في حلقة جديدة من مسلسل بيع أصول الدولة ومقدراتها، تستعد حكومة الانقلاب لإبرام صفقة بيع منطقة "رأس بناس" الاستراتيجية على البحر الأحمر خلال الربع الأول من عام 2026، بقيمة تقدر بنحو 2 تريليون جنيه (ما يعادل 42 مليار دولار).

 

هذه الصفقة، التي يتم تسويقها تحت لافتة "التنمية السياحية" وإحياء منطقة حلايب وشلاتين، تخفي في طياتها مخاطر كارثية تمس السيادة الوطنية وتهدد الأمن القومي المصري في خاصرته الجنوبية، حيث تتحول الأراضي الحاكمة على الممرات الملاحية إلى سلع تُعرض في مزادات الديون، في ظل غياب الشفافية وهيمنة عقلية "السمسار" على إدارة الدولة.

 

إن التفريط في شبه جزيرة تمتد لـ 50 كيلومتراً داخل البحر، وتضم مواقع عسكرية وموانئ طبيعية فريدة، لصالح مستثمرين أجانب أو صناديق سيادية خليجية، ليس مجرد استثمار عقاري كما يروج إعلام النظام، بل هو تفريغ ممنهج للجغرافيا السياسية المصرية من قيمتها الاستراتيجية، وتحويل الدولة إلى "حارس أمن" لممتلكات الغير على أراضيها.

 

بيع "درع الجنوب": الأمن القومي في المزاد

 

تكتسب منطقة رأس بناس أهميتها القصوى من موقعها الجيوسياسي الحساس؛ فهي تشرف مباشرة على ممرات الملاحة في البحر الأحمر، وتقع بالقرب من قاعدة "برنيس" العسكرية التي أنفقت الدولة المليارات لتطويرها كحصن جنوبي لمصر.

 

طرح هذه المنطقة للاستثمار الأجنبي يعني عملياً وضع هذا "الدرع الاستراتيجي" تحت رحمة النفوذ الخارجي.

 

ويحذر خبراء من أن تمليك الأجانب لمساحات شاسعة في هذه المنطقة (174 مليون متر مربع) قد يفتح الباب أمام تواجد استخباراتي أو عسكري غير مباشر لقوى معادية، خاصة في ظل التكالب الدولي على موانئ البحر الأحمر.

 

كما أن السيطرة الأجنبية على ميناء ومطار رأس بناس قد تقيد حرية الحركة للبحرية المصرية في أوقات الأزمات، مما يجعل الأمن القومي رهينة لحسابات المستثمرين وعلاقاتهم الدولية، في تكرار خطير لسيناريو "تيران وصنافير" ولكن بصيغة استثمارية.

 

أكذوبة التنمية: حلايب وشلاتين.. طعم للبيع أم تنمية حقيقية؟

 

تروج الحكومة بأن المشروع سيعمل على إحياء منطقة حلايب وشلاتين وتنميتها، لكن الواقع والتجارب السابقة تشير إلى عكس ذلك. فالمشاريع السياحية الفاخرة (قرى، شاليهات، مارينا يخوت) غالباً ما تتحول إلى "جيتوهات" معزولة تخدم الأثرياء والسياح الأجانب، بينما يظل السكان المحليون مجرد عمالة رخيصة أو يتم تهجيرهم بدعوى "التطوير".

 

إن ربط رأس بناس بقطار سريع وفنادق عالمية، دون وجود خطة تنموية شاملة تستهدف البشر قبل الحجر، يؤكد أن الهدف هو "تسليع" الأرض وبيعها بأعلى سعر لسداد فوائد الديون، وليس بناء مجتمعات مستدامة.

 

التنمية الحقيقية في المثلث الجنوبي (حلايب-شلاتين-أبو رماد) تتطلب تمكين الأهالي وتوطينهم، وليس جلب شركات متعددة الجنسيات لامتلاك الأرض وإدارة الموارد، مما قد يخلق فجوة ديموغرافية واجتماعية خطيرة في منطقة حدودية حساسة.

 

ديون لا تنتهي: بيع الأصول لسداد الفوائد

 

تأتي هذه الصفقة في توقيت حرج، حيث تواجه مصر استحقاقات ديون خارجية ضخمة تتجاوز 55 مليار دولار في عام 2025/2026.

 

وهذا يكشف أن الدافع الحقيقي وراء بيع رأس بناس (بعد رأس الحكمة) ليس التنمية، بل هو "الإفلاس المقنع". الحكومة تبيع أصولاً لا تعوض (أراضٍ بكر، شواطئ نادرة) للحصول على "الكاش" السريع لتسكين الدائنين مؤقتاً.

 

هذه السياسة الانتحارية تعني أن الأجيال القادمة سترث دولة بلا أصول، وستتحول مصر من مالك لأرضها إلى "مستأجر" عند الصناديق السيادية.

 

المليارات الـ 42 المتوقعة ستذوب في محرقة الديون وسد عجز الموازنة، ولن يتبقى منها شيء لبناء مصانع أو مدارس، لتعود الحكومة بعد عام أو اثنين للبحث عن "رأس" جديدة لقطعها وبيعها، حتى لا يتبقى في الجسد المصري ما يمكن بيعه سوى السيادة نفسها.

 

 

 

https://x.com/engazatmasr2020/status/2004973799863669074