رسمت مصر خطوطًا حمراء حاسمة تحمي مؤسسات الدولة السودانية وتحافظ على معايير الأمن القومي المصري، تزامنًا مع زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى القاهرة الخميس الماضي. وشملت هذه الخطوط التلويح بإمكانية تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، إضافة إلى رفض أي تقسيم للسودان أو إنشاء كيانات موازية.

 

ورغم حدة التصعيد المصري التي جاءت في بيان رئاسي شديد اللهجة، تجنبت قوات الدعم السريع التعليق رسميًا، فيما اعتبرت مصادر داخلها أن التحركات الإقليمية الأخيرة للبرهان، وعلى رأسها زيارته للقاهرة، تشكل تصعيدًا سياسيًا وأمنيًا خطيرًا يزيد من تعقيد الأزمة ولا يفتح أفقًا حقيقيًا لإنهاء الحرب، وفق ما نقلته "مدى مصر".

 

مسؤول استخباراتي سوداني سابق أوضح أن اتفاقية الدفاع المشترك لا تزال سارية، وتعمل وفق مراحل متدرجة تتناسب مع حجم التهديد. وخلال الحرب، قدمت مصر دعمًا للجيش السوداني، وتدخلت مباشرة في بعض المراحل، من بينها تنفيذ غارات جوية محدودة وغير معلنة في أكتوبر 2024، إلى جانب مساعدة الجيش السوداني على استعادة مواقع استراتيجية بولاية سنار، وفق ما أكده مسؤول مصري في وقت سابق.

 

في المقابل، حرصت القاهرة على توخي الحذر في تدخلها المباشر، تفاديًا لأي رد فعل عنيف محتمل من الإمارات، الحليف الرئيسي لـ«الدعم السريع» والداعم المالي الرئيس لحكومة السيسي خلال العقد الماضي، وفق مسؤول مصري آخر تحدث في وقت سابق. وشكّلت هذه الحسابات عنصرًا أساسيًا في تقديرات المسؤولين المصريين حول كيفية الاستجابة للأزمة التي أعقبت سقوط الفاشر.

 

وعقب سقوط المدينة في أواخر أكتوبر الماضي، توسّع دور مصر من خلال التنسيق العملياتي مع تركيا، شمل المراقبة وجمع المعلومات والتعاون الميداني في شمال دارفور وكردفان، وفقًا لأربعة مسؤولين مصريين.

 

وأوضح أحدهم أن المرحلة الأولى من هذا التنسيق استهدفت قطع طرق الإمداد ومنع وصول شحنات عسكرية إلى قوات الدعم السريع من جنوب شرق ليبيا، فيما أشار مسؤول آخر إلى أن الطائرات التركية المسيرة شنت ضربات على هذه الطرق بدعم لوجستي من قواعد جوية مصرية وسودانية.

 

مصدر في مستشارية «الدعم السريع» قال - عقب زيارة البرهان الأخيرة للقاهرة - إن القوات على علم بحجم الدعم المصري للجيش السوداني، خصوصًا بعد استيلائهم على الفاشر. واتهم المصدر القاهرة بنقل دعمها للحكومة السودانية من السر إلى العلن، واصفًا الخطوة بأنها بمثابة إعلان حرب على قوات الدعم السريع، مجددًا دعوة قائد «الدعم السريع» إلى إجراء حوار مباشر مع الجانب المصري بدلًا من التدخل العسكري في الشأن السوداني.

 

وقال مصدر عسكري في قوات الدعم السريع مقرب من نائب القائد، عبد الرحيم دقلو، إلى جانب قيادي آخر في نيالا: إن أي تحرك لتفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك بين قيادة الجيش السوداني ومصر يُنظر إليه داخل القوات باعتباره ترتيبات أحادية تقوّض فرص التوصل إلى حل سياسي. وأضاف مصدر ثالث في «الدعم السريع» : إن القوات تتابع تطورات العلاقة السودانية–المصرية «بحذر»، مضيفًا أنه أولى بدول الجوار أن تضغط على البرهان لوقف القتال.

 

وتُعد مصر أحد أطراف «الرباعية»، المعنية بالمسار الدبلوماسي بشأن السودان، بقيادة الولايات المتحدة، وعضوية السعودية والإمارات، وقدمت الرباعية سلسلة مقترحات لوقف إطلاق النار منذ سبتمبر الماضي. وفي أعقاب سقوط الفاشر، اجتمع وزير خارجية السيسي، بدر عبد العاطي، بالبرهان في بورتسودان، وركّزت مباحثاتهما على التوصل إلى وقف إنساني لإطلاق النار، وفق مصدر مطلع.

 

وعقب عودة البرهان من القاهرة، صرح وكيل وزارة الخارجية السودانية، معاوية عثمان خالد، أن السيسي والبرهان ناقشا إعادة تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان لمواجهة التحديات الأمنية الراهنة، في ظل توتر إقليمي ودولي متصاعد.

 

وتعود الاتفاقية الأصلية إلى عام 1976، حين وقّعها الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، ونظيره السوداني، جعفر نميري، بهدف تنسيق الجهود الدفاعية وحماية أمن البلدين، فيما جرى تحديثها عبر بروتوكولات أمنية وعسكرية وُقعت في عام 2021 شملت التدريب المشترك وتأمين الحدود وتبادل الخبرات، فضلًا عن مناورات مثل «نسور النيل 2» و«حارس الجنوب-1».

 

وتأتي زيارة البرهان إلى القاهرة ضمن سلسلة تحركات إقليمية شملت لقاءه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ورئيس إريتريا، أسياس أفورقي، في محاولة لحشد دعم إقليمي يعزز قدراته العسكرية قبل بداية العام الحالي. وفي هذا السياق، قال مصدر أمني سوداني: إن هناك تخوفًا من أن تؤدي أي توترات بين إثيوبيا وإريتريا إلى تعقيد موقف الجيش السوداني، حيث يمكن أن تشكل جبهة الفشقة تحديًا جديدًا للقيادة العسكرية.

 

وفي نوفمبر 2020، وبعد أيام من اندلاع الحرب بين الحكومة المركزية في إثيوبيا وجبهة تحرير شعب تقراي، قاد الجيش السوداني عملية عسكرية في مثلث الفشقة الواقع في ولاية القضارف شرقي البلاد على الحدود الدولية مع إثيوبيا استعاد بموجبها أكثر من 90% من المساحة الكلية للمنطقة الزراعية، التي كانت تسيطر عليها مليشيات موالية إثيوبية بدعم من حكومتها منذ منتصف التسعينيات.

 

وقال المصدر الأمني إن إثيوبيا اتهمت السودان سابقًا بدعم جبهة تحرير تقراي، مشيرًا إلى أنه في حال اندلعت أي مواجهات عسكرية، فإن احتمالية توغل قوات إثيوبية في الحدود المحاذية لإثيوبيا واردة.

 

وفي سياق الانعكاسات الداخلية للصراع، يسعى البرهان إلى دفع رئيس الوزراء، كامل إدريس، لإجراء تعديلات في حكومته للاستجابة للظروف العسكرية، حيث يرغب البرهان في توجيه مزيد من الدعم المالي للأعمال العسكرية، حسبما قال مصدر أمني سابق في جهاز المخابرات السوداني، مشيرًا إلى أن الجيش يسعى إلى تحويل مجهوداته العسكرية لمناطق كردفان، ما يتطلب تمويلًا إضافيًا سينعكس على الموازنة العامة وترتيبات الحكومة.