في مشهد يعكس استمرار الممارسات الانتخابية القائمة على استغلال الفقر والاحتياج، لجأ حزب "مستقبل وطن" المدعوم من حكومة السيسي مجددًا إلى توزيع طرود غذائية على الفئات الأكثر هشاشة، مقابل ضمان أصواتهم في انتخابات مجلس الشيوخ التي انطلقت صباح اليوم الاثنين، وتستمر حتى مساء الثلاثاء.

ورغم تصريحات رسمية بشأن تنظيم العملية الانتخابية في أجواء "آمنة ومنضبطة"، رصدت تقارير ميدانية إقبالاً ضعيفاً من الناخبين على أغلب اللجان الانتخابية، لا سيما في العاصمة القاهرة. وقد كشفت مشاهد ميدانية عن قيام أعضاء الحزب بافتعال زحام أمام المدارس التي تضم لجان اقتراع، عبر تجمّع عناصر الحزب وموظفين حكوميين جرى نقلهم بالحافلات إلى مواقع الاقتراع من دون تصويت فعلي، في مشهد يُراد منه فقط "التصوير الإعلامي" لصناعة صورة زائفة عن المشاركة، وفقًا لـ"العربي الجديد".

 

حافلات لنقل الموظفين

وفي هذا السياق، أفاد موظفون حكوميون بأن شركات وجهات حكومية نظّمت عمليات نقل جماعي لموظفيها للظهور أمام اللجان، ثم إعادتهم إلى مواقع عملهم دون الإدلاء بأصواتهم.

وقال أمجد إسماعيل، الموظف بشركة مطاحن جنوب القاهرة والجيزة، إن رئيس الشركة دعا الموظفين لتقسيم أنفسهم إلى مجموعتين، تذهب الأولى اليوم والثانية غدًا إلى مقار اللجان، لتصوير وجودهم هناك فقط، دون أي نية للتصويت، خصوصًا أن أغلبهم غير مسجلين انتخابيًا في نطاق لجان القاهرة.

ووفق إسماعيل، وفرت الشركة حافلتين نقلتا نحو 100 موظف إلى إحدى المدارس بشارع الهرم، حيث التقطت لهم الصور أمام اللجنة قبل إعادتهم إلى الشركة. الأمر ذاته حدث في الهيئة العامة للسلع التموينية، حسبما صرّح أحمد الماحي، الموظف في الهيئة، حيث تم نقل الموظفين بالحافلات إلى لجان في القاهرة بالتنسيق مع أمانة "مستقبل وطن"، فقط لـ"أخذ اللقطة الإعلامية"، حسب تعبيره.

 

اللقطة الإعلامية

بدوره، قال أحمد الماحي، الموظف في الهيئة العامة للسلع التموينية التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، إن الأمر ذاته تكرر في الهيئة التي يقع مقرها في شارع قصر العيني بوسط القاهرة، بعدما وفرت إدارة الهيئة ثلاث حافلات لنقل الموظفين للتصوير أمام اللجان من دون انتخاب، بالتنسيق مع أمانة حزب مستقبل وطن في القاهرة.

وأضاف الماحي أن كل ما يهم القائمين على إدارة العملية الانتخابية هو "أخذ اللقطة" عبر المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية، والترويج لوجود حشد ناخبين أمام لجان الانتخاب في مجلس الشيوخ، على خلاف الحقيقة، مشيراً إلى استغلال كثير من المرشحين حاجة الفقراء إلى المال، وعملهم على توفير احتياجاتهم الغذائية بالتزامن مع إجراء الانتخابات، أملاً في التصويت لصالحهم، وعدم مقاطعة الانتخابات.

وفي مظهر آخر من مظاهر الاستغلال السياسي للفقر، عمد الحزب إلى حشد عدد كبير من النساء، خصوصًا في المناطق الشعبية، مقابل منحهن طرودًا غذائية تحتوي على مواد تموينية أساسية مثل الزيت، والسكر، والأرز، والدقيق. وقد تعمّدت بعض السيدات إخفاء وجوههن أثناء التصوير على أبواب اللجان خشية انكشاف هويتهن أمام المجتمع المحلي.

 

مقاطعة واسعة للانتخابات

وتأتي هذه التحركات في وقتٍ شهدت فيه العملية الانتخابية مقاطعة واسعة من الناخبين، وعزوفًا من الأحزاب السياسية المستقلة عن تشكيل قوائم منافسة للقائمة الرسمية المعروفة باسم "القائمة الوطنية من أجل مصر"، التي ترشحت منفردة على المقاعد المخصصة لنظام القوائم المغلقة (100 مقعد). وتشكلت هذه القائمة برعاية مباشرة من الأجهزة الأمنية، وتضم 12 حزبًا مواليًا للنظام، أبرزها "مستقبل وطن" و"حماة الوطن" و"الجبهة الوطنية" و"الشعب الجمهوري"، وقد دفعت هذه الأحزاب وحدها بـ94 مرشحًا على النظام الفردي.

ويرى مراقبون أن العملية الانتخابية لمجلس الشيوخ، بصورتها الراهنة، تجسد أزمة سياسية أعمق تتعلق بانغلاق المشهد السياسي، واستمرار الاعتماد على أدوات الاستقطاب والولاءات، بدلاً من طرح برامج حقيقية تعبّر عن احتياجات المواطن وتضمن نزاهة تمثيله.

وتجاوزت تكلفة إجراء انتخابات مجلس الشيوخ ثلاثة مليارات جنيه (61.6 مليون دولار) في الخارج والداخل، على خلفية ارتفاع عدد أعضاء الهيئات الدبلوماسية والقضائية والموظفين الحكوميين المشرفين على الانتخابات، وزيادة قيمة البدلات المالية التي يتحصلون عليها. ولأول مرة منذ عام 2011، يشرف أعضاء من هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة على عمليات الاقتراع والفرز في انتخابات الشيوخ، بدلاً من الجهات القضائية ممثلة في القضاء العالي والنيابة العامة ومجلس الدولة، بعد تطبيق النص الدستوري الخاص بإلغاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، بمضي عشر سنوات من تاريخ إقرار دستور 2014.