في محاولة بائسة لامتصاص الغضب الشعبي والتغطية على الفشل الذريع في إدارة ملف الأمن المائي، خرج وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، بتصريحات "عنترية" مساء الأحد، مهددًا إثيوبيا بـ "رد واضح وصريح" إذا فكرت في بناء سدود جديدة. الوزير، الذي تحدث عبر شاشات التلفزيون بلهجة حادة، تجاهل حقيقة أن "الكارثة قد وقعت بالفعل" باكتمال سد النهضة، وأن تهديداته الحالية ليست سوى "صراخ في الفراغ" بعد أن سمحت الدبلوماسية المصرية لأديس أبابا بفرض سياسة الأمر الواقع طوال 13 عامًا.

 

"عبد العاطي" اعترف بلسانه أن المسار التفاوضي وصل إلى "طريق مسدود"، لكنه في الوقت ذاته، وبدلاً من إعلان إجراءات عملية لمحاسبة المقصرين أو التحرك الفعلي لدرء الخطر، اكتفى بتكرار شعارات جوفاء عن "عدم التفريط في قطرة مياه"، وهي نفس الشعارات التي كانت تتردد بينما كانت الخرسانة الإثيوبية ترتفع يومًا بعد يوم لتحجب شريان الحياة عن المصريين.

 

تهديدات متأخرة وسد النهضة "يخنق" مصر فعليًا

 

الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية، انتقد بشدة توقيت ونبرة هذه التصريحات، معتبرًا أنها "تخدير للرأي العام". ويرى شراقي أن الحديث عن منع "سدود جديدة" هو ذر للرماد في العيون، فالمشكلة ليست في السدود المستقبلية، بل في "الكارثة القائمة" المتمثلة في سد النهضة الذي يحتجز الآن أكثر من 60 مليار متر مكعب.

 

ويضيف شراقي بلهجة لاذعة: "الوزير يتحدث عن رد حاسم، بينما التوربينات الإثيوبية تدور وتتحكم في تدفق النهر. كان الأجدر بالدبلوماسية المصرية أن تتحرك قبل سنوات، لا أن تنتظر حتى تكتمل الكارثة لتطلق تهديدات لا يصدقها أحد في أديس أبابا". ويصف شراقي الوضع الحالي بأنه "فشل جيوسياسي" بامتياز، حيث نجحت إثيوبيا في "خداع" المفاوض المصري وجرجرته في متاهات لا طائل منها.

 

الوزير يبيع "الوهم" واتفاقية 2015 هي الخطيئة الكبرى

 

من جهته، يفتح الدكتور نادر نور الدين النار على الاستراتيجية المصرية برمتها، مؤكدًا أن تصريحات "عبد العاطي" تتجاهل "أصل الداء". ويشير نور الدين إلى أن توقيع مصر على "اتفاقية إعلان المبادئ" عام 2015 كان بمثابة "صك براءة" لإثيوبيا، منحها الشرعية الدولية لبناء السد دون قيد أو شرط.

 

ويعلق نور الدين على تهديدات الوزير قائلاً: "بأي حق قانوني ستهددون إثيوبيا الآن وأنتم من وقعتم على الاتفاقية؟ الحديث عن (خيارات مفتوحة) الآن هو محاولة لتجميل وجه قبيح لفشل دبلوماسي استمر لعقد كامل. إثيوبيا لا تكترث لهذه التصريحات لأنها تدرك أن القاهرة فقدت أوراق ضغطها الحقيقية منذ سنوات".

 

نظام "عاجز" وبيانات للاستهلاك المحلي

 

ويتفق الدكتور محمد نصر الدين علام والدكتور ضياء الدين القوصي (خبراء الري) على أن النظام المصري الحالي بات "عاجزًا" عن تغيير المعادلة. يرى "علام" أن تصريحات الوزير موجهة "للداخل المصري" فقط، لتهدئة المخاوف المتصاعدة من العطش، وليس للخارج الذي يدرك جيدًا حدود القوة المصرية الحالية.

 

ويضيف "القوصي" أن الحديث عن "سدود جديدة" هو محاولة للهروب للأمام، فالمواطن المصري لا يعنيه ما سيبنى غدًا، بل يعنيه "كوب الماء" الذي بات مهددًا اليوم. ويختتم تحليله بتساؤل استنكاري: "إذا كنتم عاجزين عن وقف سد واحد استمر بناؤه 13 عامًا تحت سمعكم وبصركم، فكيف ستمنعون بناء سدود جديدة؟ كفاكم بيعًا للأوهام، واعترفوا بأنكم أضعتم النيل".

 

الخلاصة: يُجمع الخبراء والمراقبون على أن تصريحات "بدر عبد العاطي" ليست سوى فصل جديد في مسرحية هزلية، تحاول فيها "حكومة الانقلاب" التغطية على جريمتها التاريخية في حق نهر النيل، عبر إطلاق تهديدات جوفاء لم تعد تخيف أحدًا، في وقت بات فيه العطش يدق أبواب المصريين.