أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليق تمويل المؤسسات المحلية والدولية المرتبطة بالوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) موجة من القلق في الأوساط المصرية، وسط مخاوف من تداعيات خطيرة على مشروعات تنموية حيوية في مجالات الصحة والتعليم ومكافحة الفقر.
ورغم استثناء المساعدات العسكرية لمصر، فإن القرار أحدث ارتباكًا واسعًا داخل المؤسسات المعنية، مما يهدد مستقبل الملايين من المصريين الذين يعتمدون على هذه المساعدات لتحسين أوضاعهم المعيشية.
تداعيات القرار على الاقتصاد المصري والمجتمع المدني
تعد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من أبرز الجهات الداعمة لمشروعات التنمية في مصر، حيث توفر تمويلًا مباشرًا للجمعيات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، خصوصًا في مجالات الزراعة والمساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى مشروعات مواجهة الفقر في المناطق العشوائية بالقاهرة والمناطق الريفية في صعيد مصر.
ويأتي هذا القرار في وقت يواجه فيه الاقتصاد المصري أزمة متفاقمة، إذ يشير تقرير البنك الدولي إلى أن 60% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، في ظل ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض القدرة الشرائية بسبب تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه المتكرر منذ عام 2016.
من جانبه، أكد مصدر حقوقي أن القرار الأميركي أدى إلى اضطراب واسع داخل الوزارات المعنية، لا سيما التعليم والصحة والمجلس القومي لحقوق الإنسان، حيث تعتمد العديد من البرامج التنموية على التمويل الأميركي.
ووفقًا للمصدر، فإن المساعدات الأميركية كانت توفر الدعم النقدي المباشر، وتساهم في تطوير البنية التحتية للخدمات الاجتماعية، مما يجعل تعليقها بمثابة ضربة موجعة للفئات الأكثر احتياجًا في مصر.
تمويل برامج مكافحة الفقر ومصير "تكافل وكرامة"
بحسب مصادر برلمانية، فإن المساعدات الأميركية لمصر كانت تشمل نحو 300 مليون دولار مخصصة لمشروعات تنموية مثل برنامج "تكافل وكرامة"، الذي يهدف إلى تحسين ظروف المعيشة للأسر الأكثر فقرًا.
ويشمل البرنامج دعمًا نقديًا للأسر الفقيرة، بالإضافة إلى تمويل مشروعات البنية التحتية، مثل توصيل المياه والصرف الصحي في القرى النائية ومع تعليق التمويل، باتت حكومة السيسي مطالبة بإيجاد بدائل سريعة للحفاظ على استمرارية هذه المشروعات الحيوية.
وقد أعرب مسؤولون في وزارة التضامن الاجتماعي عن قلقهم من تراجع قدرة الدولة على تمويل هذه البرامج دون الدعم الأميركي، مما قد يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة، وارتفاع مستويات التوتر الاجتماعي.
القرار الأميركي وتأثيره على القطاع الصحي
يُشكل القطاع الصحي أحد أكثر المجالات تضررًا من قرار تعليق المساعدات، إذ تعتمد مصر على جزء كبير من التمويل الأميركي لدعم برامج مكافحة الأمراض المزمنة والمعدية، مثل فيروس سي والإيدز والإنفلونزا الموسمية، كما تساهم منظمة الصحة العالمية، المدعومة جزئيًا من الولايات المتحدة، في توفير اللقاحات وبرامج العلاج للمرضى غير القادرين.
ووفقًا للدكتور مدحت خفاجي، مدير مركز الأورام بجامعة القاهرة الأسبق، فإن تعليق المساعدات قد يؤثر على استمرارية حملات التطعيم ضد الأمراض المعدية، مما يهدد الصحة العامة، خاصة بين الأطفال والفئات الأكثر عرضة للخطر، كما أشار إلى أن تمويل مكافحة الفشل الكلوي والأمراض السرطانية قد يتعرض للانقطاع، مما يزيد من معاناة المرضى الذين يعتمدون على هذه البرامج لتلقي العلاج.
التعليم العالي في مواجهة الأزمة
لم يقتصر تأثير القرار الأميركي على القطاعات الاقتصادية والصحية فقط، بل امتد إلى قطاع التعليم العالي، حيث يعتمد عدد كبير من الطلاب المصريين على المنح الدراسية الممولة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وأعلن المتحدث باسم وزارة التعليم العالي، عادل عبد الغفار، أن الجامعات الحكومية والخاصة ستتولى تغطية نفقات 877 طالبًا كانوا مسجلين ضمن برامج المنح الأميركية، بينما تعهدت الجامعة الأميركية في القاهرة بتحمل تكاليف 207 طلاب آخرين، وفي الوقت نفسه، تقدم عدد من رجال الأعمال المصريين بعروض لتمويل طلاب الجامعة الأميركية المتأثرين بالقرار، لضمان استكمال دراستهم.
هل تتأثر العلاقات المصرية-الأميركية؟
يأتي قرار تعليق المساعدات في وقت تشهد فيه العلاقات بين القاهرة وواشنطن حالة من التوتر، خاصة في ظل الانتقادات الأميركية لملف حقوق الإنسان في مصر، وعلى الرغم من أن المساعدات العسكرية لمصر لم تتأثر بالقرار، فإن تعليق الدعم التنموي قد يكون مؤشرًا على توجه أميركي جديد تجاه الحكومة المصرية.
ويشير مراقبون إلى أن هذا القرار قد يدفع مصر إلى البحث عن شركاء جدد في مجال التمويل التنموي، مثل الصين والاتحاد الأوروبي والدول الخليجية، لتعويض النقص الناجم عن تعليق المساعدات الأميركية.

