في صباحٍ مثقلٍ برائحة البارود وأصوات القصف، استفاق الفلسطينيون والعالم العربي على نبأ استشهاد الصحفي أنس الشريف، مراسل قناة الجزيرة في غزة، إثر استهداف مباشر من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
النبأ الذي هز الأوساط الإعلامية لم يكن مجرد رقم جديد في قائمة ضحايا العدوان، بل كان صفعة على وجه حرية الصحافة، ورسالة دموية بأن الاحتلال لا يفرق بين مقاتل أو مدني أو حامل كاميرا.
من هو أنس الشريف؟
ولد أنس الشريف في مدينة غزة عام 1994، ونشأ في بيئة فلسطينية مشبعة بروح المقاومة والإصرار على إيصال الحقيقة.
درس الإعلام في جامعة الأزهر بغزة، قبل أن ينضم إلى عدد من المؤسسات الصحفية المحلية.
تميز بأسلوبه الميداني الجريء، إذ كان دائمًا في الخطوط الأمامية لتغطية القصف والاشتباكات، متحديًا الخطر لنقل الصورة الحقيقية.
انضم لاحقًا إلى قناة الجزيرة كمراسل ميداني، وأصبح واحدًا من الوجوه البارزة التي يثق بها المشاهدون في تغطية أخبار فلسطين.
يوم الاستشهاد
في يوم استشهاده، كان أنس يغطي تداعيات قصف إسرائيلي على حي الزيتون شرق غزة.
وبحسب زملائه، كان يرتدي الدرع الصحفي والخوذة، لكن رصاصة قناص إسرائيلي أو شظية قصف موجهة أصابته بشكل قاتل، في مشهد يتكرر في حرب الاحتلال ضد الإعلاميين الفلسطينيين منذ سنوات.
كيف نعى الصحفيون زميلهم؟
تدفقت كلمات الحزن والغضب على منصات التواصل الاجتماعي فور إعلان نبأ استشهاده. الإعلاميون والصحفيون من مختلف الدول العربية أطلقوا وسم #أنس_الشريف، الذي تصدر قائمة الأكثر تداولًا خلال ساعات.
وليد العمري، مدير مكتب الجزيرة في فلسطين، كتب:
"أنس لم يكن زميلًا فحسب، بل كان أخًا وأحد أعمدة التغطية في غزة. استشهد وهو يؤدي واجبه بضمير حي."
ياسر أبو هين، رئيس تحرير وكالة "الرأي" بغزة، قال:
"أنس كان الصوت الذي ينقل الحقيقة من تحت الركام، واليوم أصبح هو جزءًا من القصة التي كان يرويها."
الإعلامية خديجة بن قنة غرّدت:
"كلما فقدنا صحفيًا في فلسطين، فقدنا عينًا ترى، وقلبًا ينبض بالحرية. رحمة الله على أنس الشريف."
أصداء عربية ودولية
لم يقتصر النعي على الصحفيين الفلسطينيين؛ فقد شارك إعلاميون من لبنان والأردن والمغرب ومصر في التعبير عن صدمتهم.
الإعلامي الأردني ياسر الزعاترة كتب:
"أنس الشريف لم يحمل بندقية، حمل كاميرا. الاحتلال يخشى الكاميرا أكثر من الرصاص."
الصحفي اللبناني جورج غانم قال:
"الاحتلال يرتكب جريمة موصوفة بقتل المراسلين. أنس هو شهيد الحقيقة، وضحية إفلات إسرائيل من العقاب."
لماذا استهداف الصحفيين؟
يرى خبراء حقوق الإنسان أن استهداف أنس الشريف يأتي في سياق سياسة إسرائيلية ممنهجة لإسكات الصوت الفلسطيني. فوفقًا لتقارير منظمات دولية، قُتل أكثر من 130 صحفيًا فلسطينيًا منذ عام 2000، كثير منهم أثناء ارتداء الزي الصحفي المعتمد.
وتؤكد مراسلون بلا حدود أن هذه الجرائم غالبًا ما تمر دون أي محاسبة، مما يشجع على تكرارها.
حياة مهنية قصيرة.. لكنها مؤثرة
رغم أن عمره الصحفي لم يتجاوز 10 سنوات، إلا أن أنس ترك بصمة واضحة في تغطية أحداث غزة، خاصة الحروب المتعاقبة منذ 2014. كان معروفًا بقدرته على سرد القصص الإنسانية وسط الدمار، وإبراز وجوه الضحايا بكرامة، بعيدًا عن الإثارة الفارغة.
الوصية الأخيرة: رسالة شهادة وأمل
نُشرت وصية الشهيد أنس الشريف، المكتوبة بتاريخ 6 أبريل 2025، بعد استشهاده، ككلمات أخيرة إلى شعبه:
"إن وصلتكم كلماتي هذه... فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي"
توصية بـ "فلسطين... درة تاج المسلمين ونبض قلب كل حر" وأهلها وأطفالها المظلومين
نداء بعدم الخضوع للقيود أو الحدود، وبناء جسور نحو الحرية والكرامة.
وصايا لأفراد عائلته: ابنته شام وابنه صلاح، والدته، وزوجته "أم صلاح"، الإثنان رائدتا صبر وأمل
اختتام بالثبات على المبدأ والرضا بالقضاء، مع التمسك بالرسالة الجامعة نحو الكرامة والحرية
لحظاته الأخيرة: تغطية العدوان وتحذيرها الأخير
قبل ساعات من مقتله، نشر الشريف رسالة مؤثرة باللغة الإنجليزية عبر حسابه على "X"، وصف فيها حالة القصف المكثّف باستخدام "أحزمة نارية" على مدينة غزة، وخاطب العالم برسالة تحذير:في فيديو سابق، أطلق تصريحًا مؤثرًا عقب استشهاد زميله أنس الغول، مؤكّدًا أنه سيكمل المسيرة رغم الخطر.
الجنازة ورسائل الوداع
شيّع آلاف الفلسطينيين جثمان أنس في جنازة مهيبة بغزة، حيث لفّ جسده بالعلم الفلسطيني ودرعه الصحفي.
خلال الجنازة، علت الهتافات المنددة بالاحتلال، والمطالبة بمحاسبته أمام المحاكم الدولية.
كانت دموع والدته وأشقائه مشهدًا موجعًا، فيما رفع زملاؤه الكاميرات في الهواء تحية لروحه.
https://x.com/i/status/1954731894194802954
المؤسسات الإعلامية ترفع الصوت
قناة الجزيرة أصدرت بيانًا شديد اللهجة، حملت فيه الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن اغتيال أنس، وطالبت المجتمع الدولي بتحقيق عاجل.
من جانبها، قالت نقابة الصحفيين الفلسطينيين إن استشهاد أنس الشريف لن يثني الإعلاميين عن أداء واجبهم، بل سيزيدهم إصرارًا على كشف الحقيقة.
أثر استشهاده على الرأي العام
حادثة اغتيال أنس أثارت موجة جديدة من التضامن مع الصحفيين في مناطق النزاع، وأعادت النقاش حول ضرورة توفير حماية دولية لهم. كما سلطت الضوء على ازدواجية المعايير الغربية التي تغض الطرف عن جرائم الاحتلال بحق الإعلاميين.
وفي النهاية فإن رحيل أنس الشريف ليس نهاية الحكاية، بل فصل جديد في ملحمة الصحافة الفلسطينية، التي تدفع دمًا في سبيل الحقيقة. سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة كل من آمن بأن الكلمة قد تهزم الرصاصة، وأن الصورة قد تفضح القاتل مهما طال الزمن.