مهندس - نبيه عبدالمنعم :

 

تعلمت من الهندسة (1)

الأساسات والأعمدة

أساس البناء مدفون تحت التراب .. لا يعرفه أحد ولا ينتبه له الناس . لا يهتمون للونه ولا شكله ولا جماله . ولا يحسون به من الأساس لكنه أهم شئ بالبناء. فلا بد أن يكون قويا ومتينا . فالضعف فيه يساوى الانهيار والخلل فيه خلل فى كل البناء .

أساس البناء لا بد أن يكون على أرض راسخة وتربة سليمة .

كلما كان الأساس قويا زادت قدرته على تحمل الضغوط العالية والأحمال الكبيرة والزلازل الصعبة وتقلبات المناخ وتغيرات الزمان .

أما الواجهة الجميلة . أما الدهان اللامع . أما الأرضيات المتناسقة .  فكل ذلك ظاهر للناس .  يهتمون به .  ينبهرون بشكله .  يتباهون بجماله . لكنه فى الحقيقة ليس مهما . لا يمثل إلا نفسه . لا يقع البناء لوقوعه ولا يتأثر البناء بإزالته . ولا تنتهى حياة البناء بانهياره .

الواجهات اللامعة.. كأنها تنادى الناس بفخر وزهو لرؤيتها وهى لا تحمل إلا نفسها . والأساس ساكت صامت تحت التراب لا ينادى ولا يأن . وهو يحمل الجميع .

لا تستطيع تغيير قاعدة البناء مرة واحدة .  لكنك تستطيع تغيير الواجهات والدهان عشرات المرات .

ليس كل ما ينبهر به الناس مهما .. ولبس كل ما لا يراه الناس غير موجود .. بل ربما يكون ما لا يحس به الناس ولا يرونه ولا يقدرونه هو الذى يحملهم ويحميهم ويحمى آمالهم وحياتهم فى الحقيقة .

وهكذا العقيدة والتقوى فى حياة الناس هى الأساس ... بقوتها يقوى الانسان وبمتانتها يصبر الإنسان على تقلبات الزمان .  وهكذا صاحب العقيدة والتقوى يعرف هدفه . الجنة . فيعمل فى صمت ولا يهتم للناس ومدح الناس وذم الناس .

قال تعالى

( أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير  أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به فى نار جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين )

تعلمت من واقع مهنتى .

وفى كل ركن وزاوية بالبناء عمود .

يحمل نصيبه من الحمل الثقيل صامتا . يحمل عن من حوله ثم يتوارى وسط الحوائط خلف الدهان . كأنه جزء من الحائط .

ينسى الناس فى زحمة الالوان أن هنا عنصرا متميزا ....صاحب مهام خاصة وصفات خاصة .

ليس مقبولا منه إلا أن يكون مستقيما . فهو عمود .

ليس مقبولا منه إلا أن يكون صلبا .  فهو مسئول يتحمل الجميع .

ليس مقبولا منه إلا أن يكون متزنا ومعتدلا . فباتزانه واعتداله يكون الأمان . وإن مال حل الموت والدمار .

يقف فى مكانه المحدد تماما . لينقل الحمل لأخيه الذى تحته كاملا .. كأنها أمانة .

يقف وسط الطوب الأصغر منه والأضعف منه .يقف محاذيا فى تواضع الكبار . لا يفاخر بنفسه ولا يباهى .

يتذكره الناس فقط حين يهم أحدهم بدق مسمار فى الجدار .. فيمر هنا . ويندق هنا .ويخترق هنا . وهنا ينكسر المسمار .  عندها فقط يتذكر الناس أن هنا عمود .

فمن من الناس مستقيما . ومن من الناس معتدلا ومتزنا .. ومن من الناس متواضعا . من الناس يصعب عنده الاختراق .

فهو وحده له صفات العمود .