نشرت ميدل إيست مونيتور مقالًا تناول ما وصفه بالانهيار الوطني والأخلاقي لمحمود عباس (أبو مازن) في تصريحاته الأخيرة. شن عباس هجومًا حادًا على المقاومة الفلسطينية في غزة، بقيادة حركة حماس، مما أثار موجة من الغضب والجدل الواسع في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

افتتح عباس الدورة الثانية والثلاثين للمجلس المركزي الفلسطيني بمطالبة المقاومة بتسليم الأسرى الإسرائيليين لديها، مستخدمًا لغة مسيئة وغير لائقة بدلًا من توجيه اتهاماته للكيان الصهيوني ومطالبته بوقف المجازر المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني.

أصدر المجلس الثوري لحركة فتح بيانًا طالب فيه حركة حماس بوقف "قيادة مصير الشعب الفلسطيني وفق أجندات خارجية"، محملًا إياها مسؤولية تعطيل المسار الوطني الفلسطيني، ودعاها إلى الالتزام بسياسات منظمة التحرير الفلسطينية.

رأى مراقبون أن تصريحات عباس ولجنة فتح جاءت متزامنة مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية الوحشية على غزة وتفاقم الأزمة الوطنية، معتبرين إياها محاولة خطيرة لتحميل المقاومة مسؤولية الأزمة بدلًا من مواجهة الاحتلال.

لا يمكن فصل هذه التصريحات عن المسار الذي انتهجته السلطة الفلسطينية منذ سنوات، والمتمثل في التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وملاحقة المقاومين في الضفة الغربية، وتشويه صورة المقاومة المسلحة تحت ذرائع "المصلحة الوطنية" و"الشرعية الدولية". وبينما يقتل الفلسطينيون يوميًا وتُهدم بيوتهم، توجه السلطة نقدها إلى المقاومة بدلًا من الاحتلال.

بعد غياب طويل عن الساحة السياسية والميدانية في لحظة مصيرية تمر بها القضية الفلسطينية منذ نكبة 1948، عاد عباس بعد أكثر من 18 شهرًا ليهاجم شعبه، مبررًا جرائم الاحتلال ومدافعًا ضمنيًا عن نتنياهو أمام ضحاياه، ومعظمهم من الأطفال والنساء. أصر عباس، حتى في آخر مراحل مسيرته السياسية، على معاداة أسر الشهداء والجرحى والأسرى عبر قطع رواتبهم، وتعزيز التنسيق الأمني رغم المجازر، ورفض الانخراط في موقف وطني موحد، وعمل على تعطيل جميع أشكال المقاومة.

اتهم المراقبون فريقه السياسي بمحاولة تبرير شلل السلطة الكامل وخوفها من فقدان دورها المتضائل، في ظل تصاعد نفوذ فصائل المقاومة في غزة والضفة الغربية المحتلة.

في الوقت الذي تواجه فيه كتائب المقاومة آلة القتل الإسرائيلية في غزة، تواصل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية ملاحقة الناشطين في جنين ونابلس وطولكرم، واعتقال كل من يساند المقاومة أو ينتقد أداء السلطة. وكشفت تقارير عديدة عن تزويد أجهزة السلطة الاحتلال بمعلومات عن مطلوبين وإفشال عمليات المقاومة قبل تنفيذها، وهو ما وصفه محللون بأنه "خيانة وظيفية" تخدم بقاء السلطة ومصالح نخبتها الحاكمة.

تُظهر ممارسات السلطة أن الأولوية ليست في مواجهة الاحتلال، بل في السيطرة على الشارع الفلسطيني وتفكيك جبهته الداخلية، حتى لو كان الثمن دماء الفلسطينيين.

بينما تطرح المقاومة في غزة مشروعًا للتحرير تحت ظروف إنسانية وسياسية معقدة، تصر السلطة على التمسك بمشروع الدولة تحت الاحتلال، وهو مشروع أثبت فشله خلال أكثر من عقدين. إذ رغم مرور أكثر من ثلاثين عامًا على تأسيس السلطة، لم تؤد مفاوضات أوسلو إلى قيام دولة فلسطينية، بل زادت الاستيطان والتهجير والانقسام وتعميق الاحتلال.

يتجلى التناقض بوضوح: بينما تسفك الدماء في غزة وتُجرف الأراضي في الضفة وتُنتهك المقدسات، تتمسك السلطة بموقفها المتشدد ضد المقاومة، متهمة إياها باتباع أجندات خارجية، بينما هي في الواقع تنفذ أجندة التنسيق الأمني وشرعية زائفة تخدم الاحتلال أكثر من خدمة تطلعات الشعب الفلسطيني.

وسط التحديات الكبرى التي يواجهها الفلسطينيون من إبادة جماعية في غزة وقمع في الضفة، لم يعد خطاب فتح عن "الأجندات الخارجية" و"الشرعية الفلسطينية" مقنعًا لشعب يشاهد بأم عينه من يقاتل، ومن يصمت، ومن يتآمر، ومن يُستشهد، ومن يوقع اتفاقيات أمنية.

تؤكد الحقائق أن فصائل المقاومة أصبحت صوت الشارع الفلسطيني، فيما تمضي السلطة في مسار التهميش والانهيار حتى تطويها صفحات التاريخ كغيرها من التجارب الفاشلة.

https://www.middleeastmonitor.com/20250425-mahmoud-abbass-collapse/