تصاعدت صرخات الألم من داخل "سجن بدر 3"، أحد أحدث السجون وأكثرها غموضًا وقسوة، حيث يخوض عشرات السجناء السياسيين من كبار الشخصيات العامة والوزراء السابقين إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، احتجاجًا على ما يصفونه بـ"الموت البطيء" خلف القضبان، وسط صمت حكومي مطبق، ومناشدات حقوقية عاجلة.
أطلق معتقلو "قطاع 2" في سجن بدر 3، الواقع ضمن مجمع سجون وادي النطرون الجديد، رسالة مؤلمة للعالم، حمّلوها نبرة وداعية، مؤكدين حرمانهم من زيارة أهاليهم منذ أكثر من 8 سنوات، مع تعرضهم لانتهاكات جسدية ونفسية ممنهجة، تشمل العزل الانفرادي، المنع من التواصل، الإهمال الطبي، والحرمان من الحقوق الأساسية كافة، وعلى رأسها الحق في الحياة الكريمة.
صرخة من الداخل: "على مشارف الموت"
قال المعتقلون في رسالتهم، التي نُشرت عبر الحقوقي المصري مسعد البربري:
"نرسل هذه الرسالة لنقول إن النظام المصري يريد لنا أن نموت ببطء داخل هذا السجن المعزول. قريبًا قد تزورون قبورنا دون حواجز.. لكننا لن نستطيع الرد عليكم".
توجّه المعتقلون بندائهم إلى ذويهم والعالم، مؤكدين أنهم لا يعلمون إن كان آباؤهم أو أمهاتهم ما زالوا أحياء، وأن أبناءهم كبروا بعيدًا عنهم، "لكننا لا ولن نتراجع عن مقاومتنا لهذا الظلم"، بحسب تعبيرهم.
https://www.facebook.com/Albarbary6/posts/3169036386594005?ref=embed_post
مضربون حتى الموت: أسماء بارزة في خطر
أكدت التقارير دخول 35 معتقلًا في إضراب كلي عن الطعام من أصل 58 نزيلًا في القطاع ذاته، بينهم وزراء، أطباء، أساتذة جامعيون، ومحامون بارزون. أبرزهم:
السفير محمد رفاعة الطهطاوي – رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق
الدكتور محمد البلتاجي – نائب برلماني وأستاذ بكلية الطب
المهندس حسن مالك – رجل أعمال
الدكتور أسامة ياسين – وزير الشباب الأسبق
الدكتور صفوت حجازي، والدكتور سعد عمارة، والدكتور عبد الرحمن البر، وغيرهم من الشخصيات التي تتجاوز أعمار عدد كبير منهم الستين عامًا، ما يرفع خطر المضاعفات الصحية إلى مستوى كارثي.
تصعيد مأساوي: محاولات انتحار وإشعال النار داخل الزنازين
تجاوزت الأزمة مرحلة الإضراب إلى محاولات انتحار جماعية، أبرزها ما قام به الدكتور عبد الله شحاتة، الخبير الاقتصادي ومساعد وزير المالية الأسبق، الذي أضرم النار في بطاطين زنزانته احتجاجًا على سوء المعاملة، وتعرض بعدها لمحاولة انتحار جديدة بابتلاع كمية من الأدوية، نُقل إثرها للمستشفى وهو مكبّل بالسلاسل.
الدكتور محمد البلتاجي وأحمد عارف نُقلا أيضًا إلى المركز الطبي في بدر نتيجة تدهور حالتيهما الصحية بسبب الإضراب، في حين نقل عضو مكتب الإرشاد محمود غزلان بعد أزمة قلبية حادة، رغم أنه لم يكن مشاركًا في الإضراب، مما يعكس هشاشة الوضع الصحي داخل السجن.
أما المعتقل أحمد شريف، فقد أقدم على محاولة انتحار بسبب استمرار منعه من الزيارة ورفض الإدارة توثيق حالته.
رد أمني: إجراءات قمعية وانتقامية
بدلًا من الاستجابة للمطالب الإنسانية، لجأت إدارة سجن بدر 3 إلى تصعيد قمعي ممنهج:
قطع المياه عن السجناء باستثناء ساعة واحدة ظهراً، حيث تبلغ درجة الحرارة ذروتها.
إغلاق مجاري الصرف الصحي ما تسبب في انتشار الروائح الكريهة والحشرات.
نقل المستلزمات الطبية من مستشفى السجن إلى الزنازين، بهدف تجنّب نقل الحالات المتدهورة كي لا يراها السجناء الآخرون.
وتضمنت قائمة المسؤولين عن هذه الانتهاكات بحسب ما نقل ناشطون حقوقيون:
- اللواء عمرو الدسوقي – مدير منطقة سجون بدر
- العقيد أحمد الخولي – مأمور السجن
- المقدم محمد حسن سوار – رئيس المباحث
- الطبيب محمد عبد الصمد – مشرف عيادة السجن
وغيرهم من ضباط أمن الدولة والوطني المتورطين في إدارة منظومة القمع داخل السجن.
نداء حقوقي: على المجتمع الدولي أن يتحرك فوراً
دعا مركز الشهاب لحقوق الإنسان و"كوميتي فور جستس" إلى تدخل دولي عاجل لوقف الانتهاكات، مشددين على خطورة الأوضاع داخل بدر 3. وطالب الحقوقي أحمد مفرح بتشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة، تضم منظمات دولية، بسلطة الزيارة المفاجئة والمقابلة المباشرة مع المعتقلين.
كما شدد مفرح على:
- إقالة إدارة سجن بدر 3 مؤقتاً
- الإفراج عن الحالات الحرجة والذين حاولوا الانتحار
- فتح تحقيقات فورية بإشراف النيابة العامة
- تعديل قوانين السجون لتتماشى مع المعايير الدولية
- تمكين منظمات المجتمع المدني من الرقابة على السجون
- الإفراج عن معتقلي الرأي
"قدمنا أرواحنا لله".. رسالة حسن البرنس
في رسالة منفصلة من سجن بدر 3، أعلن الدكتور حسن البرنس، أستاذ جامعي وطبيب بشري ونائب محافظ الإسكندرية الأسبق، دخوله في إضراب كلي عن الطعام.
وقال البرنس: "قدّمت روحي لله ليسمع العالم صرختنا... نُحرم من كل شيء: الزيارة، العلاج، صلاة الجمعة، التريض، وحتى الراديو والصحف. نحن في قبور بلا تراب".
ويعاني البرنس من السكري، المياه البيضاء في العين، فقدان سمع وبصر جزئي، وخسارة 20 كجم من وزنه نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، ما دفع منظمات مثل "نجدة" و"الشهاب" لتحميل السلطات المسؤولية الكاملة عن حياته.
مطالبات بفتح السجون للرقابة القضائية والحقوقية
دعت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان إلى فتح سجون بدر والعقرب ووادي النطرون أمام الرقابة القضائية ومنظمات حقوق الإنسان، مشيرة إلى أن حالات الإضراب والانتحار المتكررة لم تعد استثناء، بل تمثل نهجاً ممنهجاً لكسر المعتقلين نفسياً وجسدياً.