في خطوة وصفتها حكومة مصطفى مدبولي بالإصلاحية بينما خبراء وطنيون وصفوها بالتنازل عن أصول الدولة، تتحرك الحكومة بسرعة متزايدة نحو تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، بعد اجتماعات حاسمة مع ممثلي صندوق النقد الدولي.

 

وبينما تصف الحكومة هذه التحركات بأنها استجابة ضرورية للمتطلبات الاقتصادية ولضمان دعم الصندوق، يرى مراقبون وخبراء اقتصاديون أن تسريع بيع الأصول – خاصة في قطاعات استراتيجية – قد يحمل آثارًا بعيدة المدى على مستقبل الاقتصاد الوطني والسيادة الاقتصادية. هذا التقرير يستعرض تفاصيل الخطة الحكومية كما وردت في تقارير إعلامية، مع قراءة نقدية لأبعاد هذه التوجهات.


مضاعفة البرنامج: من 35 إلى 50 شركة


كشفت مصادر حكومية لموقع إنتربرايز عن مضاعفة عدد الشركات المستهدفة في برنامج الطروحات من 35 إلى 50 شركة مملوكة للدولة. ووفقًا للمصادر، تتجه الحكومة نحو منهجية جديدة تركز على توسيع مشاركة رأس المال الخاص، بدلاً من الاعتماد فقط على الصفقات الاستراتيجية.


ويعد رفع عدد الشركات إلى 50 بحسب خبراء يعكس تحولًا جذريًا في النظرة الحكومية لمفهوم "ملكية الدولة" لأصولها، حيث تُفتح قطاعات واسعة أمام الاستثمارات الخاصة، بعضها سيادي وحساس. الأسئلة الكبرى التي تطرح هنا: ما الضمانات على عدم فقدان السيطرة على قطاعات استراتيجية؟ وهل تم تقييم هذه الأصول بدقة قبل الطرح؟


استهداف قطاعات استراتيجية


تستهدف الخطة الجديدة قطاعات رئيسية مثل الطاقة والاتصالات والتأمين والمطارات، عبر مزيج من الإدراجات في البورصة والعروض التنافسية. تليها طروحات في قطاعات الأسمدة والسكر والبتروكيماويات، فيما تقدم الحكومة أيضًا منصة ترويج رقمية لتسويق الطروحات مستقبلًا.


ويقول خبراء إن قطاعات مثل الاتصالات والمطارات والتأمين ليست مجرد قطاعات ربحية، بل ترتبط مباشرة بالأمن القومي والخدمات العامة الأساسية. فتح هذه القطاعات أمام القطاع الخاص، وربما لمستثمرين أجانب، قد يعني التخلي عن مفاتيح رئيسية في التحكم في البنية التحتية والخدمات السيادية.


صفقة محطة جبل الزيت: النموذج الجديد؟


يُعاد تشغيل البرنامج الشهر المقبل بطرح حصة في محطة جبل الزيت لطاقة الرياح، وهي من المشروعات الرئيسية. وتستهدف الحكومة إدراج 30-40% من المحطة بحلول نهاية العام، في صفقة قد تجمع ما يصل إلى 400 مليون دولار.


ويرى الخبراء أنه رغم أهمية جذب التمويل، فإن بيع أصول طاقة متجددة – خاصة مشروع مثل جبل الزيت – يمثل خروجًا عن التوجه العالمي بتمكين الدول من السيطرة على مصادر الطاقة النظيفة. السؤال المطروح هنا: هل الـ400 مليون دولار تستحق التخلي عن حصة كبيرة في مشروع استراتيجي ومستقبلي كهذا؟


لضمان قرض صندوق النقد: تسارع لا مفر منه؟


تهدف الحكومة إلى تسريع وتيرة الطروحات لإنهاء المراجعتين الخامسة والسادسة من برنامج صندوق النقد، تمهيدًا للحصول على 2.5 مليار دولار في ديسمبر المقبل. وكانت المراجعة الخامسة مؤجلة منذ يوليو، ما أدى إلى ضغوط على الحكومة لاستكمال البرنامج.


ويعدرهن الأصول المصرية مقابل صرف شريحة من قرض بقيمة 2.5 مليار دولار بحسب الخبراء هو وضع علامات استفهام كبرى حول جدوى هذه التنازلات. فهل نبيع أصولًا بمليارات الدولارات فقط لنحصل على قرض محدود؟ أين الخطط البديلة للإصلاح بعيدًا عن الاعتماد المزمن على الديون الخارجية؟


وعود بمواصلة بيع الأصول


بحسب مصدر بوزارة المالية لموقع المنصة، فإن الاتفاق مع الصندوق يتضمن الاستمرار في التخارج من قطاعات استثمارية، خاصة تلك التي تنفذها جهات سيادية. وأشار المصدر إلى أن الحكومة واجهت ضغوطًا لإنهاء عمليات البيع المتأخرة.


ويلفت بعض من الخبراء أنه حتى المشروعات التي تنفذها جهات سيادية، التي يُفترض أن تُحاط بقدر أكبر من الحماية والسرية، أصبحت ضمن خطة الطروحات. التخارج من هذه القطاعات قد يعني تقليص دور الدولة في المجالات التي تحتاج تدخلًا مباشرًا للحفاظ على التوازن الاقتصادي والاجتماعي.


هل الطروحات إصلاح حقيقي أم بيع تحت الضغط؟


بدأت الحكومة في مارس 2023 برنامجًا لطرح حصص في 40 شركة وبنكًا موزعة على 18 قطاعًا اقتصاديًا. ووفقًا لتصريحات سابقة لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، نُفذت 21 صفقة بعوائد بلغت 6 مليارات دولار (دون احتساب صفقة "رأس الحكمة").


النتائج المعلنة قد تبدو مشجعة على السطح، لكن إذا ما قورنت بقيمة الأصول المملوكة للدولة، فإن الـ6 مليارات لا تعكس بالضرورة نجاحًا ماليًا، خاصة في ظل تفاقم الدين الخارجي والضغوط التضخمية. هل نحن بصدد بيع ذهبنا بأسعار السوق الحالية فقط لتجاوز أزمة وقتية؟

 

في النهاية فإن تسريع برنامج الطروحات الحكومية قد يبدو جزءًا من خطة إصلاح اقتصادي شاملة، لكنه في العمق يعكس أزمة هيكلية في تمويل الدولة، واعتمادًا متزايدًا على الدعم الخارجي. المطلوب اليوم ليس فقط إنعاش السيولة، بل بناء اقتصاد وطني مستقل ومستدام. أما بيع الأصول السيادية دون رؤية استراتيجية شاملة، فقد يكون ثمنه أكبر بكثير مما يمكن تحصيله من أي صفقة مؤقتة.