في فصل جديد من فصول بيع أصول الدولة وتحويل القاهرة التاريخية إلى "بوتيك" للأثرياء، كشفت حكومة الانقلاب النقاب عن مشروع تحويل مقر وزارة الداخلية السابق بمنطقة لاظوغلي إلى مجمع فندقي وترفيهي ضخم.
المشروع الذي يُسوّق تحت شعار "إعادة استغلال الأصول"، يتضمن إنشاء فندق بسعة 364 غرفة تديره شركة "ماريوت" العالمية، إضافة إلى شقق فندقية ومتاجر ومطاعم ومناطق ترفيهية، ومن المقرر الانتهاء منه في النصف الأول من عام 2027.
هذا التحول الدراماتيكي لمبنى كان يمثل، لعقود طويلة، رمزاً لـ"هيبة الدولة" وسطوتها الأمنية، يطرح تساؤلات حادة حول فلسفة النظام في التعامل مع ذاكرة المدينة وممتلكاتها، وهل تحولت "السيادة" إلى سلعة تُعرض لمن يدفع أكثر؟
"سوبر ماركت" الأصول: بيع التاريخ لسداد الديون
التحرك الحكومي في لاظوغلي ليس معزولاً، بل هو جزء من مخطط أوسع لـ"تسييل" أصول القاهرة التاريخية، شمل سابقاً مجمع التحرير ومقر الحزب الوطني المنحل. وفي هذا السياق، حذر الخبير الاقتصادي الدكتور هاني توفيق مراراً من خطورة الاعتماد على بيع أصول الدولة كحل سهل لتوفير السيولة الدولارية وسداد الديون.
توفيق أكد في تصريحات سابقة أن "بيع أصول الدولة لمجرد توفير سيولة مؤقتة مرفوض"، مشدداً على أن هذا النهج "لن يوقف نزيف الديون" بل يُفقد الدولة مواردها الاستراتيجية ويحولها إلى "مستأجر" في بلدها.
ويرى توفيق أن الحل يكمن في جذب استثمارات إنتاجية حقيقية، وليس في التفريط في "جواهر التاج" العقارية التي لا يمكن تعويضها، لتتحول عائداتها إلى أقساط ديون تبتلعها فوائد القروض المتراكمة.
تشويه "وسط البلد": ترفيه للأغنياء وإقصاء للسكان
من الناحية العمرانية، يثير المشروع مخاوف جدية حول تغيير هوية وسط القاهرة. الباحث والمصمم العمراني أحمد زعزع، المعروف بدفاعه عن الحق في المدينة، سبق أن انتقد السياسات التي تتعامل مع المناطق التاريخية بمنطق "المطور العقاري" الذي يسعى لتعظيم الربح على حساب القيمة الاجتماعية والثقافية.
زعزع وغيره من المعماريين يرون أن تحويل مباني الوزارات إلى فنادق ومراكز ترفيهية مغلقة يخلق "جزرًا منعزلة" للأثرياء والسياح وسط نسيج عمراني يعاني سكانه الأصليون من تدهور الخدمات.
فبدلاً من إعادة تأهيل هذه المباني لتكون مراكز ثقافية أو خدمية عامة تخدم المجتمع وتخفف الزحام، يتم "سلعنتها" لتصبح حكراً على نخبة قادرة على الدفع، مما يهدد بطرد السكان والأنشطة التقليدية عبر ما يعرف بـ"الاستطباق" (Gentrification)، حيث ترتفع تكلفة المعيشة والإيجارات في المنطقة المحيطة بما يفوق قدرة أهلها.
بيروقراطية الفشل: هل يلقى "لاظوغلي" مصير "مجمع التحرير"؟
ورغم الوعود البراقة بآلاف فرص العمل والعوائد المليارية، فإن التجارب السابقة لا تدعو للتفاؤل. فقد كشفت تقارير صحفية عن تعثر تحالفات استثمارية سابقة في تطوير "مجمع التحرير" بسبب البيروقراطية وتخبط القرارات، مما أدى إلى انسحاب مستثمرين وتوقف أعمال.
الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد، أشار في سياق مشابه إلى أن "بيروقراطية الجهاز الحكومي وتعدد أسعار الصرف" ساهما في تباطؤ تنفيذ مشاريع خصخصة الأصول.
المخاوف تتجدد الآن مع مشروع لاظوغلي: هل ستنجح الحكومة في إدارته بشفافية وكفاءة، أم سيتحول إلى "ورشة مفتوحة" لسنوات، تستنزف الموارد وتزيد من فوضى وسط البلد، لتنتهي ببيع المبنى "برخص التراب" لمستثمر أجنبي، بينما يظل المواطن المصري هو الخاسر الأكبر، فاقداً لذاكرة مدينته وحقه في ثرواتها؟

