يدركنا عيد الفطر أهذا العام، وحال الأمة الإسلامية برثى لها، فمن قمع وسحل وتشريد في بعض الدول، الى قتل واحتلال في دول أخرى، نتمسك ببصيص من النور زاعمين أن الفرج قادم، يستقبل المسلمون عيدهم بين أنات الجرحى، وبكاء الثكلى، وفقدان الشباب.
وبالرغم من الهجمة الشرسة، التي يتعرض لها المسلمون في مختلف دول العالم، إلا إن هذا لم يمنعهم من الاحتفال بعيد الفطر، وممارسة طقوسهم المعهودة.
الأقليات المسلمة في أوربا
العادات والتقاليد كلمة كثيرًا ما نسمعها، في مجتمعاتنا الشرقية، تلك التى تفتقدها أوربا، حيث يعاني المسلمون في أوروبا، من افتقاد دفء العلاقات الاجتماعية، التي يتمتع بها المسلمون في العالم الإسلامي، وهو الأمر الذي يحاولون تعويضه، من خلال التماسك الاجتماعي فيما بينهم، والحرص على الاحتفال، بصورة تقرب بين صفوف المسلمين، إلا إن العديد من المعوقات تقف في وجه ذلك، ومن بينها عدم حصول المسلمين على إجازة العيد، في بعض الدول الأوروبية.
ألمانيا..
يحرص مسلمو ألمانيا، عقب الانتهاء من أداء صلاة العيد، على أن يجتمعوا ويتناولوا طعام الإفطار معًا، وسط أجواء من السعادة التي تغمر الجميع بمقدم العيد، وبعد هذا يخرجون للمتنزهات للاحتفال بالعيد في جماعات، وذلك قبل أن يعودوا لتناول طعام الغذاء في منازلهم، في ترابط لا يجدونه سوى في العيد.
والجالية المسلمة في ألمانيا، تُعد ثاني أكبر جالية في أوروبا، مما جعل بعض الأحياء الألمانية، تبدو وكأنها قطعة من الدول الإسلامية، لاسيما في أوساط المواطنين الأتراك، فليس غريبًا مثلاً أن تجد بعض الشوارع، التي تسكن فيها أغلبية مسلمة، تمتلئ بالزينات والمصابيح في جدران المساجد والمباني، تمامًا مثلما يفعل المسلمون في أية دولة عربية وإسلامية، احتفاءً بمقدم العيد، بل إن العديد من المحال المملوكة لمسلمين ولغيرهم، تمتلئ بأصناف الكعك، وتلقَى إقبالاً كبيرًا من جانب المسلمين.
ومع ذلك يجمع أغلب مسلمي برلين، على أن بهجة العيد هنا، أقل من بهجته في أوطانهم، لدرجة أنه على البعض مزاولة أعمالهم بشكل طبيعي، حتى في أيام العيد، وبالكاد يذكره الإنسان لولا أنه يصوم رمضان، كما يقول أحد الإخوة المقيمين هناك: إنهم لا يعرفون من العيد سوى "كل عام وأنت بخير"، وما يرافقه من مظاهر مادية.
فرنسا.. فرصة للتمسك بالهوية الإسلامية
يبدءون المسلمون في فرنسا الاحتفال بالعيد في وقت مبكر، عن طريق قيامهم قبل نهاية رمضان بالتدافع على المتاجر المختلفة، لشراء مستلزمات العيد، وهو ما لفت بشدة نظر الفرنسيين خلال السنوات الماضية، وهو الأمر الذي دفع العديد من المتاجر الفرنسية، للإعلان عن تخفيضات واسعة للمشترين من المسلمين، في نهاية رمضان.
كما يحرص مسلمو فرنسا أيضًا، على أن يكون عيد الفطر فرصة سنوية، يعلنون خلالها عن تمسكهم بهويتهم الإسلامية,؛ لذلك فإن الكثيرين منهم، يقومون بتهنئة بعضهم البعض بالعيد باللغة العربية.
ومساجد فرنسا تحتفل هي الأخرى بعيد الفطر، على طريقتها الخاصة، حيث يتم تزيينها منذ وقت مبكر لاستقبال العيد، الذي يقوم المسلمون بتأدية صلاته بين جدرانها، وفي ظل عدم اعتماد السلطات الفرنسية، ليوم عيد الفطر كعطلة رسمية، فإن الطلاب المسلمين يتغيبون عن مدارسهم, وهو الأمر الذي تتسامح معه العديد من المدارس الفرنسية.
أمريكا.. مواجهة التحديات بالاحتفال
يستعد مسلمو أمريكا لعيد الفطر استعداداً خاصاً، حيث تقوم المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة ــ ومن أشهرها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) ــ بحث المساجد والمراكز الإسلامية في الولايات المتحدة، على مراسلة وسائل الإعلام المحلية (الجرائد والإذاعات، ووكالات الأنباء) بمدنهم، ودعوتها إلى تغطية احتفالات المسلمين المحلية بعيد الفطر المبارك، وذلك ضمن جهود المسلمين في أمريكا لتوعية الإعلام والمجتمع الأمريكي بالإسلام، وبحياة وأعياد المسلمين، لكن احتفال مسلمي أمريكا بالعيد يشوبه بعض الصعوبات، من قبيل العيش في مجتمع لا يدين بدينك، بل وينظر إليك بنظرة الاتهام المسبق.
ورغم ذلك، فعيد الفطر في مساجد أمريكا له مذاقه الخاص، رغم السمات التقليدية التي تحوط بأحداث كل عام داخله، حيث يفتتح يوم العيد بالصلاة، ثم سماع الخطبة، التي تختتم بالدعاء، تليها زيارات متبادلة بين الأقارب والأصدقاء في المنازل.
اليابان.. أبرز وسائل الدعوة
يحتفل المسلمون بالعيد في اليابان بشكل أساس، من خلال أداء صلاة العيد، التي كانت حتى وقت قريب، تقام في المساجد، ولم تكن حينها تسع كافة المصلين، فكانوا يضطرون لأدائها على دفعات متتالية، ولكن مؤخرًا سمحت الحكومة اليابانية للمصلين، بأداء صلاة العيد في الملاعب الرياضية والحدائق والمتنزهات، وهو ما زاد من فرحتهم بالعيد، الذي تحول إلى واحد من أهم وسائل الدعوة للإسلام في اليابان.
روسيا.. الصلاة فوق الثلوج
أما في روسيا، حيث الأحوال ليست بأفضل منها في الصين، ورغم ذلك احتفل المسلمون بحشود، على نطاق واسع، جعل الناس يؤدون الصلاة في الشوارع والميادين، القريبة من المساجد، فوق الثلوج، حيث تصل درجة الحرارة إلى ما بين 10 و25 درجة تحت الصفر.
تايلاند.. تحدي القمع بالفرحة
على الرغم من القمع الذي يتعرضون له منذ سنوات، يحرص مسلمو تايلاند على إظهار فرحة العيد، بدفع زكاة الفطر وأداء صلاة العيد في جماعة، سواء في المساجد أو في الخلاء حال سمحت السلطات بذلك، والعمل على تدعيم التواصل والتماسك الاجتماعي بينهم، لتوحيد صفوفهم، وكأنها تظاهرة حبٍّ في وجه القمع الرسمي، الذي يتعرضون له.
يبدأ احتفال مسلمي تايلاند - كبقية مسلمي العالم - مبكرًا منذ الأيام الأولى لشهر رمضان، ويشتدُّ في أواخره، حيث يحرص المسلمون في تايلاند، على تحرِّي ليلة القدر بالاعتكاف وأداء صلاة التهجد، والتقرب إلى الله في هذه الأيام المباركات، ثم يسعَوْن لتحري هلال عيد الفطر، سواء برؤية هلاله أو بانتظار إعلان المؤسسات الإسلامية في دول الجوار ظهور هلال شهر شوال، ويحرص المسلمون في تايلاند على أمرين، في صباح يوم عيد الفطر، أولهما دفع زكاة الفطر، والثاني أداء صلاة العيد في جماعات، سواء في المساجد أو في الساحات، في حال سماح السلطات، في تحدٍّ للقمع الذي يتعرَّضون له.
ومن العادات المعروفة خلال عيد الفطر، قيامهم بإرسال بطاقات التهنئة بالعيد للأقرباء والمعارف، ويكثر هذا التقليد في المناطق الريفية، إلى الدرجة التي تدفع موظفي البريد إلى تأجيل إجازاتهم لما بعد العيد، للسيطرة على حجم العمل الكبير الذي يواجهونه، على عكس أهل المدن، الذين يلجئون إلى الهاتف المحمول والبريد الإلكتروني، من أجل التهنئة، وبصفة عامة، يحرص السكان على العودة إلى المناطق الريفية، خلال عطلة عيد الفطر، للاحتفال وسط الأهل والأقرباء، إلا إنهم لا يحرصون على تلك العادة في عيد الأضحى، بنفس درجة حرصهم عليها في عيد الفطر.