن حياتها؛ لما كان لها من بصمات على الواقع الدعوي في العراق، وعلى العالم الإسلامي.

لقد تركت الحاجّة "نهال الزهاوي" إرثاً وصدقة جارية، من خلال العلم والفقه الذي زرعته في نفوس بنات جمعية الأخت المسلمة، فرحمها الله، وأسكنها فسيح جناته، وأمد تلميذاتها في العراق مدداً من عنده لمواصلة المشوار في الدعوة.

آراؤها:

عمل المرأة الوظيفي: (( يجب أن يكون عملها لائقا بطبيعتها ، ويجب أن لا يكون في اختلاط وفي هذه الحالة لا مانع شرعي لدي كأن تعمل معلمة أو طبيبة أو ممرضة أو ماشابه ذلك))

المرأة والدعوة: (( يجب أن تجعل حياتها كلها لله ، ولنا في الداعيات المصريات أسوة حسنة فهن أكثر نشاطاً، وأن يكون هناك العلم قبل العمل ، العلم الشرعي – الحلال والحرام – كأن تنتمي الى جمعية الاخت المسلمة حتى تتعلم هذه الامور.))

واجب المرأة في التربية: (( تربية الاولاد وتعليمهم واجب مشترك على الرجل والمرأة ، المرأة تتولاهم بالتوجيه والتعليم إلى حد معين وبعدها يكون واجب الرجل في التربية والانفاق))

الدعوة: إن الدعوة متصلة بالحياة ، ومن واجب كل مسلم أن يدعو إلى الله تعالى وأن يكون مخلصا في دعوته وأن يفند مزاعم الأعداء ويصحح أباطيلهم القائلة بأن شريعتنا لا تصلح لكل زمان ومكان.

كيف يجب أن تكون المرأة المسلمة: أرجو من المرأة المسلمة أن تبرز شخصيتها الإسلامية وتشترك بالندوات الإسلامية والفكرية وتبرز أفكارها العلمية المواكبة للشرع الشريف وتخلع عنها لباس الميوعة والتبرج واتباع خطى الشيطان المتمثلة بخطى الغرب وتعلو عن الشخصية التافهة ، وأحثها على أن تزين عقلها باتباع الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وذكر الله كثيرا.

المصادر

•كتاب جمعية الاخوة الاسلامية (19491954) دراسة عن نشأة حركة الاخوان المسلمين في العراق - ايمان عبد الحميد الدباغ.

•الحـاجة نـهال أمجـد الزهـاوي رائدة الحركة النسوية الاسلامية في العراق بقلم: د.أكرم المشهداني.- موقع الاعظمية الاول

•"نهال الزهاوي".. فقيهة العراق الأولى ، إسراء علي/ مجلة المجتمع.

•مجلة الفتوى (العراقية) لقاء مع المربية نهال الزهاوي العدد 95 – شباط (فبراير)- 2001

--السامرائي 15:24، 1 مايو 2010 (ت‌ع‌م)

 

المصدر : إخوان ويكي