في تصريح أثار دهشة واستنكار الأوساط الحقوقية والسياسية، خرج وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بتعليقات وصفها مراقبون بـ"المنفصلة تماماً عن الواقع"، زاعماً أن أوضاع السجون في مصر شهدت تطوراً غير مسبوق لدرجة أن بعض السجناء يرفضون مغادرتها بعد انقضاء عقوبتهم ويطالبون بتمديد إقامتهم.

 

التصريح، الذي جاء في سياق محاولة الدفاع عن سجل حقوق الإنسان، تحول سريعاً إلى مادة دسمة للسخرية المريرة والنقد اللاذع على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره نشطاء ومعارضون "استخفافاً بالعقول" ومحاولة بائسة لتجميل واقع مأساوي موثق بتقارير دولية ومحلية.

 

ردود الفعل لم تقتصر على التهكم، بل فتحت ملف "تدوير المعتقلين" وظروف الاحتجاز القاسية، حيث يرى الحقوقيون أن حديث الوزير عن "رفاهية السجون" يتناقض جذرياً مع شهادات التعذيب، والإهمال الطبي، والحرمان من الزيارة التي تخرج من خلف القضبان.

 

هذه "النكتة الدبلوماسية"، كما وصفها البعض، أعادت تسليط الضوء على الفجوة الهائلة بين الخطاب الرسمي والمعاناة اليومية لآلاف المعتقلين وأسرهم.

 

بين "فنادق الوزير" وجحيم "التدوير": تفنيد المزاعم

 

أولى ردود الفعل القوية جاءت من الحقوقي أسامة رشدي، الذي شن هجوماً حاداً على الوزير، واصفاً إياه بـ"مجمّل القبح".

 

رشدي اعتبر التصريح إهانة لذكاء المصريين، مذكراً بأن السجون المصرية ليست فنادق كما يصورها الوزير، بل هي أماكن موثقة لانتهاكات جسيمة تشمل التعذيب والإخفاء القسري. وأكد أن هناك عشرات الآلاف من "الرهائن السياسيين" الذين يحلمون بالحرية، وليس بتمديد الإقامة.

 

وفي تحليل أكثر عمقاً، فسر الدكتور يحيى غنيم "سر" عدم خروج السجناء، مشيراً إلى أنهم لا يرفضون الحرية حباً في "تطور السجون"، بل خوفاً من كابوس "التدوير".

 

وأوضح غنيم أن السجين السياسي بعد انتهاء محكوميته غالباً ما يتم تلفيق قضية جديدة له وهو داخل محبسه أو في قسم الشرطة، مما يجعله يدخل في دوامة لا تنتهي من الحبس الاحتياطي، لدرجة أن البعض يفضل البقاء في مكانه على خوض رحلة العذاب إلى سجن جديد وتهمة جديدة.

 

من جانبه، علق "حزب تكنوقراط مصر" على التصريح باعتباره محاولة لإثارة الجدل، مشيراً بتهكم إلى أن الوزير يصور الأمر وكأنه إنجاز في "أسلوب التعامل مع ملف السجون"، متجاهلاً الواقع الاقتصادي والاجتماعي المرير.

 

سخرية السياسيين: "عاقبوهم بالإفراج!"

 

المفارقة في التصريح دفعت السياسيين للرد بأسلوب "الكوميديا السوداء". أيمن نور، رئيس حزب غد الثورة، اقترح بتهكم على الوزير أن يقوم بـ"معاقبة" هؤلاء السجناء المتمسكين بالبقاء عبر الإفراج عنهم رغماً عنهم، في إشارة ذكية لكشف زيف الادعاء.
https://2u.pw/j0oHao

 

أما المحامي الحقوقي جمال عيد، فقد عبر عن يأس بالغ من مستوى الخطاب الرسمي، مؤكداً أن التاريخ لن يذكر الوزير إلا بهذا "التصريح الفج" الذي يعكس بؤساً ورخصاً سياسياً، متسائلاً إلى متى سيستمر هذا الانفصال عن الواقع.
https://2u.pw/SNAQNv

 

وعلى نفس المنوال، تساءلت الدكتورة عايدة سيف الدولة بسخرية عما إذا كان هناك "فيروس جديد" أصاب الحكومة يجعلهم يرون الواقع بشكل مختلف تماماً عن بقية البشر.

 

واقع مؤلم خلف "النكتة": معاناة المعتقلين وذويهم

 

خلف ستار السخرية، يكمن واقع مأساوي لأسر المعتقلين. الباحث السياسي سيف الإسلام عيد استغل الفرصة لتذكير الوزير بقضيته الشخصية، مطالباً بتفسير لاعتقال والده كرهينة بسبب نشاط الابن السياسي، وهو ما ينسف رواية "الرفاهية والحقوق".

 

 

وفي السياق ذاته، وصف حساب "بلال" تصريحات الوزير بأنها عملية تضليل ممنهجة للشعب، واصفاً حال المعتقلين في سجون مثل العقرب، حيث يموتون ببطء في زنازين انفرادية تفتقر لأبسط مقومات الحياة، ويفقدون أبصارهم وصحتهم، بينما الوزير يتحدث عن رغبتهم في البقاء.

 

وختاماً، رأى الإعلامي هيثم أبو خليل أن التصريح وصل لمرحلة "اللامعقول"، واصفاً إياه بـ"تحشيش عابر للقارات"، في إشارة إلى أن مثل هذه الأكاذيب لم تعد تنطلي على أحد في الداخل أو الخارج.

 

كما شن حساب "تهكم هوتي" هجوماً عنيفاً على شخص الوزير، معتبراً أنه فرغ منصب الخارجية من هيبته وحوله إلى منصة للتصريحات الريفية الساذجة التي تفتقر للدبلوماسية والكياسة.

 

بينما اعتبر عبد السلام غنيم أن التصريح يستحق لقب "نكتة المساء"، واصفاً الوزير بأوصاف قاسية تعكس حجم الغضب الشعبي من الاستهانة بمعاناة المعتقلين.