"مصر تقترب بشكل خطير من الإفلاس، فالاحتياجات المادية وإرث السياسات الاقتصادية المهترئة وعدم الشفافية في الماضي، واستمرار ذلك في الحاضر، والتحديات السياسية للإصلاحات الاقتصادية واحتمال حدوث صدمات اقتصادية خارجية يجعل حدوث أزمة إفلاس مرجحا".

لم يكن هذا رأيًا لخبراء اقتصاديين متشائمين، بل مقدمة لتقريرصدر من الكونجرس الأمريكي يرصد الأوضاع الاقتصادية الحالية والمشكلات التي "تتعلق بالسياسات الاقتصادية غير الرشيدة والمتضاربة التي تتبعها نظام السيسي.

التقرير أعده خبراء من لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس وهيئة مستشاري البيت الأبيض، صدر في 18 يناير الماضي تحت بند "سري للغاية".

وأكّد  التقرير أن"عدم الاستقرار السياسي رغم إجراء انتخابات الرئاسة والبرلمان، مع وجود خليط من السياسات الاقتصادية المهترئة، ينذر باستمرار التدهور الاقتصادي، وقد يخلق هذا دوائر لا تنتهي من عدم الاستقرار السياسي والعنف والتدهور الاقتصادي بما يزيد النكبة الاقتصادية".
 
وحول أسباب تراجع الدعم المالي من الدول الصديقة لمصر، أوضح التقرير أن النفقات الحكومية لا تولد إيرادات كافية واكتشاف الجهات المانحة والداعمة لمصر أنّ استقبال المزيد من المساعدات "مجرد أقنعة لمواراة مشكلات تتعلق بالسياسات غير الرشيدة والمتضاربة" وأنّ تمويل النفقات الجديدة من منح خليجية هو مجرد نقل المشكلات المالية إلى المستقبل القريب.
 
وشدد التقريرعلى أنه "يجب على الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج العربي، وأوروبا وآسيا  الاستعداد لتلك النتيجة، والاهتمام الزائد بهذه القضية بين صناع القرار والتخطيط لمنع أو تخفيف الآثار المترتبة على إفلاس مصر يتمحور بشكل أساسي في ضخ مساعدات إضافية.
 
وأشار التقرير إلى أن المساعدات الخارجية لن تحل المشكلة، لكنها على الأقل ستمنح صناع السياسات في مصر متنفسًا وفرصة لتنفيذ الإصلاحات السياسية.

وتشير البيانات الواردة في التقرير ، إلى أن "الاحتياطي الحقيقي للعملة الأجنبية بات أقل من نصف ما كان عليه قبل انتفاضة يناير 2011 بما يهدد قدرة مصر على الدفع من أجل جلب الغذاء والوقود".

كما أوضح أن "عجز الموازنة المصرية يبلغ 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن الدين الكلي الناجم عن تراكم العجز، بات يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

وركز التقرير على أنه "في ظل هذا المناخ الاقتصادي الصعب، وبعد انخفاض الجنيه المصري بما يعادل 48% من قيمته في 3 نوفمبر 2016، بات نحو 65% من المصريين يعيشون على أقل من دولارين يوميا، وأصبح معدل التضخم -الذي كان يناهز 14% بعد يوليو 2013- الآن نسبته 25.86%".  العام المالي 2015/2016.
 
أما الدين الخارجي فقد بلغ 60 مليار دولار  بما يعادل 16.3 % من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الربع الأول من العام المالي الجاري مقابل 46 مليار دولار  بما يعادل 13.2 % من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية نفس الفترة المقابلة من العام المالي 2015/2016.
 
وفقا لذلك، فإن الدين العام المصري ( المحلي والخارجي) يساوي 103% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد المقدر بنحو 3.2 تريليون جنيه خلال العام المالي الجاري. وتشير الأرقام إلى تحول الاقتراض الحكومي المحلي إلى آفة مستمرة، تستخدمه الحكومة لسداد ديونها السابقة، والمعرفة باسم الدائرة الجنهمية الخبيثة، وبالتالي لا ينعكس ذلك في زيادة الطلب الكلي بخلاف ما يرى عدد من الاقتصاديين.
 
وورد في التقرير أن عدم قدرة الدولة على دفع ديونها كليا أو جزئيا أي أنها تدفع الديون اللازمة لتشغيل الدولة ولا تدفع فوائد الديون مثلا وتحدث في نهاية سنوات طويلة من الاستدانة والعجز في الميزانية، ويرجع ذلك إلى تعاظم الديون أو انخفاض الضرائب بسبب البطالة أو قوانين جديدة تخيف الأسواق المالية فتنسحب رؤوس الأموال من البلد.

وكشف التقرير الأمريكي أسرار تراجع الدعم المالي الخليجي وبعض الدول المانحة لمصر؛ جراء  مشكلات "تتعلق بالسياسات الاقتصادية غير الرشيدة والمتضاربة" التي يتبعها نظام السيسي.
 
وأرجع التقرير (الذي صدر بدرجة "سري جدا") التراجع في الدعم المالي إلى "استمرار سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد وصرف 29.67% من الموازنة على النفقات الحكومية، وتوجيه 1.5 مليار دولار شهريًا لدعم الغذاء والوقود".

وشدد التقرير على أهمية أن يتولى النظام "إحباط النتيجة المؤدية للإفلاس، لأن حقيقة الأمر أن المصريين لم يفعلوا إلا القليل في ذلك الاتجاه، لذلك فإن حدوث أزمة إفلاس أمر يمكن تصديقه تماما".
 
وتعليقا على الموضوع، قال أحمد خزيم، الخبير  الاقتصادي، "علميًا واقتصاديًا احنا دولة مفلسة، والدليل على ذلك أن كل الاحتياطي المصري عبارة عن ودائع للسعودية والإمارات والقروض"، مضيفًا: "الدولة بتقترض بطريقة غير طبيعية".
 
وأوضح خزيم في حوار صحفي ، أن الإفلاس هو أن يكون حجم الناتج القومي أقل من حجم الإنفاق العام، وهذا ما يحدث في مصر الآن، وبالتالي مصر دخلت "الدائرة الجهنمية" أي عجز في الموازنة، وسيترتب على ذلك، اقتراض يرفع من حجم الأعباء المالية، ويؤدي للتضخم ثم يؤدي إلى بطالة وارتفاع أسعار وهكذا.
 
وأضاف: "مصر تعرضت في 2016 لأكبر معدل انهيار في العملة منذ انشائها، تجاوز الـ 50 و 60 %"، مبينًا أن قرار تعويم الجنيه أفقد جزءا من قوته وقيمته الشرائية، مطالبًا بضرورة البدء في إجراءات حمائية، قبل الدخول في نفق مظلم لن نخرج منه، وتابع: "ما يحدث الآن مؤشرا بأن مصر تجاوزت حدود الأمان كدولة".
 
وأشار إلى أن قرض صندوق النقد الدولي، هو أحد أسباب إفلاس مصر، كما حدث في اليونان، فالصندوق من حقه أن يدير ميزانيتك لضمان أمواله، وإذا لم تتخذ اجراءات سريعة سيُعلن البنك افلاسك، أو ستضطر لبيع قرارك السياسي لبعض التحالفات الدولية.