انتقدت وسائل الإعلام الفرنسية زيارة زعيم عصابة الانقلاب "عبدالفتاح السيسي" إلى فرنسا بسبب مواضيع متعلقة بحقوق الإنسان والتسليح، إلا أن حادثة إخفاء تكريم السفاح من قبل ماكرون بوسام الشرف وعدم الإعلام عنها سوى لوسائل الإعلام الموالية للديكتاتور، طرحت عدة تساؤلات عن هذا السلوك.
كما هو معتاد، لم تمر زيارة السيسي إلى أي بلد أوروبي دون جدل واسع خاصة وسط وسائل الإعلام، بسبب ما يحمله نظامه على عاتقه من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في مصر.
هذه المرة من فرنسا، وفي وقت التي تقاطع فيه الدول العربية والإسلامية باريس بسبب هجوم الرئيس الفرنسي على الإسلام مؤخراً، حل السيسي ضيفاً على الإيليزيه وسط انتقادات صحفية واسعة، وتساؤلات عن التعتيم حول برنامج الزيارة.
فضيحة وسام الشرف
منح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وسام "جوقة الشرف الفرنسي" للديكتاتور "عبد الفتاح السيسي" في قصر الإليزيه بالعاصمة الفرنسية باريس.
وكشفت صحيفة "le soir" البلجيكية الناطقة باللغة الفرنسية، عن تقليد الرئيس الفرنسي ماكرون لـ "عبد الفتاح السيسي" وسام جوقة الشرف الذي يعتبر التكريم الرسمي الأعلى في فرنسا، بعيداً عن الإعلام الفرنسي.
وقالت الصحيفة في خبر عنونته بـ "حفل وسام جوقة الشرف: عندما يخفي ماكرون التكريم الذي يحتفظ به للسيسي" بأن أحد البرامج التلفزيونية المشهورة (Quotidien) سلّط الضوء على مراسم "حاول قصر الإليزيه إخفاءها عن الصحافة الفرنسية هذه الأيام، وتتعلق بتكريم الديكتاتور المصري السيسي بوسام الشرف الأعلى في باريس".
وكان برنامج (Quotidien) قد نشر تغريدة ضمّنها بتسجيل مصوّر يظهر "السيسي" داخلاً قصر الإليزيه ثم عملية تكريمه بالوسام الفرنسي من قبل الرئيس الفرنسي ماكرون بحضور زوجته "بريجيت".
مقدم البرنامح تسائل عن أسباب عدم ذكر هذا الحفل ضمن برنامج الزيارة وخاصة أنها تضمنت تسليم أعلى وسام للدولة الفرنسية، مشيراً إلى أن "مواقع الديكتاتورية هي وحدها من رأت هذا الحفل، والتي أصبحت مصدراً لأخبار الإيليزيه خلال هذه الزيارة".
عسكرة حقوق الإنسان
كانت صحيفة لوموند الفرنسية على رأس المنتقدين لتعاظم الشراكة بين نظام السيسي الانقلابى وفرنسا، وخاصة دعم الرئيس الفرنسي لعقد صفقات أسلحة مع الديكتاتور، دون مراعاة أوضاع حقوق الإنسان المتردية فيها.
وعلى صدر صفحتها الأولى نشرت الصحيفة الأربعاء، رسماً كاريكاتورياً يظهر فيه ماكرون يقدِّم درساً للسيسي في حقوق الإنسان مستخدماً أدوات حربية للكتابة والشرح، في إشارة واضحة إلى صفقات السلاح بين الجانبين، والتي لاقت انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان في فرنسا والعالم.
وفي مقال لصحيفة "le monde encommun"، عنونه الكاتب أندريه لوغال بـ" الرئيس المصري في باريس: زيارة دولة لا تمر"، أكد فيها أن زيارة السيسي إلى باريس هي انعكاس لتغليب المصلحة على المبادئ.
إذ يشير الكاتب إلى أن تعريف السياسة الواقعية لا يعني نسيان المبادئ، وعلى هذا الأساس من غير الواقعي في الوقت الحالي الاعتقاد بأن السيسي هو حصن ضد الإرهاب أو يمثل قطباً للاستقرار الإقليمي.
بل يرى الكاتب أنه على العكس من ذلك، فأساليبه في مكافحة الإرهاب غير فعالة، واستغلاله لذلك كفزاعة من أجل القضاء على جميع أشكال الاحتجاج السياسي والسجون المكتظة دليل على ذلك.
أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي يشدد الكاتب على أن 33% من الشعب المصري يعيش تحت خط الفقر، فيما يستعد 3.5 مليون شاب للدخول لسوق العمل بحلول عام 2025، في بلد يحتكر فيه الجيش جميع قطاعات الاقتصاد ويقيد القطاعات التي تخلق فرص عمل لصالح المشاريع الكبرى غير المجدية والوهمية.
ويشير الكاتب في هذ الصدد إلى العاصمة الإدارية الجديدة التي تعكس "كبرياء السيسي" بموازنة غير شفافة مقدرة بين 50 و 300 مليار دولار، إذ توضح هذه العاصمة الجديدة وحدها الاندفاع المتهور للأوليغارشية العسكرية المصرية التي ترسل بلادها إلى العدم.
تسليح القاتل؟
في سياق ليس بعيد، اتهم الآلاف، فرنسا بالتواطؤ في جرائم تنتهك القانون الإنساني الدولي، من خلال بيعها أسلحة يمكن أن يتم استخدامها ضد المدنيين وفي انتهاكات لحقوق الإنسان.
جاء ذلك في عريضة نشرت، الثلاثاء، على الموقع الفرنسي لمنظمة "العفو الدولية"، وقع عليها أكثر من 100 ألف شخص خلال ساعات.
ويطالب الموقعون على العريضة الإلكترونية بأن تلتزم الحكومة الفرنسية بنصوص معاهدة تجارة ال أسلحة، إضافة إلى فرض رقابة برلمانية على صفقات بيع السلاح.
ونشرت العريضة بالتزامن مع تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسيسي خلال زيارته إلى باريس، أن مبيعات الأسلحة له في المستقبل "لن تكون مشروطة بتحسين حقوق الإنسان".
وجاء في العريضة أنه "بتصديق فرنسا على معاهدة تجارة الأسلحة، فهي ملزمة بعدم السماح ببيع السلاح، إذا كان هناك خطر كبير من استخدامه في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أو تسهيلها او انتهاك القانون الإنساني الدولي".
وأشارت العريضة إلى بيع فرنسا الأسلحة إلى مصر، قائلة إن الأخيرة "تعاني من قمع غير مسبوق لحقوق الإنسان".
كما لفتت إلى كون باريس أحد الموردين الرئيسيين للمعدات العسكرية للسعودية والإمارات وأعضاء التحالف المتورطين في اليمن والمسؤولون عن آلاف الضحايا المدنيين، حسب المصدر ذاته.
وطالبت العريضة بممارسة مزيد من الضغط على فرنسا لضمان التزامها بالشفافية ومزيد من التحكم في هذه التجارة.



