في الوقت الذي تملأ فيه حكومة الانقلاب الإعلام الرسمي بالدعاية حول "إنجازاتها" في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، تواصل الموانئ المصرية احتجاز قرابة 4 آلاف سيارة لذوي الإعاقة، في واحدة من أبشع صور الابتزاز الحكومي الممنهج ضد أكثر فئات المجتمع احتياجاً للدعم والرعاية.
من بين 13 ألف مركبة تم استيرادها للمعاقين منذ بداية الأزمة خلال عامين، لم يتم الإفراج سوى عن 9 آلاف سيارة، بينما تظل الآلاف محتجزة بشروط تعجيزية تتغير وتتضاعف من وقت لآخر، وغرامات خيالية تصل إلى 900 ألف جنيه على سيارة واحدة، وتهديدات بطرح سيارات المعاقين في "مزادات علنية" كما لو كانت بضاعة مهربة. هذا النظام الذي يزعم أنه يراعي حقوق الإنسان، يحول ذوي الإعاقة إلى ضحايا لآلة بيروقراطية قاسية الهدف منها واحد: ابتزاز من لا حول له ولا قوة.
شروط تعجيزية تتغير بلا رحمة.. إثبت أنك دفعت منذ عام!
الشروط الجديدة التي فرضتها مصلحة الجمارك المصرية تكشف بوضوح أن الهدف ليس تنظيم استيراد السيارات، بل خلق عقبات مستحيلة تمنع المعاقين من الحصول على حقهم. الشرط الأول والأكثر سخافة: يجب على المعاق أن يثبت خلال شهر واحد فقط من تقديم طلب الإفراج أنه قام بسداد قيمة السيارة أو جزء منها من حسابه الشخصي مباشرة أو من حساب أحد أقاربه من الدرجة الأولى، وأن هذه الأموال كانت مودعة في البنك منذ أكثر من عام وقت استيراد السيارة.
هذا الشرط الجنوني يطرح أسئلة منطقية: كيف يمكن لمعاق استورد سيارته منذ عامين أن يثبت الآن أن الأموال كانت موجودة في حسابه منذ أكثر من عام؟ ولماذا يجب على المعاق أن يثبت مصدر أمواله أصلاً وهو يستورد سيارة بموجب قانون يمنحه هذا الحق؟ ومن يملك من المعاقين، معظمهم من الطبقات المتوسطة والفقيرة، حسابات بنكية تحتوي على مئات الآلاف من الجنيهات مودعة منذ عام؟
الشرط الثاني لا يقل تعسفاً: لا يجوز قيادة السيارة إلا من المعاق نفسه أو من سائقه الشخصي المؤمن عليه أو من أحد أقاربه من الدرجة الأولى إذا كان قاصراً أو كانت حالته لا تسمح بالقيادة. هذا يعني أن المعاق يحتاج لتوظيف سائق مؤمن عليه بتكاليف شهرية إضافية، أو أن يحصر استخدام السيارة في أقاربه من الدرجة الأولى فقط، في قيود تحول السيارة من وسيلة تنقل إلى عبء إداري ومالي إضافي.
الشرط الثالث يتعلق بسعة المحرك التي يجب ألا تتجاوز 1200 سي سي، وهو شرط تم تغييره بعد أن استورد آلاف المعاقين سياراتهم بسعات أعلى وفقاً للقانون القديم. الآن تُعاقب مصلحة الجمارك هؤلاء بأثر رجعي، رافضة الإفراج عن سياراتهم لأنها لا تتوافق مع "الاشتراطات الجديدة"، في تطبيق تعسفي للقانون يخالف أبسط مبادئ العدالة.
غرامات كارثية ومزادات علنية.. ابتزاز بلا ضمير
السبب الأول لتأخير الإفراج عن السيارات المتبقية، وفقاً لمصدر مسؤول بمصلحة الجمارك، هو ارتفاع الغرامات نتيجة بقاء السيارات فترة طويلة في الموانئ. الغرامات تتراوح بين 150 و900 ألف جنيه على بعض السيارات، وأصحاب هذه السيارات لا يستطيعون السداد. المفارقة المؤلمة هنا: من الذي احتجز السيارات في الموانئ لفترة طويلة؟ أليست مصلحة الجمارك نفسها التي تغير الشروط وتماطل في الإجراءات؟ لماذا يُعاقب المعاق على تأخير لم يتسبب فيه؟
الأسوأ من ذلك أن الحل الذي تقترحه مصلحة الجمارك هو طرح سيارات المعاقين في "مزادات علنية لإنهاء الأزمة". هذا التصريح يكشف أن النظام يتعامل مع سيارات ذوي الإعاقة كبضاعة يمكن بيعها في المزاد، متجاهلاً أن هذه السيارات ليست سلعاً تجارية بل حقوق قانونية لأشخاص معاقين يحتاجونها للتنقل والعيش بكرامة. كيف يمكن لدولة تزعم أنها ترعى حقوق ذوي الإعاقة أن تهدد بمصادرة سياراتهم وبيعها في مزادات بسبب غرامات فرضتها الدولة نفسها نتيجة تأخيرها في الإفراج عنها؟
سياسة ممنهجة لسحق الضعفاء.. من دعم مزعوم إلى ابتزاز حكومي
ما يجري مع سيارات المعاقين ليس حالة فردية، بل جزء من سياسة ممنهجة تتبعها حكومة الانقلاب لابتزاز أضعف فئات المجتمع. النظام الذي يدعي أنه يقدم "أكبر برنامج حماية اجتماعية في تاريخ مصر" يحتجز سيارات المعاقين ويفرض عليهم غرامات خيالية ويهددهم بمزادات علنية، في تناقض صارخ بين الشعارات الدعائية والواقع القاسي.
المعاقون المصريون استوردوا هذه السيارات وفقاً لقانون منحهم هذا الحق، ودفعوا ثمنها من جيوبهم، وتحملوا تكاليف الشحن والجمارك الأساسية. الآن يجدون أنفسهم أمام حكومة تغير القواعد بأثر رجعي، وتفرض شروطاً تعجيزية لم تكن موجودة وقت الاستيراد، وتحملهم مسؤولية تأخير لم يتسببوا فيه، وتهددهم بمصادرة سياراتهم إذا لم يدفعوا غرامات لا طاقة لهم بها.
هذا النهج يكشف أن الحكومة تنظر للمواطن، وخاصة الضعيف منه، كمصدر دخل يمكن ابتزازه وليس كصاحب حق يجب حمايته. ذوو الإعاقة، الذين يفترض أن تكون الدولة أول من يساندهم ويسهل حياتهم، يجدون أنفسهم ضحايا لبيروقراطية قاسية وجشع حكومي لا يرحم. السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان هذا ما يفعله النظام بالمعاقين، فماذا بقي من إنسانيته؟ ومتى تتحول الدولة من آلة ابتزاز إلى مؤسسة تحترم حقوق مواطنيها؟

