"مهند حلبي" اسم لن ينمحي من الذاكرة الفلسطينية في قادم الأيام، وربما يتحول إلى أيقونة المقاومة الباسلة في أرض الرباط بعدما رفض هذا الشاب الذي لم يكمل عامه العشرين الهوان أمام انتهاكات الاحتلال الصهيوني لحرمة المسجد الأقصى والاعتداء الوحشي على المقدسيات، وأبى أن ينتظر نتائج سلبية محمود عباس أبو مازن وخطاباته الناعمة المتغزلة في حكومة الصهاينة، وقرر أن ينتفض دفاعا عن الأرض والعرض ليزلزل أركان الكيان العبري ويلحق بلائحة الشهداء من الباب الواسع.

الشهيد مهند شفيق حلبي، طالب الحقوق بجامعة القدس، حمل على كاهله آلام بلاده وحاصرته انتهاكات الصهاينة اليومية في باحات المسجد الأقصى، فقرر أن يترك ساحة التواصل الاجتماعي التي طالما نفث فيها غضبات الوهن السياسي للسلطة الفلسطينية والانبطاح المخزي للحكومات العربية، وينتقل من رام الله إلى القدس ليلبي نداءات المرابطين، وينفذ بجسارة عملية فدائية نوعية بعد 48 ساعة فقط من عملية مماثلة في نابلس، لتصل مؤشرات الرعب داخل الكيان الصهيوني إلى أعلى معدلاتها.

ولم تتردد شرطة الاحتلال في الاعتراف بجرأة عملية "حلبي" التي أسفرت عن مقتل مستوطنين وإصابة ثلاثة آخرين، بعدما تمكن المقاوم الفلسطيني من الهجوم على مستوطن طعنًا في باب الأسباط ببلدة القدس القديمة، واستولى على سلاحه ليطلق النار عشوائيًا في كافة الاتجاهات، ما أدى لإصابة أربعة آخرين، قبل أن تستقر الحصيلة على قتيلين وثلاثة مصابين بجروح متفاوتة.

الانتفاضة الثالثة

والمتأمل في حساب "حلبي" على نافذته الشخصية إلى العالم الافتراضي "فيس بوك"، يدرك أن العملية لم تكن وليدة انفعال لحظي أو غضبة متسارعة أو انتفاضة متهورة، وإنما نابعة من إيمان عميق بالحق في المقاومة وأن ما تشهده اليوم باحات الأقصى وساحات المدينة المقدسة إنما هي انتفاضة ثالثة لا تبقي ولا تذر.

"حسب ما أرى فإن الانتفاضة الثالثة قد انطلقت، ما يجري للأقصى هو ما يجري لمقدساتنا ومسرى نبينا.. وما يجري لنساء الأقصى هو ما يجري لأمهاتنا وأخواتنا، فلا أظن أننا شعب يرضى بالذل.. الشعب سينتفض"، هو البيان الذي حمله بين ضلوعه قبل أن ينطلق إلى القدس ليرد على جرائم الاحتلال وتدنيس الحرم القدسي.

وبرهن مهند على أنه ينتمي إلى جيل مقاوم لا يرضي بالهوان، حيث حملت صفحته على "فيس بوك" زفة لصديقه الشهيد ضياء التلاحمة الذي ارتقى في حملة عسكرية إسرائيلية في قرية خرسا جنوب مدينة الخليل، ليخرج الشهيد مهند راثيًا صديقه المقرب في عرسه إلى الجنة، قائلاً: "ما لفت انتباهي اليوم وأثر في نفسي وقلبي في عرس الشهيد ضياء هو بكاء أغلب الحضور رجالاً قبل النساء، وتبسّم والد ووالدة الشهيد، وأيضًا الشيء الآخر الذي لفت انتباهي هو عدد الحضور من النساء الذي فاق عدد الرجال.. قمتم بواجبكم على أكمل وجه أحيّيكم على وطنيتكم وانتمائكم وإخلاصكم وجهودكم".

وشدد الشهيد بمزيد من الفخر على ثقته في قدرة هذا الجيل على تحقيق النصر المنشود، معقبا على عُرس التلاحمة: "بعد ما رأيت اليوم اطمأننت وأيقنت بأن هذه الجامعة ستخرّج جيلا يحتذي به وستخرج جيلا بناء، جيلا ينتمي للوطن، جيلا يصنع نصره بيده".

صفعة "أبو مازن"

ورغم جرعة الشجاعة التي طفح بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل أيام بعد سنوات من التنسيق الأمني واستجداء سلام بطعم الخيبة والتذلل والقيام بدور شرطي الاحتلال في الضفة، إلا أن مهند لم يبلع شجاعة أبو مازن المصطنعة وانسحابه المسرحي من اتفاقية أوسلو، ليرد بغيرة المقاوم: "كلمة جميلة أيها الرئيس، لكن عذرًا نحن لا نعرف قدسا شرقية وغربية، فقط نعرف أن لنا قدس واحدة غير مقسمة وكل بقعة فيها مقدسة، وعذرًا يا رئيس فما يحدث لنساء الأقصى والأقصى لن توقفه الطرق السلمية فما تربينا على الذل، والدفاع عن حرمة الأقصى ونسائه هو شرفنا وعرضنا، والدفاع عنه بأي شكل أو وسيلة يعتبر قانونيا، أشكر جهودك حضرة الرئيس".

واستوعبت صفحته على "فيس بوك" غضب مهند المتنامي جراء مضي الاحتلال قُدما في تنفيذ مخططاته المعلنة في المدينة المقدسة في مقابلة تواطؤ عربي، وعلق على اعتداء جنود الصهاينة على المرابطات في الأقصى: "يا لله على حال قد وصلنا له، لقد خرج العقل عن حدود المنطق، غضب وغضب وغضب، فيقوا من سباتكم، انصروا الأقصى وأحراره، فلتشتعل الثورة".

الطفلة "فلسطين"

ولخص الشهيد مهند مأساة فلسطين في حدوتة قصيرة تركها للأجيال القادمة لتعبر من خلالها إلى المقاومة، حيث كتب عبر صفحته: «إلى متى هذا الذل والعار إلى متى؟ هل نبقى صامتون هل نبقى مذلولين هل يوجد مجال للطرق السلمية؟.. القانون نعم يوجد فيه مجال، في القانون من يشهر السلاح في وجهك يكون لديك كامل الحق في الدفاع عن نفسك بأي وسيلة فالمقاومة هي ضمن حدود وإطار القانون وهي مشروعة".

وتابع: "سأروي لكم قصة صغيرة.. كان هناك طفلة صغيرة فيها جميع الصفات الجميلة علماً بأن هذه الطفلة يتيمة، وكان لديها الكثير من الإخوة ومعظمهم أكبر منها، وهذه الطفلة كانت الأكثر مرحاً بين أخوتها الآخرين والأكثر جمالاً وكرامة، ركزوا والأكثر كرامة.. شعرها الأسود، وعيونها الخضراء، وقلبها الأبيض، وشفتاها الحمراء".

وأردف: "في يومٍ من الأيام رأى هذه الطفلة شخص شرير ليقرر أن يستولي على هذه الطفلة علمًا بأن هذا الشخص لم يكن لديه أطفال ولا يعرف كيف يعامل الأطفال ومعروف بأنه شرير، ومن المعروف أيضًا أن إخوة الطفلة كانوا شجعانًا يتمتعون بالقوة، فقرر الشرير أن يعمل على تقوية نفوذه ليتمكن من الاستيلاء على هذه الطفلة، لكن هذا الشرير لم يكن يعلم بأن إخوة الطفلة لا يتمتعون بالشجاعة التي تتمتع بها الطفلة، فقام الشرير بالتقرب من الأشرار الآخرين الذين يمتلكون القوةـ حتى قرر أن يستولي على الطفلة وتصبح تحت سيادته، لكنها كانت عصية عليه إلى أن قام أخوتها ببيعها لهذا الشرير والتآمر والتخاذل على هذه الطفلة الصغيرة، التي برغم صغر حجمها إلا أنها كانت تتمتع بالقوة".

واستطرد: "كان إخوتها يعلمون بأن الطفلة الصغيرة (فلسطين) ستعامل بأكثر المعاملات إساءة وحقارة إلا أنهم باعوا ضمائرهم، ومرت الأيام والسنين على فرض هيمنة الشرير(إسرائيل) على هذه الطفلة وكان الشرير يوميًا.. بل طوال الوقت، يقوم بمحاولة اغتصاب هذه الطفلة، بل وأحيانا قيام أخوة الطفلة بمساعدة الشرير ليتمكن من اغتصابها، ولكن هيهات هيهات فهي لم تأبه له يومًا، وبقيت ولا زالت وستزال تقاوم، ولم ولن يتمكن من اغتصابها فلها من الكرامة والعزة والشرف التي فقدها أخوتها

ومع أن هذا الشرير يقوم بتجويعها وسلب حقوقها وسجنها وحرقها، إلا أنه لم يتمكن من اغتصابها وستبقى هذه الطفلة تقاوم حتى تنال حريتها".

واختتم الشهيد: "‏ملاحظة.. هذه القصة من كتاباتي، لكنها حقيقية وتحاكي القليل من واقع فلسطين، أعرف أن القصة فيها الكثير من الأخطاء النحوية لكن المهم أن تصل الفكرة والهدف، لكن هل عرفتم ماذا يعني شعرها الأسود وعيناها الخضراوتان وقلبها الأبيض وشفتاها الحمراوتان؟ ولماذا قلت أخوتها ولم أذكر أنها اختهم؟ ولماذا وصفتها وحدها باليتيمة ولم أصف إخوتها الآخرين بالأيتام؟ ومن هم إخوتها؟".

زفة شهيد

وما إن انتشر خبر استشهاد الشهيد مهند حلبي حتى تحول حائط حسابه على "فيس بوك إلى ساحة عزاء من المهنئين له الشهادة والمباعين على استمرار المقاومة والمنتشين بالعملية البطولة التي أرعبت الصهاينة.

وقام نشطاء التواصل الاجتماعي بمشاركة منشور "مهند" الأخير عبر حساباتهم الشخصية، لتصل أرقام التفاعل معه خلال فترة قصيرة إلى أكثر من ثمانية آلاف إعجاب وما يزيد على ألف وخمسمائة مشاركة، وقرابة 3 آلاف تعليق، في محاولة منهم لإيصال رسالته وتعريف من حولهم بأحد المناضلين في سبيل فلسطين والقضية الفلسطينية.

المصدر : الحرية والعدالة