تواصل أسعار السلع الغذائية الأساسية تحطيم أرقامها القياسية، فيما تكتفي الحكومة بمراقبة المشهد دون تدخل حقيقي.
كشف حسين أبوصدام، نقيب عام الفلاحين، أسباب الارتفاع الجنوني في أسعار الطماطم وسلع أخرى، مشيرًا إلى انتهاء العروة الشتوية للمحاصيل، وزيادة الطلب مع الاحتفالات بأعياد الميلاد والاقتراب من شهر رمضان، وسط تراجع المعروض وارتفاع تكاليف الإنتاج.
لكن هذه الأسباب ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة طبيعية لفشل حكومي ممنهج في التخطيط الزراعي وإدارة المخزون الاستراتيجي وضبط الأسواق.
المواطن البسيط يدفع الثمن من جيبه الخاوي، والحكومة تتحدث عن "آليات العرض والطلب" وكأن السوق المصري سوق حر لا تتدخل فيه احتكارات التجار والوسطاء.
بينما ترتفع أسعار الطماطم والخضروات بشكل جنوني، تعلن وزارة الزراعة عن "استكمال صرف الحصة السمادية" و"حوكمة المنظومة"، في إجراءات شكلية متأخرة لا تحل المشكلة من جذورها.
الأزمة ليست في نقص الأسمدة فقط، بل في غياب رؤية شاملة لحماية المزارع والمستهلك معًا، وفي تخلي الدولة عن دورها الرقابي والتنظيمي.
فشل التخطيط: عروات منتهية ومخزون استراتيجي غائب
أوضح نقيب الفلاحين أن ارتفاع أسعار الطماطم يأتي نتيجة انتهاء العروة الشتوية للمحاصيل، وعدم بدء العروة الصيفية بعد، ما خلق فجوة في المعروض.
هذه الفجوة تتكرر كل عام، وكأن الحكومة تفاجأ بها في كل موسم.
أين التخطيط الزراعي؟ أين المخزون الاستراتيجي؟ أين الصوبات الزراعية التي أنفقت عليها المليارات؟
كل هذه الأسئلة تبقى بلا إجابة، فيما يضطر المواطن لدفع أسعار خيالية لكيلو الطماطم.
الحكومة التي تدعي "الإنجازات الزراعية" و"الاكتفاء الذاتي" تفشل في ضمان توفير محصول أساسي مثل الطماطم على مدار العام.
المزارعون يشكون من ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب زيادة أسعار الأسمدة والمبيدات والوقود والعمالة، والحكومة تكتفي بتوزيع "حصص سمادية" لا تكفي ولا تصل في الوقت المناسب.
النتيجة: انخفاض الإنتاج، وارتفاع الأسعار، ومعاناة مزدوجة للفلاح والمستهلك.
توقع نقيب الفلاحين استمرار ارتفاع أسعار الطماطم بسبب زيادة الطلب مع اقتراب شهر رمضان، وهذا يعني أن الأسوأ لم يأتِ بعد.
المواطن الذي ينوء تحت وطأة الأسعار الجنونية سيواجه موجة جديدة من الارتفاعات خلال أسابيع، دون أي أفق لحل حقيقي من الحكومة.
آليات السوق الوهمية: احتكار التجار وغياب الرقابة
يتحدث نقيب الفلاحين عن أن أسعار السلع تحدد وفق "آليات العرض والطلب"، لكن هذه الآلية لا تعمل في سوق محتكر يسيطر عليه تجار الجملة والوسطاء.
الفلاح يبيع محصوله بأسعار زهيدة، والمستهلك يشتري بأسعار خيالية، والفارق يذهب لجيوب الوسطاء والمحتكرين.
أين دور الحكومة في ضبط السوق؟ أين جهاز حماية المستهلك؟ أين التموين والتجارة الداخلية؟
الحكومة تركت السوق نهبًا للمحتكرين، وتكتفي بتصريحات مطمئنة لا تغير شيئًا على الأرض.
منافذ بيع الخضروات والفاكهة بأسعار مخفضة تفتح لساعات قليلة ثم تختفي، والكميات المطروحة محدودة لا تكفي إلا لعشرات الأسر، بينما الملايين يعانون.
المعارض الحكومية أصبحت مجرد ديكور إعلامي لا يحل الأزمة، فيما تواصل الأسعار ارتفاعها الجنوني.
أشار نقيب الفلاحين إلى انخفاض القوة الشرائية، وهذا اعتراف صريح بأن المواطن لم يعد قادرًا على الشراء. الأجور ثابتة أو تتحرك ببطء، والأسعار تتضاعف بسرعة الصاروخ.
هذه المعادلة الكارثية تعني أن الملايين باتوا عاجزين عن توفير احتياجاتهم الأساسية، فيما تتجاهل الحكومة معاناتهم.
حصص سمادية وحوكمة وهمية: إجراءات شكلية لا تحل الأزمة
أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي رسميًا عن استكمال صرف باقي الحصة السمادية المقررة للموسم الشتوي الحالي، مع التشديد على "حوكمة المنظومة" لضمان وصول الأسمدة لمستحقيها. هذه الإجراءات تأتي متأخرة ومحدودة، ولا تعالج جذور الأزمة.
الفلاح يحتاج لدعم حقيقي يشمل الأسمدة والمبيدات والتقاوي والوقود والري، لا مجرد حصة سمادية لا تكفي نصف الموسم.
الحديث عن "حوكمة المنظومة" يعني أن الفساد متغلغل في توزيع الأسمدة، وأنها لا تصل لمستحقيها. لكن الحكومة تكتفي بالشعارات دون محاسبة حقيقية للفاسدين.
الفلاح البسيط يضطر لشراء الأسمدة من السوق السوداء بأضعاف السعر الرسمي، فيما يحتكر آخرون الحصص ويبيعونها بأرباح طائلة.
الأزمة تحتاج لحلول جذرية: دعم حقيقي للفلاح، رقابة صارمة على الأسواق، محاسبة المحتكرين، إنشاء مخزون استراتيجي يغطي الفجوات بين العروات، وتشجيع الزراعات المحمية لضمان توفر المحاصيل طوال العام.
لكن الحكومة تواصل نهجها الفاشل: إجراءات شكلية، وشعارات رنانة، ومعاناة متواصلة للمواطنين.

