في صباحٍ ثقيل بالصمت والأسئلة، تبدأ واحدة من أكثر القضايا إيلامًا في ملف حقوق الإنسان، حين اختفى طالب الهندسة المتفوق عمرو إبراهيم متولي قسريًا في الثامن من يوليو 2013، عقب أحداث شارع الطيران بالقاهرة. اتصال هاتفي أخير أجراه عمرو مع أسرته كان العلامة الأخيرة على وجوده، قبل أن ينقطع صوته تمامًا، ويبدأ فصل طويل من الغياب القسري الممتد لأكثر من 12 عامًا دون أثر، ودون اعتراف رسمي، ودون عرض على أي جهة قضائية.
منذ تلك اللحظة، دخلت الأسرة في دوامة بحث لا تنتهي. أبواب أقسام الشرطة، المستشفيات، السجون، النيابات، وكل الجهات الممكنة، كانت محطات متكررة في رحلة والدته ووالده، المحامي والحقوقي إبراهيم متولي، الذي لم يقبل أن يتحول اختفاء نجله إلى رقمٍ عابر في سجل المنسيين. الإجابة كانت واحدة، تتكرر ببرود: «مش عندنا».
طالب متفوق… ومصير مجهول
كان عمرو شابًا في مقتبل العمر، معروفًا بتفوقه الدراسي وطموحه الأكاديمي، ولم يكن اسمه مرتبطًا بأي قضايا جنائية أو نشاط عنيف. ورغم ذلك، اختفى دون سند قانوني، ودون إخطار رسمي، في نمطٍ يتكرر مع مئات الحالات التي لم تجد طريقها إلى العدالة. مرّت السنوات، وتراكمت الأسئلة: أين عمرو؟ هل هو حي؟ هل عُرض على جهة تحقيق؟ هل تلقّت أسرته أي إخطار رسمي؟ أسئلة بقيت بلا إجابة.
أب يحوّل الألم إلى قضية عامة
رفض إبراهيم متولي الاستسلام. وبصفته محاميًا وحقوقيًا، حوّل فاجعته الشخصية إلى جهد جماعي، فأسّس رابطة أسر المختفين قسرًا، لتكون منصة صوتية وقانونية لعائلات تشترك في المأساة نفسها. جمع الشهادات، وثّق الوقائع، ورفع المذكرات، وسعى لإيصال الصوت إلى كل جهة محلية ودولية معنية.
لم يكن هدفه البحث عن ابنه وحده، بل كشف نمط الانتهاك، والمطالبة بآلية مساءلة تضع حدًا لجريمة مستمرة تُعرّفها المواثيق الدولية باعتبارها من أخطر الانتهاكات، لما تنطوي عليه من احتجاز خارج القانون، وإنكار للوجود، وحرمان من الضمانات الأساسية.
من البحث إلى السجن
في عام 2017، وبينما كان يستعد للسفر إلى جنيف لعرض قضية ابنه وقضايا المختفين قسرًا أمام آليات الأمم المتحدة، أُوقف إبراهيم متولي في مطار القاهرة. الرجل الذي قضى سنوات يبحث عن ابنه، أصبح هو نفسه رهن الاحتجاز. ومنذ ذلك الحين، لا يزال خلف القضبان، في مفارقة قاسية تلخّص حال ملف كامل: من يطالب بالحقيقة يُعاقَب، ومن يسأل يُحاسَب.
سنوات تمر.. والغياب مستمر
أكثر من 12 عامًا على اختفاء عمرو، وأكثر من 8 أعوام على احتجاز والده. لم تتلقَّ الأسرة أي إخطار رسمي بمصير الابن، ولم تُعرض القضية على قضاء مستقل يكشف الحقيقة. ومع مرور الوقت، تتضاعف معاناة العائلة نفسيًا واجتماعيًا، فيما يبقى الملف مفتوحًا بلا أفق، وتبقى العدالة مؤجلة.
قضية تتجاوز الأسرة
لا تقف قصة عمرو وإبراهيم عند حدود مأساة عائلية. إنها نموذج صارخ لجريمة الاختفاء القسري بوصفها سياسة تُخلّف ضحايا مباشرين وآخرين غير مباشرين، من أسر تعيش على الانتظار، وأطفال يكبرون بلا يقين، وآباء وأمهات يشيخون على أمل خبر.
في كل عام يمر، تتجدد المطالبات بالكشف عن مصير المختفين قسرًا، وضمان حق الأسر في المعرفة، والإفراج عن المحتجزين بسبب نشاطهم الحقوقي، وعلى رأسهم من تحوّلوا إلى رموز لأنهم تمسّكوا بسؤال بسيط: أين أبناؤنا؟

