أصدرت وزارة الداخلية بيانين متتاليين خلال أقل من 48 ساعة بشأن واقعة دراماتيكية هزت الرأي العام، تمثلت في اقتحام شابين مقر الأمن الوطني في منطقة المعصرة بمحافظة القاهرة، وتصوير مشاهد من داخل المبنى الأمني المحصن، ونشر مقاطع تُظهر احتجازهما لعدد من الضباط والعناصر الأمنية في أحد الزنازين.
الواقعة التي تعود إلى ظهر الجمعة الماضية، جاءت بطلاها الشابان: محسن محمد مصطفى (27 عامًا)، خريج كلية التجارة - قسم الاقتصاد بجامعة الأزهر، من سكان مدينة 15 مايو (مجاورة 7).
ابن خاله أحمد شريف أحمد عبد الوهاب (23 عامًا)، حديث التخرج من كلية التربية الرياضية دفعة 2024، ويقيم بمدينة مبارك في نفس المنطقة.
الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وفي بيان جديد صدر الأحد، حمّلت وزارة الداخلية مسؤولية الإخفاء القسري الذي يتعرض له الشابان، مؤكدة أنها تملك دلائل ميدانية وشهادات تؤكد أن الفيديوهات التي نُشرت على الإنترنت من داخل مقر الأمن الوطني "أصيلة وموثوقة"، وأن الإنكار الرسمي للواقعة ليس إلا محاولة لطمس آثار فشل أمني ذريع، يعيد فتح ملفات طالما ظلت مغلقة حول "التجاوزات داخل مقار الأمن الوطني" وشرعيتها القانونية.
مقاطع مصورة تفضح الإنكار
المشاهد التي بثها الشابان من داخل المقر لم تكن فقط صادمة، بل احتوت على معلومات دقيقة عن محتوى المكان وتركيبة الزنزانات وأسماء بعض الضباط، ما دفع عددًا من المعتقلين السابقين إلى الإدلاء بشهاداتهم للشبكة، مؤكدين أن المكان الذي ظهر في المقاطع هو بالفعل مقر الأمن الوطني بالمعصرة، الذي خضعوا فيه للاستجواب سابقًا، مما يدحض رواية الداخلية وبيانها الثاني الذي لم يتطرق صراحة لاعتقال الشابين، بل اكتفى بتعليقات غامضة على "حادث تم التعامل معه".
دوافع الاقتحام: غزة في القلب
ما يزيد من حساسية الحدث هو أن الشابين لم يتحركا بدوافع شخصية أو جنائية، بل كان هدفهما المعلن – وفق ما ورد في مقاطع الفيديو – هو إيصال رسالة احتجاج إلى النظام المصري، ومطالبته بفتح المعابر مع قطاع غزة، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، ووقف المجازر المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين هناك. وقد أشارا صراحة إلى أن ما قاما به هو "صرخة من أجل الضمير الإنساني".
ورغم أن الشابين سلّما نفسيهما طوعًا في نهاية العملية، إلا أن مصيرهما لا يزال مجهولًا حتى الآن. إذ لم تُعرض قضيتهما أمام أي جهة تحقيق، ولم تتمكن أسرتاهما أو محاموهما من التواصل معهما، ما يعزز المخاوف من احتمال تعرضهما للتعذيب، أو حتى التصفية الجسدية، وهي مخاوف واقعية بالنظر إلى سابقة تعامل أجهزة الأمن مع قضايا مشابهة.
مداهمات واعتقالات تعسفية
ووفقًا لما وثقته الشبكة، فقد شنت قوات الأمن عقب الاقتحام حملة مداهمات واسعة استهدفت مساكن أقارب وأصدقاء الشابين:
داهمت شقة محسن محمد في 15 مايو دون العثور على أحد.
واقتحمت منزل أحمد شريف، حيث روعت والدته وكسرت محتويات المنزل.
وجرى اعتقال عدد من أصدقاء الشابين، إضافة إلى رجل سبعيني وابنه، ولا تزال عملية التحقق من أسمائهم وظروف احتجازهم جارية حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
مسؤولية قانونية على أعلى المستويات
وأعلنت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أنها تحمّل كلاً من: وزير الداخلية اللواء محمود توفيق، والنائب العام المستشار محمد شوقي، وجهاز الأمن الوطني.
المسؤولية الكاملة عن سلامة الشابين، مطالبة بالكشف الفوري عن مكان احتجازهما، وتمكينهما من التواصل مع أسرتيهما ومحاميهما، وضمان مثولهما أمام جهة قضائية مستقلة، وفتح تحقيق عاجل في كل ما ارتبط بهذه الحادثة من انتهاكات، بداية من ظروف احتجازهما، وصولًا إلى تعامل الدولة الإعلامي والأمني مع الحدث.
تصدع في صورة الأمن الوطني
وتثير هذه الواقعة تساؤلات وجودية حول فعالية المنظومة الأمنية خاصة عندما تكون إحدى أهم مؤسساتها عرضة للاقتحام بهذه السهولة، وبهذا الحجم من التوثيق العلني. وإذا كان مثل هذا الفشل قد حدث فعلًا، فإن محاولة التغطية عليه عبر الإنكار بدل الشفافية، تمثل أزمة أخلاقية ومؤسساتية عميقة تتطلب مراجعة شاملة.
أما إذا كانت الحادثة ملفقة، فإن غموض وتناقض البيانات الرسمية يفضح ضعف الخطاب الأمني الرسمي، وعدم قدرته على مواجهة الأزمة بثقة ووضوح.
في الحالتين، تعيش مصر اليوم واحدة من أكثر لحظاتها حرجًا في التعامل مع ملفي حقوق الإنسان وحرية التعبير، وسط صمت رسمي مطبق، وانشغال الرأي العام بقضية لم تنته فصولها بعد.
https://www.facebook.com/photo?fbid=771859561861772&set=a.206829455031455&locale=ar_AR