محمود علوش
باحث في العلاقات الدولية
أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تفاؤلا بشأن دور بلاده في قطاع غزة، عندما أعلن في التاسع من أكتوبر الجاري أن تركيا ستشارك في قوة دولية لمراقبة وقف إطلاق النار، وفقا لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
استند أردوغان في تفاؤله إلى مشاركة أنقرة، إلى جانب الدوحة، والقاهرة، وواشنطن، في رعاية اتفاق لإنهاء الحرب في غزة، فضلا عن العلاقة الوثيقة التي تربطه بنظيره الأميركي.
غير أن طموح تركيا بالمساهمة في ترتيبات ما بعد الحرب في غزة يصطدم بمعارضة إسرائيلية صلبة. فقد أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، في 27 أكتوبر/تشرين الأول، أن تل أبيب أبلغت واشنطن رفضها مشاركة تركيا في القوات الدولية المزمع نشرها في القطاع، مستندة إلى موقف أنقرة المناهض بشدة لإسرائيل خلال الحرب.
على الرغم من تقدير الرئيس ترامب لدور أردوغان في إنجاح المرحلة الأولى من خطته بشأن غزة، يبقى من غير الواضح ما إذا كان مصمما على إدراج تركيا ضمن القوات الدولية في القطاع.
وتشير تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، خلال زيارته الأخيرة إسرائيل، إلى ضرورة موافقة تل أبيب على الدول المشاركة في هذه القوات، مما يوحي بميل إدارة ترامب لمراعاة الرفض الإسرائيلي مشاركةَ تركيا.
ولا يُعد موقف إسرائيل مفاجئا، إذ سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على مدى عامين من الحرب، إلى تهميش دور تركيا في جهود الوساطة، رافضا إشراكها في إيصال المساعدات إلى غزة.
يعود ذلك جزئيا إلى مواقف أردوغان المنددة بشدة بإسرائيل، ودعمه الصريح لحركة حماس، إلى جانب الإجراءات العقابية التي اتخذتها أنقرة ضد تل أبيب، مثل تعليق العلاقات التجارية معها، والانضمام إلى جهود إدانتها في المحافل الدولية.
ومع ذلك، هناك أسباب أعمق تدفع إسرائيل لرفض مشاركة تركيا في القوات الدولية. فالتوترات المستجدة في العلاقات التركية-الإسرائيلية، التي تفاقمت بسبب الحرب على غزة، تستند إلى عقد ونصف من الاضطرابات في هذه العلاقات.
كما أن تركيا، في عهد أردوغان، باتت ملاذا لعدد من قيادات حماس. ويضاف إلى ذلك التناقض الحاد في المصالح بين تركيا وإسرائيل في سوريا، خاصة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد قبل أقل من عام.
علاوة على ذلك، يرى نتنياهو أن منح تركيا دورا في غزة يُعد مكافأة لها على مواقفها المعادية لإسرائيل، ولموقف أردوغان الداعم لحماس، بل وللحركة نفسها.
والأهم من ذلك، أن هذا الدور قد يعزز نفوذ تركيا في القضية الفلسطينية، بينما يسعى أردوغان للاستفادة من مشاركته في خطة ترامب لتعزيز مواقفه في مفاوضاته مع واشنطن بشأن قضايا أخرى، مثل سوريا، ومشتريات الأسلحة، وغيرها.
إن فكرة أن تصبح تركيا طرفا مؤثرا بشكل مباشر في تشكيل ديناميكيات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي كانت، حتى وقت قريب، أمرا يصعب تصوره.
بالنسبة لإسرائيل، فإن قبول هذه الفكرة يتعارض مع مساعيها لإبقاء تركيا على هامش القضية الفلسطينية، كما يقوض جهودها لإخراج حماس من معادلة الصراع، إذ يُنظر في تل أبيب إلى العلاقة بين تركيا وحماس كعقبة رئيسية أمام هذه الجهود.
إلى جانب ذلك، فإن طرح تركيا تصورا يقوم على إقامة دولة فلسطينية مقابل تخلي حماس عن سلاحها، يتحدى هدف إسرائيل المتمثل في نزع سلاح حماس وإخراجها من غزة دون تقديم أي تنازلات تتعلق بمشروع الدولة الفلسطينية.
لهذه الأسباب، يبدو منطقيا أن ترفض إسرائيل مشاركة القوات التركية في مراقبة وقف إطلاق النار في غزة، وأن تنضم إلى الجهود الدبلوماسية العربية التي تسعى للاستفادة من خطة ترامب؛ لإعادة إحياء مشروع الدولة الفلسطينية.
ومع ذلك، لدى ترامب دوافع عديدة تدعوه للتفكير في مزايا إشراك تركيا في ترتيبات ما بعد الحرب في غزة. فمن ناحية، يسعى للاستفادة من العلاقة بين تركيا وحماس لإنجاح خطته، والتي أثبتت قيمتها الإستراتيجية في جهود واشنطن لإنهاء الحرب.
ومن ناحية أخرى، يأمل ترامب أن يسهم هذا الإشراك في تخفيف التوترات بين حليفين رئيسيين لواشنطن في الشرق الأوسط، لا سيما أن هذه التوترات تشكل عقبة أمام أهدافه الإقليمية، بما في ذلك سياسته في دول مثل سوريا.
فضلا عن ذلك، يرى ترامب أن تلبية طموحات أردوغان في غزة قد تكون حافزا إضافيا له للتعاون مع واشنطن في قضايا إقليمية ودولية، مثل سوريا، والحرب الروسية الأوكرانية، ولتعزيز علاقاته مع الغرب على حساب تقليص تعاملاته مع روسيا.
تُبرز خطة ترامب في غزة قدرته على التأثير في سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الحرب.
ويبدو أن رهان أردوغان على إزالة الفيتو الإسرائيلي يعتمد أولا على النفوذ الذي يمكن أن يمارسه ترامب على نتنياهو لإقناعه بمزايا المشاركة التركية، وثانيا على تمسك حركة حماس بهذه المشاركة لمواصلة الانخراط في خطة ترامب، وثالثا على التعاون التركي- القطري- المصري الذي كان له إسهام كبير في التأسيس لبيئة قادرة على إنهاء عامين من هذه الحرب.
مع ذلك، فإن الهواجس الإسرائيلية العميقة من حضور تركيا في معادلة غزة، تُقوض بشكل حاد طموحات أردوغان، وقد تتفوق في نهاية المطاف على حساب ترامب في غزة، وعلى علاقته مع أردوغان.

