لم يستجب عبدالفتاح السيسي لسحب مشروع قانون الإجراءات الجنائية رغم العوار الدستوري وتضاده مع الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر، وانطلق برلمان العسكر لإقرار مشروع القانون، في حين كشفت منظمات حقوقية عن آثار قانون الإجراءات الجنائية الجديد.

ومرر بطريق الالتواء القانون عبر التصويت بالأغلبية -وهي آلية مضللة هنا- وانتهى لتمرير المواد التي تمثل مصالح السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة، والنيابة العامة، ووزارة الداخلية باعتبارهم أصحاب الأغلبية التصويتية، على الرغم من الإدعاء بأن كل جهة لها صوت واحد فقط مهما تعدد ممثليها، حيث تظل بالرغم من ذلك أغلبية التشكيل للجانب الرسمي الحكومي.
 

حبس احتياطي بلا نهاية!
    وتحفظت المنظمات الحقوقية على تعديلات قانون الأجراءات واعتبرته مدخلاً خلفياً لاستمرار مدد الحبس الاحتياطي دون نهاية. في الوقت الذي يعاني فيه الآلاف من المعتقلين السياسيين من آثار الحبس الاحتياطي المطول، الذي بلغ في حالات كثيرة 10 سنوات كاملة من دون إحالة إلى المحاكمة.

وأضاف القانون مسوغ جديد للحبس الاحتياطي وهو "توقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام" كما قصر القانون إصدار التدابير الاحترازية على النيابة العامة فقط، برغم قصر مدة الحبس الاحتياطي.

ومنح النيابة العامة سلطات القاضي الجزئي والجنح المستأنفة في مد الحبس الاحتياطي في بعض الجرائم دون وجود آلية للطعن على قراراتها.

وسمح للنيابة العامة بمنع اتصال المتهم المحبوس احتياطيا بغيره من المحبوسين ومنع الزيارة عنه دون إخلال بحق الاتصال بالمدافع عنه.

ومكن القانون المحامي العام من اتخاذ تدابير تحفظية مؤقتة دون حد أقصى زمني للمنع من التصرف والإدارة على أموال المتهمين وأسرهم دون حكم مسبق.
 

استثناء وواقع
   وقالت المنظمات أن فلسفة القانون الذي أقره برلمان العسكر تدور حول تطبيع الممارسات والصلاحيات الاستثنائية.
وأضافت أن الاستثناءات كانت واقعا معاشا منذ الانقلاب أو ما اسموه "فترة الحرب على الإرهاب" ودمجها في القضاء العادي.
ومن ذلك السماح للنيابة بإجراء التحقيق في ظل غياب المتهم أو دفاعه أو وكيل الحقوق المدنية وفق ما تراه. ويُقيد القانون ممارسة الدفاع لعمله حيث يسمح للنيابة بتقييد وكيل الخصم في الكلام إلا بإذن فيما عدا الدفوع والطلبات.
ويقيد القانون حق المتهم والدفاع في الحصول على أوراق القضية والتحقيقات أثناء التحقيقات، إذا رأي ذلك.
ويسمح القانون بتفتيش المنازل دون وجود أصحابها أو من ينوب عنها ودون اشتراط وجود شاهدين من الجيران أو الأقارب وإثبات ذلك في محضر على غرار ما كان عليه الوضع في القانون السابق للإجراءات الجنائية.
 

تحصين بلطجة الداخلية
   على صعيد تمكين وتحصين قوات داخلية السيسي المنوطين بإنفاذ القانون ومأموري الضبط القضائي والنيابة العامة، كما تكشف كثيرا عن التسييس الذي لحق بمؤسسة النيابة العامة خلال هذه السنوات شمل ذلك التحصين حرمان المجني عليهم من رفع دعاوى جنائية ضد الموظفين العموميين بشكل مباشر، وتحصين الموظفين العموميين ضد الجرائم التي لا تسقط بالتقادم كالتعذيب والاعتداء على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، والسماح لمأمور الضبط القضائي باستجواب المتهم.
 

لا محاكمات عادلة
   وأكدت المنظمات أن القانون يفتئت بمواده المطروحة على حقوق المواطنين في المحاكمة العادلة، وحقوق ومبادئ الدفاع الموكل عنهم، حيث لا يُبطل القانون الإجراءات في حال لم يبرز رجال الضبط القضائي ومرؤوسيهم ورجال السلطة العامة هويتهم عن القبض أو التفتيش، إضافة لتوسيعه صلاحيات مأمور الضبط أثناء تفتيش المنازل واتخاذ الإجراءات التحفظية المناسبة وفقا لسلطته التقديرية دون إذن قضائي مسبق ودون تحديد دقيق للقرائن المطلوبة.
 

علانية الجلسات
   ومن سبل احتيال القانون على معايير المحاكمات العادلة، جاء نص على تقييد علنية الجلسات كلها أو بعضها، وكذلك تقييد حضور فئات معينة لها، دون أن يُحدد القانون ما هي هذه الفئات، إضافة لاشتراط أن يكون البث والنشر عن الجلسة بموافقة كتابية من رئيس الدائرة بعد رأي النيابة العامة.

وسمح القانون للمحكمة لمآخذة المحامي جنائيا لما قد تراه النيابة أو المحكمة تشويشا أثناء “قيامه بواجبه في الجلسة”.  وتمييز مأموري الضبط القضائي والنيابة العامة عن القضاة من خلال إعطاء الحق للخصم في ردهم لكن عدم جواز رد مأموري الضبط القضائي ولا النيابة العامة.

واعتبرت المنظمات أن قانون السيسي للإجراءات الجنائية ردة عن مكتسبات دولة القانون وتطور القانون الجنائي المصري على امتداد قرن ونصف من الزمان، وعصفا بحقوق المواطنين وتراجعا عن الالتزامات الدولية لمصر، والضمانات الدستورية.
 

أخطاء إجرائية
   وعكفت لجنة فرعية تابعة للجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ببرلمان العسكر على العمل عليه -إلى جانب اللجنة الأصلية- والتي بدورها كانت تحت سطوة حكومية سواء على صعيد غلبة وجود أعضاء من الأحزاب الموالية للسلطة، وتمثيل واضح لوزارة الداخلية، والنيابة العامة.

وفي المقابل، كان هناك تمثيل ضعيف بمعدل عضو واحد في المتوسط لكل من الأجهزة القضائية الرسمية، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وخبيرين أكاديميين في القانون الجنائي.

وضمت اللجنة الفرعية تمثيل لفئات أقل حيوية للنقاش حول القانون مثل مجلس الشيوخ.

لم يمثل أصحاب المصلحة بفئات مثل نادي قضاة مصر، و نقابتي المحامين والصحفيين، ومنظمات المجتمع المدني في كل من اللجنتين، وآخرين بشكل عادل ومعبر عن عدم جدية نوايا السلطات الرسمية كما أدعت في السنوات الماضية حول عقد حوار وطني شامل لحل الأزمات السياسية العالقة.

وتبنت السلطة نهج غير بناء في النقاش حيث صاحب الانتقادات لمسودة القانون اتهامات لأصحابها بإثارة الرأي العام وزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة، برغم تقدم المعترضين ببدائل عملية للتعديلات المقترحة.

وفي 17 أغسطس 2024 الماضي؛ أعلن برلمان العسكر عن الانتهاء من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد ليحل محل القانون الساري، بعد عمل استمر منذ 2017 عندما قدمته الحكومة إلى البرلمان حينها في ليعود النقاش عن القانون مجددا في بدايات عام 2024. وُطرح القانون للجلسة العامة للتصويت والنقاش مع بداية دور الانعقاد في أكتوبر.