في خطوة غير معلنة مسبقًا، توجّه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي اليوم إلى المملكة العربية السعودية في زيارة وُصفت بأنها الأكثر غموضًا وخطورة في العلاقات بين البلدين منذ سنوات. ما يلفت الانتباه أن الزيارة لم تحظَ بالتغطية الإعلامية المعتادة من الجانب السعودي، حيث خلت الصفحات الرسمية من صور الاستقبال أو تصريحات دافئة كما جرت العادة في اللقاءات السابقة. هذه السرية والتجاهل الإعلامي تطرح تساؤلات: ما الذي يحدث خلف الكواليس؟ ولماذا هذه الزيارة الآن؟
خلفية التوتر بين القاهرة والرياض: من التنسيق إلى البرود
العلاقات المصرية السعودية مرت بتحولاتملحوظة خلال السنوات الماضية. فمنذ انقلاب يوليو 2013، كانت المملكة الداعم الأكبر لنظام السيسي سياسيًا وماليًا، لكن هذه العلاقة بدأت تتعرض لاهتزازات منذ 2021.
أبرز الملفات الخلافية تمثلت في:
- قضية تيران وصنافير التي أشعلت غضبًا شعبيًاواسعًا داخل مصر، رغم أنها تمت بإصرار سعودي وضغوط مالية على القاهرة.
- ملف اليمن، حيث لم تلتزم مصر بتقديم دعم عسكري فعّال للتحالف بقيادة الرياض.
- الأزمة الاقتصادية المصرية، إذ تراجعت الرياض عن سياسة الدعم غير المشروط، وربطت أي مساعدات مالية بإصلاحات اقتصادية جادة وخصخصة الأصول.
- الموقف من التطبيع مع إسرائيل، حيث تسعى السعودية لتسوية شاملة بينما تظل القاهرة تبحث عن دور إقليمي يحفظ نفوذها.
هذه الملفات دفعت الرياض لإعادة تقييم سياستها تجاه القاهرة، بينما وجد السيسي نفسه أمام واقع اقتصادي خانق وانكماش في المساعداتالخليجية.
زيارة مفاجئة في توقيت حساس.. ما وراء الكواليس؟
الزيارة المفاجئة تحمل مؤشرات على وجود ملف عاجل وخطير يهدد العلاقات. التحليل الأولي يشير إلى ثلاثة احتمالات:
أزمة مالية مصرية حرجة دفعت السيسي لمحاولةإقناع الرياض بضخ استثمارات عاجلة، خاصة بعد فشل مفاوضات مع صندوق النقد الدولي في تسريع القروض.
ضغط سعودي بشأن التزامات سياسية وأمنية،ربما تتعلق باليمن أو التنسيق الإقليمي مع إسرائيل، في ظل مساعي واشنطن لتشكيل تحالفات شرق أوسطية.
خلاف حول ملف الغاز والطاقة بعد تحركاتمصرية منفردة في شرق المتوسط وتوترات حول مشروع الربط الكهربائي.
المثير أن الإعلام السعودي تجاهل اللقاء بشكل شبه كامل، وهو أمر غير معتاد في بروتوكول العلاقات الثنائية. هذا الصمت يفتح الباب لتأويلات واسعة، أبرزها أن الرياض تريد توصيل رسالة غضب دون الإعلان عنها.
صمت الإعلام السعودي.. رسالة سياسية أم بروتوكول جديد؟
التجاهل الإعلامي لا يمكن اعتباره مجردصدفة. ففي الزيارات السابقة، كانت الكاميرات تلاحق كل خطوة، بينما الآن لا صور استقبال ولا تصريحات ودّية. بعض المراقبين، مثل المحلل السياسي جمال سلطان، اعتبروا أن غياب التغطية مؤشر على برود غير مسبوق، وربما وجود خلافات لم تُحل حتى لحظة الزيارة.
التجارب السابقة تثبت أن الإعلام السعودي يعكس المزاج السياسي الرسمي، لذا فإن هذا الصمت يُقرأ كرسالة حادة بأن الرياض ليستفي وضع الترحيب الكامل، وربما تنتظر تنازلات مصرية كبيرة قبل أي دعم جديد.
يا أبيض يا أسود
كما قال جمال سلطان: هذه الزيارة إما أن تنتهي بإعادة الدفء عبر تنازلات مؤلمة من القاهرة، أو تؤسس لمرحلة برود استراتيجي قدتتحول إلى قطيعة باردة.
الأيام القادمة، وردود فعل اللجان الإلكترونية، ستكشف ما إذا كان السيسي نجح في تفادي الأسوأ، أم أن الرياض أغلقت أبوابها في وجه القاهرةنهائيًا.