لم يكتفِ الفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية، بالسيطرة على المشروعات القومية والبنية التحتية، بل امتدت أذرعه الآن لتطوق الحصن الأخير للقطاع الخاص: الغرف الصناعية والتجارية.
في خطوة كاشفة، أصدر قرارات تعيين واسعة النطاق في مجالس إدارات الغرف باتحاد الصناعات، دافعاً بأسماء محسوبة بدقة لضمان "الولاء الكامل" وإحكام السيطرة.
هذه التعيينات ليست مجرد إجراء إداري روتيني، بل هي عملية "هندسة" دقيقة لبنية الاقتصاد، تهدف إلى خلق طبقة من رجال الأعمال "المُجندين" الذين يعملون كواجهات مدنية لسياسات المؤسسة العسكرية، ليكتمل بذلك مشهد "عسكرة" الاقتصاد المصري من الألف إلى الياء.
وفي خطوة ترسخ هيمنة وزارة الصناعة على القرار داخل اتحاد الصناعات المصرية، أصدر الفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، القرارات الوزارية أرقام 418، 419، 420، 421 لسنة 2025، بتعيين أعضاء جدد في مجالس إدارات الغرف الصناعية للدورة 2025-2027.
هذه التعيينات، التي تمثل "الثلث المعين" في مجالس الإدارات، ليست مجرد استكمال للشكل القانوني، بل هي أداة الوزير الفعالة لضمان الأغلبية والسيطرة وتوجيه دفة الغرف بما يتماشى مع الرؤية الحكومية، بعيداً عن "مشاغبات" الانتخابات الحرة.
خارطة التعيينات: رجال أعمال "تحت الطلب"
قائمة الأسماء التي اختارها "الوزير" تكشف عن توجه واضح لتعزيز نفوذ كبار رجال الأعمال المتماهين مع الدولة، أو ممثلي الشركات شبه الحكومية.
ففي غرفة التطوير العقاري، دفع الوزير بأسماء ثقيلة لضمان السيطرة على هذا القطاع الحيوي، أبرزهم:
• عمر هشام طلعت مصطفى (مجموعة طلعت مصطفى).
• أحمد محمد منصور (شركة كاسيل للتطوير العمراني).
• محمد عبد المنعم المنشاوي (شركة إعمار).
هذه الاختيارات تضع كبرى الكيانات العقارية التي تنفذ مشاريع الدولة في صدارة المشهد، مما يضمن "تناغماً" كاملاً مع توجهات العاصمة الإدارية والمشروعات القومية.
وفي غرفة الصناعات الكيماوية، شملت التعيينات:
• محمد عبد السلام (رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية - قطاع أعمال عام)، وهو ما يضمن وجود "صوت الحكومة" المباشر داخل الغرفة.
• شريف الجبلي (رئيس لجنة الشؤون الأفريقية بالبرلمان)، وهو جمع بين النفوذ السياسي والاقتصادي.
أما في غرفة الصناعات الغذائية، فقد تم تعيين:
• هاني برزي (رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية).
• أشرف الجزايرلي (رئيس الغرفة السابق)، في إعادة تدوير لنفس الوجوه التي تألف التعامل مع الوزارة.
السيطرة على "غرفة القرار": لماذا التعيين؟
القانون يمنح الوزير حق تعيين 3 أعضاء في مجلس إدارة كل غرفة (من أصل 15 عضواً)، لكن هؤلاء الثلاثة غالباً ما يكونون "بيضة القبان" في اختيار رئيس الغرفة وهيئة المكتب. الفريق كامل الوزير، بعقليته الانضباطية، يستخدم هذه الورقة لضمان وصول رؤساء غرف "متعاونين" لا يثيرون الأزمات، ولتمرير السياسات الصناعية الجديدة (مثل توطين الصناعة وفقاً للشروط الحكومية) دون معارضة تذكر من القاعدة الصناعية العريضة التي قد تكون لها مصالح مختلفة.
تهميش الصغار وتمكين الحيتان
الملاحظة الأبرز في هذه التعيينات هي غياب تمثيل حقيقي للصناعات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل عصب الاقتصاد الحقيقي وتعاني الأمرين. الاختيارات انحازت بشكل فج لـ "حيتان السوق" وكبار المطورين والمصدرين، مما يحول اتحاد الصناعات إلى "نادي للكبار" فقط، تنفصل فيه القيادة عن هموم المصنع الصغير المطحون بالضرائب والبيروقراطية. هذا النهج يعزز من "احتكار القلة" ويجعل الغرف الصناعية أداة لحماية مصالح الكبار بالتنسيق مع الوزير، بدلاً من حماية السوق ككل.
الصناعة "على الخط العسكري"
بتعيينات الفريق كامل الوزير، تكتمل حلقة السيطرة. الوزير الذي يدير النقل والصناعة بأسلوب "الضبط والربط"، يمد نفوذه الآن إلى داخل الغرف التجارية والصناعية، ليضمن أن "القطاع الخاص" يسير في الطابور، وينفذ التعليمات، ولا يخرج عن النص. الاتحاد الذي كان يُفترض أن يكون صوت القطاع الخاص المستقل، بات اليوم يُدار بـ "التوجيهات" وعبر رجال الوزير المعينين، في مشهد يؤكد أن الاقتصاد المصري لم يعد يحتمل سوى "رأي واحد".

