قضى المعتقل محمد جمعة أكثر من 13 عامًا داخل سجون النظام المصري، متنقلاً بين طرة والعقرب ووادي النطرون، في ظروف احتجاز لا تليق بآدمي، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة دون رعاية طبية، رغم استغاثاته المتكررة. وكان جمعة محكومًا عليه بالإعدام في قضية "قسم العريش"،

 

لم يُعدم رسميًا، بل تُرك ليموت ببطء، ليُضاف اسمه إلى قائمة طويلة من الضحايا الذين أنهكتهم السجون المصرية تحت حكم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، حيث أصبحت الإعدامات والإهمال الطبي سياسة ممنهجة لإخماد الأصوات المعارضة.

 

13 عامًا خلف القضبان: الإعدام في انتظار الموت البطيء

 

لم تكن قضية محمد جمعة حالة فردية، بل واحدة من عشرات القضايا التي تحولت فيها المحاكم إلى أداة للقمع السياسي.

 

صدر حكم الإعدام بحقه عام 2012، ليبدأ رحلة العذاب في سجون الانقلاب، حيث انتقل من سجن طرة إلى العقرب سيئ السمعة، ثم إلى مجمع وادي النطرون بعد إغلاق العقرب.

 

سنوات من الزنازين الانفرادية، والبرد القارس، ومنع الزيارة، والحرمان من الرعاية الصحية.

 

لم يكن الحكم وحده قاتلًا، بل كانت الحياة اليومية داخل هذه السجون أقسى من الموت نفسه.

 

الإهمال الطبي: أداة قتل رسمي ببطء

 

في آخر فصول حياته، شعر محمد جمعة بآلام حادة في الصدر، واستغاث بمن حوله من زملائه المعتقلين، لكن لا أحد لبّى النداء.

 

تأخرت الاستجابة الطبية – إن وُجدت أصلًا – حتى فارق الحياة.

 

تتهم منظمات حقوقية الإدارة بتعمد تركه دون علاج رغم وضوح حالته، وهو نمط متكرر في حالات الوفاة داخل السجون المصرية، خصوصًا في قضايا تصنفها السلطة كأمنية أو سياسية.

 

الإهمال الطبي لم يعد خللاً إداريًا، بل بات وسيلة قتل غير مباشرة يُمارسها النظام بصمت.

 

قضية قسم العريش: قضاء بلا عدالة وإعدامات بالجملة

 

تُعتبر قضية "قسم العريش" مثالًا صارخًا على انهيار معايير العدالة في مصر.

 

في عام 2014، أصدرت محكمة جنايات أمن الدولة العليا أحكامًا جماعية بالإعدام على 14 شخصًا، بينهم جمعة، في قضية تفجير قسم شرطة العريش وقتل رجال شرطة وجيش.

 

المحاكمة، التي صُدّق على أحكامها سريعًا من قبل عبد الفتاح السيسي، جرت في ظل أجواء استثنائية من القمع، وسط اتهامات واسعة بتعذيب المتهمين، وانتزاع اعترافات تحت الضغط، وغياب الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة.

 

حكومة الانقلاب والإعدامات الجماعية: منظومة رعب لا عدالة

 

منذ تولي قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الحكم بانقلاب عسكري عام 2013، تحوّلت الإعدامات إلى أداة أساسية لبث الخوف وكسر أي مقاومة.

تقارير محلية ودولية توثق صدور مئات أحكام الإعدام بحق معارضين سياسيين، معظمها في قضايا هزيلة أو مسيسة.

المحاكمات الجماعية، وغياب التحقيقات النزيهة، والسرعة في التصديق على الأحكام، تعكس عقلية انتقامية لا علاقة لها بالقانون أو العدالة.

 

انهيار منظومة العدالة... وصمت المجتمع الدولي

 

رغم مناشدات منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش"، و"العفو الدولية"، و"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، لم تتخذ القوى الدولية موقفًا جادًا تجاه الانتهاكات الحقوقية في مصر.

 

فبين المصالح الاقتصادية والعلاقات الأمنية، تغض العواصم الغربية الطرف عن جرائم السيسي ونظامه.

 

وفي هذا الصمت، يُترك أمثال محمد جمعة ليواجهوا مصيرهم في عتمة الزنازين، دون صوت ولا عدالة.

 

محمد جمعة ليس الأخير إن استمرت منظومة القتل

 

مات محمد جمعة، لا أمام مشنقة، بل بفعل الإهمال، والقهر، واللامبالاة.

 

موته ليس حادثًا عرضيًا بل نتيجة حتمية لنظام لا يرى في الإنسان سوى تهديدًا يجب التخلص منه.

 

إن لم تتوقف هذه الجرائم، سيستمر الموت في اصطياد المعتقلين واحدًا تلو الآخر.

 

وكل يوم يمر دون محاسبة هو تكريس لشرعية الإجرام تحت راية الدولة.