كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن شهادة غير مسبوقة لمحتجز سابق من منطقة إمبابة، عقب الإفراج عنه من قضية جنائية قضى كامل مدتها خلف القضبان وبرغم اعترافه بأخطائه السابقة، إلا أنّ ما جاء في روايته يفجّر موجة جديدة من التساؤلات والقلق حول طريقة تعامل بعض أفراد الشرطة داخل قسم إمبابة، وسط مزاعم بتهديدات وضغوط وانتهاكات جسيمة تحتاج – وفق المنظمات الحقوقية – إلى تدخل قضائي عاجل.

 

الشاب، الذي أخفت الشبكة هويته حرصًا على سلامته، روى تفاصيل ما وصفه بـ"رحلة الخوف" التي يعيشها خارج أسوار السجن، مؤكدًا أنّ حياته تحولت إلى مطاردة وضغوط مستمرة لإجباره على التعاون الأمني كـ"مرشد"، وهو ما رفضه بشكل قاطع، قائلًا إنه يريد فقط أن "يعيش بأمان".

 

شهادة صادمة.. ومشاهد من الداخل

 

في نص شهادته التي جاءت باللهجة العامية، بدأ الشاب حديثه باعتراف واضح بماضيه: "مشيت غلط… واتعاقبت… ومفيش إنسان معصوم من الغلط… نفسي أعيش زي الناس مرتاح".

 

لكن هذا الاعتراف – كما يقول – لم يشفع له عند بعض الأمناء داخل قسم شرطة إمبابة. فبعد خروجه من السجن، فوجئ باتهامات وضغوط متواصلة من اثنين من الأمناء، تسببت في حرمانه من الشعور بالأمان داخل منطقته.

 

وأضاف في شهادته: "قابلوني الأمناء مرتين… تهديد وبهدلة… مش عارف أعيش في بلدي اللي المفروض ألاقي فيها راحة وأمان".

 

ويواصل روايته قائلًا إن بعض الأمناء طلبوا منه العمل معهم كمرشد، مقابل "غضّ الطرف" أو "التسهيل"، وهو ما رفضه تمامًا: "عايزيني اشتغل مرشد… يا أسلّم ناس يا ياخدوا عليا… وأنا مش همشي في السكة دي".

 

ويتهم الشاب أسماء محددة من أمناء الشرطة والضباط في القسم، معتبرًا أن ما يحدث يشبه "عصابة تستخدم السلطة"، على حد تعبيره، داعيًا مسؤولًا رسميًا للنزول إلى الشارع بـ"ملابس عادية" ليرى كيف يُعامل المواطنون.

 

مخاوف من مصير مشابه لحالات وفاة سابقة

 

أشد ما أثار خوف الشاب – وفق شهادته – هو ما يعتبره نهاية مأساوية لبعض الشبان داخل إمبابة، ومنهم: محمد صبحي الملقب بـ"تراولي": الذي يقول الأهالي إن وفاته جاءت بعد دفعه من الطابق الثامن على يد أمين شرطة – بحسب ما يتردد.

 

أحمد مصطفى المعروف بـ"أحمد جزيرة": الذي توفّي قبل أيام داخل حجز قسم إمبابة في ظروف وُصفت بأنها غير إنسانية.

 

ويقول الشاب بانفعال: "مش عاوز أموت زيهم… ولا عايز أتشال في صندوق وأنا مظلوم".

 

صرخة للحياة.. ورغبة في الأمان

 

اختتم الشاب شهادته بكلمات تعكس مدى الإحباط والخوف الذي يعيشه: "نفسي أنزل شغلي وأرجع لأهلي… أصلي وأنام واصحى… كل اللي طالبه إني أرجع بيتي من غير خوف… أنا ماليش ضهر… بس ربنا أقوي".

 

انتهاكات داخل الحجز.. شهادات متعددة تتقاطع

 

إلى جانب هذه الشهادة، أكدت الشبكة المصرية حصولها على روايات أخرى من محتجزين مفرج عنهم حديثًا، تشير إلى:

  • تكدس مهول داخل 4 غرف فقط يسكنها نحو 700 محتجز.
  • مساحة لا تتجاوز 35 سم لكل فرد للنوم أو الحركة.
  • تهوية منعدمة وانتشار واسع للأمراض الجلدية.
  • روائح خانقة وحالات إغماء متكررة.
  • منع التريض والتعرض للشمس.
  • اتهامات بتلفيق محاضر جديدة لإطالة فترة الاحتجاز.

 

وكانت الشبكة قد وثّقت سابقًا وفاة المواطن أحمد مصطفى داخل الحجز، بعد أسابيع من القبض عليه، وسط شهادات من أسرته ومحتجزين سابقين عن سوء المعاملة والإهمال الطبي.

 

دعوات للمحاسبة والتحقيق الفوري

 

طالبت الشبكة المصرية بفتح تحقيق رسمي وشفاف في هذه المزاعم، مؤكدة أن حجم الاتهامات يستوجب تحركًا عاجلًا من النائب العام والجهات المختصة للنزول إلى قسم إمبابة والاطلاع على الأوضاع مباشرة، وفتح تحقيق شامل في ظروف الاحتجاز داخل القسم، والتحقيق في الوقائع المنسوبة إلى الأمناء المذكورين في الشهادة، تحت إشراف النيابة، وضمان حماية الشهود والمبلّغين من أي انتقام محتمل.