في مشهد من المسرحية السياسية المكررة، خرج وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ليؤكد للرأي العام أن القاهرة رفضت "عروضاً مالية ضخمة" و"إسقاط ديون" مقابل قبول تهجير الفلسطينيين من غزة، متباهياً بموقف وطني لا يحتاج إلى إثبات.

 

لكن هذه الكلمات الرنانة، التي تهدف إلى رسم صورة البطل المدافع عن الحقوق الفلسطينية، تتهاوى أمام الواقع المرير: معبر رفح مغلق، آلاف الفلسطينيين عالقون، والمساعدات الإنسانية محجوبة، بينما تستمر مصر في استيراد الغاز الإسرائيلي وتعزز التعاون الاقتصادي مع الاحتلال.

 

فهل الوزير يتحدث عن موقف سياسي حقيقي، أم أنه يمارس فن "الوطنية الإعلامية" لإخفاء الفشل الذريع في حماية الشعب الفلسطيني؟

 

الكلمات الرنانة: دعاية وطنية بلا أفعال

 

يؤكد عبد العاطي أن الموقف المصري "معروف وواضح لدى جميع الأطراف، بما فيها الجانب الإسرائيلي"، وأن القاهرة رفضت عروضاً مغرية لإسقاط ديون مالية ضخمة.

 

لكن هذه التصريحات تبدو كمحاولة يائسة لصناعة بطولات وهمية، خاصة أن مصر لم تقدم أي إجراءات عملية لوقف معاناة الفلسطينيين.

 

فالوزير يتحدث عن "خطوط حمراء" لا يمكن تجاوزها، لكنه يغض الطرف عن حقيقة أن معبر رفح -المنفذ الوحيد لغزة إلى العالم الخارجي- يظل مغلقاً أمام حركة الأفراد والمساعدات في معظم الأوقات، مما يحول القطاع إلى سجن مفتوح.

 

ويزعم عبد العاطي أن مصر ترفض تشغيل معبر رفح "من جانب واحد"، لكنه لا يوضح لماذا يبقى المعبر مغلقاً أمام المساعدات الإنسانية العاجلة، بينما يستمر الحصار الإسرائيلي المدعوم أمريكياً.

 

وبدلاً من اتخاذ موقف حازم لإجبار إسرائيل على فتح المعابر، يكتفي الوزير ببيانات إعلامية تهدف إلى تلميع صورة النظام أمام الرأي العام المصري والعربي، دون أي ضغوط حقيقية على الاحتلال.

 

الفشل العملي: معبر رفح والمساعدات المحجوبة

 

على الرغم من تأكيدات عبد العاطي بأن إسرائيل "تتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن فتح المعابر وضمان تدفق المساعدات"، فإن مصر تتحمل مسؤولية مباشرة عن استمرار المعاناة.

 

فالوزير يتهم تل أبيب بتجاهل التزاماتها الدولية، لكنه لا يقدم أي خطة عملية لإجبارها على الالتزام، بل يكتفي بالشجب والإدانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

 

وفي الوقت الذي يتحدث فيه عن "قانون الغابة" الذي سيقود إليه التخلي عن القانون الدولي، يغفل عن حقيقة أن القانون الدولي نفسه لم يمنع مصر من التعاون الأمني والاقتصادي مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين.

 

ويشدد عبد العاطي على أن مصر ترفض "أي حديث عن تقسيم قطاع غزة أو فرض مسارات وحدود جديدة"، لكنه لا يوضح كيف يمكن لموقفه أن يترجم إلى واقع ملموس على الأرض.

 

فالفلسطينيون في غزة لا يزالون يعانون من نقص حاد في الأدوية والغذاء والماء، بينما تكتفي القاهرة ببيانات إعلامية تروج لبطولات وهمية، دون فتح معبر رفح بشكل دائم لإنقاذ الأرواح.

 

المصالح الاقتصادية: الغاز الإسرائيلي والديون المزعومة

 

في محاولة مكشوفة للتغطية على المصالح الاقتصادية الحقيقية، ينفي عبد العاطي وجود "أي أبعاد سياسية لاتفاقات استيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي"، زاعماً أنها "صفقات تجارية بحتة بين شركات دولية".

 

لكن هذه التصريحات تفضح النفاق السياسي للنظام المصري، الذي يتحدث عن رفض عروض مالية لقبول تهجير الفلسطينيين، بينما يستمر في تمويل الاحتلال عبر استيراد الغاز الإسرائيلي بمليارات الدولارات.

 

ويؤكد الوزير أن امتلاك مصر لمحطتي إسالة في إدكو ودمياط يمنحها "موقعاً محورياً كمركز إقليمي لتجميع الغاز وإعادة تصديره"، لكنه يتجاهل أن هذه الأرباح تتحقق على حساب دم الفلسطينيين.

 

وعلى صعيد اللاجئين، يحذر عبد العاطي من أن مصر "تتحمل أعباءً كبيرة دون دعم دولي كافٍ"، لكنه لا يوضح لماذا تستمر القاهرة في سياساتها التي تزيد من معاناة الفلسطينيين.

 

فبدلاً من استخدام نفوذها الإقليمي لإجبار إسرائيل على رفع الحصار، تكتفي مصر ببيانات إعلامية تروج لبطولات وهمية، بينما تستمر في تعزيز التعاون الاقتصادي مع الاحتلال.

 

وفي ختام حديثه، يجدد الوزير التأكيد على أن "ملف سد النهضة يمثل قضية أمن قومي لا تقبل التهاون"، لكنه لا يطبق نفس المنطق على الأمن القومي الفلسطيني، مما يكشف عن ازدواجية معايير واضحة تخدم المصالح المصرية الضيقة على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.