في مشهد يعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المصريون تحت حكم السيسي، كشف الدكتور طارق جويلي رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للأنفاق عن نية الهيئة زيادة سعر تذكرة المترو من 8 إلى 10 جنيهات، بزيادة تصل إلى 25% دفعة واحدة. والأغرب من الزيادة نفسها هو المبرر الهزلي الذي قدمته الهيئة: "أزمة توافر الفكة"، في سابقة غريبة تكشف أن المواطن المصري أصبح مطالباً بدفع ثمن فشل الدولة في سك العملة المعدنية وإدارة اقتصادها.

 

الباحثة منال عبدالله لخصت الأمر ساخرة: "علشان مافيش فكّة"، أعجب مبرر ممكن تشوفه في حياتك لزيادة سعر تذكرة مترو.
 

 

التصريح الصادم جاء على لسان جويلي الذي اعترف بصراحة أن "المشكلة في سك العملة"، مضيفاً أنه عند التواصل مع الجهات المعنية قيل لهم "مفيش استيراد للخامة". هذا الاعتراف الفاضح يكشف أن دولة بحجم مصر عاجزة عن توفير خامات سك العملة المعدنية، فكان الحل الأسهل: تحميل المواطن البسيط تكلفة هذا العجز عبر زيادة جديدة تضاف إلى سلسلة طويلة من الزيادات التي أنهكت الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

 

حساب صدى مصر علق بحدة: "رئيس الهيئة القومية للأنفاق يعلن دراسة زيادة تذكرة مترو الأنفاق من 8 إلى 10 جنيهات بحجة أزمة الفِكّة... نظام السيسي ديماً بيحمل فشله للمواطن الغلبان!!"

 

 

عجز الدولة يتحول إلى فاتورة على المواطن

 

الحجة التي قدمتها الهيئة القومية للأنفاق لا تصمد أمام أبسط قواعد المنطق. كيف يمكن لدولة تنفق مليارات الدولارات على مشاريع قومية وعواصم جديدة وقصور رئاسية، أن تعجز عن توفير خامات سك العملة المعدنية؟ وكيف يصبح حل "أزمة الفكة" هو زيادة أسعار الخدمات على المواطنين بدلاً من إصلاح منظومة سك العملة أو إيجاد بدائل تقنية حديثة؟

 

منير الخطير روى تفاصيل التصريح الصادم: "رئيس الهيئة القومية للانفاق مع أحمد موسى قال هيزود أقل تذكرة مترو من ٨ ل ١٠ جنيه لأن الفكة بتكلفهم وطلبوا من سك العملة جنيهات معدن، سك العملة قالولهم خامة العملة ناقصة ولازم نستوردها فهو بدل اللفة دي قرر يرفع التذكرة ٢٥٪ كده على الهواء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"

 

 

الحقيقة أن "أزمة الفكة" ليست إلا ذريعة جديدة في سلسلة طويلة من الذرائع الواهية التي يستخدمها النظام لتبرير القرارات التي تزيد من معاناة المواطنين. المترو، الذي يعتبر شريان الحياة لملايين المصريين من محدودي الدخل الذين يعتمدون عليه للوصول إلى أعمالهم، أصبح ساحة جديدة لاستنزاف الجيوب الخاوية.

 

محسن انتقد "الحل العبقري" بسخرية: "نزود سعر التذكره ٢ جنيه وبكده المشكله تتحل والكل يبقي سعيد... ما العلاقة بين أزمة نقص الفكة وتذكرة المترو؟ رئيس الهيئة القومية للأنفاق: ندرس زيادة سعر تذكرة المترو 2 جنيه - العدد الأكبر الذي يستخدم مترو الأنفاق يشتري تذكرة الـ8 جنيهات"

 

 

تدهور الخدمة مقابل زيادات مستمرة

 

المفارقة المرة أن الزيادة المقترحة تأتي في ظل تدهور واضح في مستوى الخدمة المقدمة للركاب. القطارات المكتظة، التأخيرات المستمرة، الأعطال المتكررة، وسوء الصيانة، كلها مشاكل يومية يعاني منها ملايين مستخدمي المترو. لكن بدلاً من تحسين الخدمة، يأتي الحل دائماً في صورة زيادة جديدة تحت مسميات مختلفة.

 

محمد علق متهكماً على المنطق الحكومي الغريب: "طاب خليها ب ٥ و انا بركب معاكم كل يوم.. او ب١٥ ذهاب و عوده"

 

خلال السنوات الماضية، شهدت تذكرة المترو زيادات متتالية أنهكت المواطنين، من 2 جنيه إلى 3 ثم 5 ثم 7 ثم 8 جنيهات، والآن 10 جنيهات، بزيادة إجمالية تتجاوز 400% منذ 2017. هذه الزيادات الجنونية لم تقابلها أي تحسينات حقيقية في الخدمة، بل جاءت في سياق سياسة ممنهجة لرفع الدعم عن الخدمات الأساسية وتحميل المواطن الفاتورة الكاملة لفشل السياسات الاقتصادية.

 

وجدي سخر من المنطق الحكومي بقوله: "طيب أنا عندي أزمة في 10000 جنيه عجز وده حقيقي أعمل ايه أدور المهم من الموظفين والعمال بالجنيه والاثنين في حل يا حكومة"

 

"مفيش استيراد للخامة".. شعار الفشل الحكومي

 

عبارة "مفيش استيراد للخامة" التي أطلقها جويلي ببساطة مذهلة، تختزل حجم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر. دولة تعاني من نقص حاد في العملة الأجنبية، عاجزة عن استيراد أبسط الخامات، تبيع أراضيها وشواطئها لسد العجز، وفي النهاية يدفع المواطن البسيط الثمن. الأزمة ليست في "الفكة"، بل في سياسات اقتصادية فاشلة أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس.

 

المترو الذي كان يُفترض أن يكون خدمة عامة مدعومة لتخفيف العبء عن محدودي الدخل، تحول إلى أداة جديدة لاستنزاف المواطنين. والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى سيظل المواطن المصري يدفع ثمن عجز الحكومة وفشل سياساتها؟ ومتى ستتوقف الحكومة عن اختلاق مبررات واهية لتغطية فشلها الذريع في إدارة أبسط شؤون الدولة؟