بينما يعاني المواطن المصري من أعباء اقتصادية غير مسبوقة، تأتي التصريحات الرسمية الأخيرة لتزيد الطين بلة، مع إعلان نية رفع أسعار كروت الشحن في بداية عام 2026.
هذا القرار المرتقب، الذي برّرته الجهات المختصة بارتفاع أسعار الوقود، يكشف عن عجز النظام القائم عن حماية المواطن، وافتقاده لأي رؤية اقتصادية تُراعي العدالة الاجتماعية أو حقوق الفقراء.
تستمر السلطة في تحميل المواطن نتائج سياساتها الاقتصادية الفاشلة، وبدلاً من البحث عن حلول جذرية للأزمات الهيكلية التي تعصف بقطاع الاتصالات، تلجأ إلى أسهل الطرق: الضغط على جيوب المصريين المنهكة.
تمهيد ناعم لصدمة جديدة
أكد المهندس محمد طلعت، رئيس شعبة الاتصالات والمحمول باتحاد الغرف التجارية، أن أسعار كروت الشحن ستشهد زيادة مع مطلع عام 2026، بسبب ارتفاع تكاليف تشغيل الشبكات المعتمدة على الوقود.
ورغم محاولاته تطمين الرأي العام بأن الأسعار "ما زالت مستقرة"، إلا أن التوقيت المعلن للزيادة يأتي ضمن نمط مألوف من التمهيد النفسي التدريجي قبل اتخاذ قرارات موجعة.
اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها ذريعة "ارتفاع أسعار المواد البترولية" لتبرير رفع الأسعار.
لكن ما لم يُقَل في التصريحات الرسمية هو أن هذه الزيادات تُمرر دائمًا في غياب تام لأي حماية للمستهلك أو رقابة حقيقية على أرباح الشركات المشغلة.
الجهاز القومي للتنظيم... غائب أم شريك؟
وبينما يحيل طلعت القرار إلى "الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات" باعتباره الجهة الوحيدة المخولة قانونًا بالموافقة على الزيادات، فإن الواقع يثبت عكس ذلك.
فالتجارب السابقة تؤكد أن الجهاز لا يتخذ قراراته باستقلالية، بل غالبًا ما يعمل كممر آمن لتمرير سياسات الحكومة دون مساءلة.
اللافت أن طلعت نفسه أقرّ بأن الشعبة ليست طرفًا في اتخاذ القرار، ولا يوجد "تعاون رسمي" مع الجهاز المنظم، مما يطرح علامات استفهام حول الشفافية والحوكمة في إدارة أحد أهم القطاعات الحيوية في البلاد.
أعباء متراكمة وواقع مرير
الزيادة المرتقبة في أسعار كروت الشحن، وإن كانت مؤجلة إلى 2026، ستُضاف إلى سلسلة لا تنتهي من الإجراءات الاقتصادية القاسية التي فرضها النظام خلال السنوات الماضية: من تحرير سعر الصرف، إلى رفع الدعم، إلى زيادة الضرائب والرسوم.
المواطن، الذي بالكاد يجد قوت يومه، سيجد نفسه مضطرًا لدفع المزيد مقابل خدمة أساسية تُعد من ضرورات الحياة اليومية.
في دولة يعاني أكثر من 60% من سكانها من الفقر أو الهشاشة الاقتصادية، يصبح رفع أسعار كروت الشحن قرارًا غير أخلاقي، ويكشف بوضوح أن الحكومة الحالية لم تعد تعبأ بتأثيرات سياساتها على المواطن العادي.
الوقود… الذريعة المعتادة
تحجج الحكومة بارتفاع أسعار الوقود بات مكررًا ومستهلكًا.
فمنذ سنوات، يتم تحميل "تكاليف التشغيل" للمواطنين بدلاً من إعادة هيكلة القطاعات أو تقليل الإنفاق الحكومي المبالغ فيه.
بدلًا من مراجعة سياسات الدعم أو البحث عن حلول مستدامة، يُستخدم المواطن ككبش فداء، يدفع ثمن فشل منظومة متكاملة.
الحديث عن "تأثير غير مباشر لكنه حتمي" للوقود على الاتصالات لا يبرر أبدًا الصمت الحكومي عن أرباح الشركات المشغلة، أو غياب أي آلية شفافة لمحاسبتها.
هل من رادع؟
في ظل هذا المشهد، يبقى السؤال: إلى متى سيظل المواطن وحده من يدفع الثمن؟ قرار رفع أسعار كروت الشحن هو امتداد طبيعي لسياسات حكومة لا تهتم إلا بجمع الجبايات وسد عجز الموازنة على حساب الشعب.
الخطورة أن هذا القرار يأتي في وقت تزداد فيه حالة الاحتقان الشعبي، وتتزايد فيه معدلات الفقر والبطالة، ما ينذر بانفجار اجتماعي قادم إذا استمرت السلطة في تجاهل الواقع.
الحكومة، التي جاءت بانقلاب على الإرادة الشعبية، تواصل اليوم انقلابًا اقتصاديًا على البسطاء.
وما لم يتحرك المجتمع المدني، والإعلام الحر، والقوى الوطنية لوقف هذا النزيف، فإن القادم أسوأ بكثير.

