في قرار يكشف مدى نهم حكومة الانقلاب لابتزاز المصريين أينما كانوا، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي زيادة الرسوم المقررة لصالح دعم وتطوير مباني السفارات المصرية بالخارج من 5 جنيهات إلى 12 دولارًا، في قفزة جنونية تصل إلى أكثر من 6000%، إذا احتسبنا سعر الصرف الحالي للدولار مقابل الجنيه.

 

القرار الذي يطبق اعتبارًا من أول يناير 2026 على كل تأشيرة دخول أو مرور وعلى كل عمل قنصلي تجريه السفارات والقنصليات المصرية بالخارج، يأتي في وقت يعاني فيه المصريون بالخارج من تدهور الخدمات القنصلية وتعقيدات بيروقراطية مذلة، ليتحولوا إلى مصدر دخل سهل للنظام الذي يبتزهم بحاجتهم للوثائق والمعاملات الرسمية.

 

ابتزاز بالدولار.. 6000% زيادة على من لا يملكون بديلًا

 

الزيادة من 5 جنيهات إلى 12 دولارًا ليست مجرد "تحديث للرسوم" كما تزعم الحكومة، بل هي عملية نهب منظم للمصريين بالخارج الذين لا يملكون بديلًا عن التعامل مع السفارات والقنصليات المصرية. بسعر الصرف الحالي البالغ حوالي 50 جنيهًا للدولار، فإن الرسم الجديد يعادل 600 جنيه مقارنة بـ5 جنيهات سابقًا، أي زيادة تتجاوز 11,900%. حتى لو احتسبنا الأمر بمنطق "التضخم التراكمي منذ 1982"، فإن هذا لا يبرر مطلقًا القفز إلى فرض الرسم بالدولار بدلًا من الجنيه، في خطوة تكشف أن الهدف هو الحصول على العملة الصعبة من جيوب المصريين بالخارج بأي ثمن.

 

المصريون بالخارج، الذين يرسلون تحويلات مالية سنوية بعشرات المليارات من الدولارات لدعم ذويهم ولتغذية الاقتصاد المصري المنهار، يجدون أنفسهم الآن مطالبين بدفع 12 دولارًا على كل تأشيرة أو معاملة قنصلية إضافة إلى الرسوم الطبيعية للتأشيرات. هذا يعني أن أي عائلة مصرية بالخارج تحتاج لتجديد جوازات سفر أفرادها أو استخراج شهادات ميلاد أو تصديقات قد تدفع مئات الدولارات سنويًا كـ"ضريبة جنسية" فقط لأنها مصرية. داخل مصر، الوضع لا يقل سوءًا: التصديقات التي كانت تكلف 5 جنيهات أصبحت 20 جنيهًا، بزيادة 300%، لتضاف إلى سلسلة لا تنتهي من الأعباء على المواطنين.

 

مبررات واهية.. خدمات متدهورة ورسوم فلكية

 

المبرر الحكومي للزيادة يثير السخرية أكثر مما يقنع. تقول وزارة الخارجية إن الرسم ظل ثابتًا منذ 1982 عند 5 جنيهات، وأن الزيادة ضرورية "لمواكبة الأعباء المتزايدة" و"تطوير وتحديث المباني والأراضي اللازمة لمقار البعثات الدبلوماسية دون تحمل الدولة أعباء مالية إضافية". لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين ذهبت المليارات التي حصلتها الدولة من المصريين بالخارج عبر العقود؟ ولماذا يجب على المواطنين تمويل مباني السفارات التي من المفترض أن تكون جزءًا من البنية التحتية الحكومية التي تُمول من الموازنة العامة؟

 

الأنكى من ذلك أن المصريين بالخارج يشتكون يوميًا من تدهور الخدمات القنصلية: طوابير طويلة، معاملة سيئة، بيروقراطية معقدة، مواعيد نادرة، وموظفون غير مدربين. الآن، بدلًا من تحسين الخدمة، تأتي الحكومة لتقول: "ادفعوا أكثر وستحصلون على نفس الخدمة الرديئة أو ربما أسوأ". الوزارة تزعم أن الرسم الجديد "مبلغ زهيد مقارنة بما تفرضه دول العالم"، لكنها تتجاهل أن دول العالم تقدم خدمات قنصلية محترمة وسريعة وإلكترونية، بينما السفارات المصرية لا تزال تعمل بأنظمة العصر الحجري.

 

التعديل الذي أجراه السيسي في 30 نوفمبر الماضي وضع حدًا أقصى للرسم بـ20 دولارًا للتأشيرات و20 جنيهًا للتصديقات داخل مصر، مما يعني أن الحكومة تحتفظ بحقها في زيادة الرسوم مستقبلًا لتصل لتلك القيم. أي أن الـ12 دولارًا الحالية قد تتضاعف قريبًا إلى 20 دولارًا دون الحاجة لقانون جديد، في ابتزاز مفتوح ومستمر.

 

عبء إضافي على اقتصاد منهار.. المواطن يدفع والحكومة تهرب

 

الحكومة تبرر القرار بـ"تخفيف العبء عن الموازنة العامة" و"عدم تحمل الدولة أعباء مالية إضافية". هذا المنطق يكشف فشل النظام الذريع: بدلًا من إدارة الموازنة بكفاءة وترشيد الإنفاق على المشاريع الفرعونية والإنفاق العسكري والأمني الضخم، تلجأ الحكومة إلى فرض رسوم ورسوم على المواطنين لتمويل كل شيء من مباني السفارات إلى دعم الكهرباء إلى صيانة الطرق. كل خدمة حكومية أصبحت مصدر دخل، وكل حاجة للمواطن أصبحت فرصة لابتزازه.

 

الوزارة تقول إنها "راعت تخفيف العبء عن كاهل المواطن المصري المستفيد بالمعاملات القنصلية بالداخل"، فجعلت الزيادة 20 جنيهًا فقط (300%) بدلًا من أكثر. هذا الكلام يفترض أن المواطن يجب أن يشكر الحكومة لأنها لم تبتزه أكثر مما فعلت، في منطق مقلوب يجعل النهب المعتدل "إحسانًا". الحقيقة أن أي زيادة في هذا التوقيت، والاقتصاد المصري يعاني من تضخم جنوني وانخفاض قيمة الجنيه وارتفاع أسعار كل شيء، هي ضربة إضافية للمواطن المنهك.

 

المصريون بالخارج والداخل يدفعون ثمن فشل حكومة الانقلاب في إدارة الاقتصاد. بدلًا من الإصلاح الحقيقي، يأتي الحل الأسهل: فرض رسوم جديدة، زيادة الضرائب، رفع الأسعار، وابتزاز المواطنين في كل خطوة. السؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى سيستمر هذا النهب المنظم باسم "تطوير الخدمات" و"تخفيف العبء عن الموازنة"؟