في مشهد يعيد للأذهان دور "الأذرع الإعلامية" كأدوات لتمرير الرسائل السياسية وتصفية الحسابات بين مراكز القوى، عاد الإعلامي عماد الدين أديب إلى واجهة الجدل المصري، مستخدماً منصة شقيقه عمرو أديب في برنامج "الحكاية" عبر قناة (إم بي سي مصر) السعودية.

 

الظهور لم يكن مجرد تحليل عابر، بل بدا وكأنه "قفاز" ناعم لتوجيه لكمات قاسية للحكومة الحالية، حاملاً في طياته رسائل تتجاوز النقد الداخلي لتعبر عن ضغوط إقليمية ورؤى ممولين خارجيين، وهو ما أشعل معركة شرسة بينه وبين "اللجان الإلكترونية" المحسوبة على أجهزة الدولة، كاشفاً عن تصدعات في جدار التحالفات الداعمة للنظام.

 

البحث عن "رجل يقول لا".. تبرئة "الرأس" واتهام "الأدوات"

 

تمحور حديث عماد أديب حول فكرة مركزية حاولت الفصل التعسفي بين صانع القرار وفريقه التنفيذي. فقد وصف أديب الوضع الحالي بأن مصر تمتلك رئيساً "لديه طموح بلا سقف"، لكنه مكبل بفريق حكومي "يفتقر للكفاءة ولا يعرف لغة الأرقام".

 

ودعا بشكل صريح إلى ضرورة وجود رئيس حكومة "قوي" يمتلك الجرأة لقول كلمة "لا" لرئيس الدولة، ليس من باب العناد، بل من باب المشورة الفنية وتصويب المسار.

 

 

فُسرت هذه التصريحات على نطاق واسع بأنها تمهيد إعلامي للإطاحة برئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الذي بات يُنظر إليه، وفقاً لتوصيف أديب الضمني، كموظف مطيع وعاجز عن مواكبة التحديات.

 

وحاول أديب تبرير سياسات بيع الأصول والشركات المملوكة للدولة، معتبراً إياها حلاً طبيعياً للأزمة الاقتصادية ومشابهاً لما يفعله ترامب، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي تجاه التفريط في الممتلكات العامة، وإلقاء اللوم بالكامل على "سوء الإدارة" وليس "سوء السياسات".

 

تفكيك السردية: هل الشعب هو من اختار "الفشلة"؟

 

لم تمر محاولة أديب لتبرئة رأس النظام وتصدير الأزمة للحكومة دون تفنيد من المراقبين والنشطاء.

 

فقد انتقد الباحث محمد الشريف المنطق الذي يتحدث به أديب، مشيراً إلى التناقض الفج في الشكوى من ضعف الفريق الحكومي بينما يتم تجاهل حقيقة أن هذا الفريق هو اختيار منفرد لرئيس النظام.

 

وتساءل الشريف باستنكار عما إذا كان الشعب هو من اختار وزراء المجموعة الاقتصادية أو منع الخبراء من المشاركة، مؤكداً أن غياب البرلمان الفعال والمحليات وتكميم المعارضة هو السبب الحقيقي لغياب الكفاءات.

 

 

وفي السياق ذاته، رأى نشطاء آخرون أن حديث أديب يعكس عمق الأزمة، حيث اعتبر حساب (الريس بلحة) أن هذه التصريحات تمثل محاولة يائسة من "دويلة المؤامرات" (في إشارة للإمارات) لفرض وصاية اقتصادية وإنقاذ النظام عبر تغيير الوجوه، مشيراً إلى أن الفساد الهيكلي الذي يعتمد عليه النظام لشراء الولاءات سيجعل أي محاولة للإصلاح عبر تغيير الأشخاص محكومة بالفشل.


 

الرسالة الإماراتية وهجوم "السامسونج" المضاد

 

يرى محللون أن ظهور عماد أديب، المقيم في الإمارات والذي يتمتع بعلاقات وثيقة بدوائر صنع القرار هناك، يحمل رسالة خارجية واضحة.

 

فالإمارات، التي ضخت مليارات الدولارات في الاقتصاد المصري، تبدي تململاً من طريقة إدارة هذه الأموال ومن البيروقراطية التي تعطل خطط الاستحواذ والاستثمار.

 

ومن هنا، يُقرأ طلب أديب بوجود "فريق حكومي كفاءة" كشرط ضمني من المانحين لاستمرار الدعم، وضمان إدارة أصول الدولة التي يتم بيعها باحترافية تضمن عوائد للمستثمرين الجدد.

 

إلا أن هذه الرسالة قوبلت برد عنيف من الداخل، حيث تحركت "لجان الشؤون المعنوية" (المعروفة بجهاز السامسونج) لشن حملة تشهير شرسة ضد أديب.

 

نبشت هذه اللجان في ملفاته القديمة، مستعيدة قضايا شيكات بدون رصيد وديون لصحف حكومية مثل الأهرام، ومستخدمة "بوستات موحدة" تتهمه بالنصب، في محاولة لضرب مصداقيته وتصويره كصاحب مصلحة لا كمحلل.


 

وصل الهجوم إلى حد السخرية من نصائحه الاقتصادية، حيث تداول الموالون للنظام تغريدات تذكر بفشله في إدارة شركاته الخاصة، متسائلين كيف لمن عجز عن إدارة شركة أن ينصح بإدارة دولة، في إشارة واضحة إلى أن النظام، وإن كان مستعداً للتضحية بمدبولي، إلا أنه يرفض الإملاءات العلنية التي تحرجه أمام الرأي العام.

 

 

يظل المشهد ملبداً بالغيوم، فبين رغبة المانح الخليجي في "إدارة محترفة" ورغبة النظام في "أدوات مطيعة"، يقف عماد الدين أديب كترمومتر يقيس حرارة الخلافات المكتومة، بينما يدفع المواطن المصري ثمن هذه التجاذبات من واقعه الاقتصادي المتردي.